جهود إماراتية فاعلة لصياغة توجه عالمي للحد من تداعيات تغير المناخ على السلم والأمن الدوليين

خصصت دولة الإمارات خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، يوماً «للإغاثة والتعافي والسلام»، وهو أول حدث من نوعه يجري في مؤتمرات الأطراف، والغرض منه تسليط الضوء على الترابط بين التغير المناخي والسلام والأمن، واقتراح حلول عملية لتفادي العبء الناجم عن تأثير تغير المناخ على الاستقرار.

وتوجد علاقة تبادلية واضحة بين تزايد حدة تداعيات تغير المناخ عالمياً واضطراب الأمن والسلم الدوليين، حيث يتسبب تدهور الظروف المناخية في صراعات تهدد استقرار الشعوب، وكذلك تخلّف الحروب والنزاعات السياسية آثاراً كارثية على البيئة وتنشر الأمراض والأوبئة، وتُضعِف القدرة على الصمود أمام تداعيات تغير المناخ.

ولمواجهة تداعيات التحديات المناخية على السلام والأمن الدوليين، دعت دولة الإمارات خلال المناقشة المفتوحة التي نظّمتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول تغير المناخ والسلام والأمن على المستوى الوزاري، إلى تبني نهج تعاوني وسريع الاستجابة لمعالجة العلاقة المتبادلة بين تغير المناخ والسلام والأمن الدوليين، مشددة على أن تغير المناخ بوصفه عاملاً يضاعف المخاطر لم يعد سيناريو افتراضياً، بل أصبح تجربة حية يومية في مختلف بيئات النزاع في أنحاء العالم.

وتنسجم هذه الدعوة مع محور «الأثر» ضمن حملة «استدامة وطنية» التي أُطلقت بالتزامن مع قرب استضافة مؤتمر الأطراف COP28، حيث يستعرض هذا المحور التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة في الإمارات على مختلف المجالات، فيما تهدف الحملة إلى نشر السلوكيات الإيجابية نحو البيئة وتعزيز الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية.

تأثير عالمي
وتسعى دولة الإمارات من خلال استضافتها لمؤتمر COP28 إلى صياغة توجه عالمي فاعل يسهم في الحد من تداعيات تغير المناخ على السلم والأمن الدوليين، وتؤكد ريادتها من خلال تركيز المؤتمر على الانتقال من مرحلة تقديم التعهدات إلى تحقيق الإنجازات.

وأشارت دولة الإمارات خلال اجتماع القمة التاسعة لرؤساء البرلمانات لمجموعة العشرين الذي عقد في نيودلهي في أكتوبر 2023 إلى أنه انسجاماً مع أهداف مؤتمر COP28 ، لا بد من التأكيد على مبدأين يشكلان أساساً لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لجميع شعوب العالم، ولضمان السلم والأمن الدوليين، أولهما أن التصدي للظواهر البيئية والمناخية، والاستثمار في تطوير مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، لتحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، يمثل مسؤولية مشتركة تستوجب تضافر جهود الجميع من دول الجنوب والشمال العالميين، وتفرض مراعاة ظروف وحاجات الدول الفقيرة والنامية والسعي الجاد لإنصافها.

أما المبدأ الثاني فهو أنَّ السباق مع الزمن لتوظيف التكنولوجيا المتقدمة في مواجهة تداعيات تغير المناخ لم يتأخر كثيراً، غير أنه لن ينتظرنا طويلاً، ولا بُدّ أن نبدأ فوراً في العمل، حيث واجهت جميع قارات العالم دون استثناء تداعيات كبيرة من فيضانات وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال صيف هذا العام، وكانت تحذيراً لنا جميعاً.
15 تعهداً
وأعلنت دولة الإمارات ومالطا وموزمبيق وسويسرا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خلال اجتماع عُقد مارس الماضي، عن 15 تعهداً لصياغة نهج متسق للاستجابة القائمة على الحقائق العلمية لتحديات المناخ والسلام والأمن.
وتعمل التعهدات التي تغطي مجموعة من وظائف المجلس على تمكينه من التصدي للمخاطر والآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ، التي تعوقه عن أداء مهمته المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين.

وتتضمن التعهدات التزام الدول بعقد اجتماع واحد على الأقل لمجلس الأمن بشأن المناخ والسلام والأمن، وتسليط الضوء على أهمية دعم تقييمات المخاطر الشاملة واستراتيجيات إدارة المخاطر لكافة المجالات، ودعوة الخبراء في مجالات المناخ والسلام والأمن لإحاطة المجلس في هذا الشأن، وتقديم الدعم اللازم لهم، وتوسيع استخدام اللغة الخاصة بالمناخ والسلام والأمن في أعمال ومخرجات المجلس، وتشجيع جميع بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على تقليل بصمتها الكربونية إلى الحد الأدنى.

التحدي الأكبر
وترى دولة الإمارات أن تغير المناخ يعد التحدي الأمني الأكبر في عصرنا الحالي، إذ لا يوجد أمن حقيقي دون أن يتحقق الأمن المناخي، وفي هذا السياق أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية خلال لقائه أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك على هامش أعمال الدورة الـ 78 من الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي عقدت سبتمبر الماضي، أن لدى دولة الإمارات قناعة راسخة بأن تسريع الاستجابة العالمية لتغير المناخ، وتعزيز السلم والأمن الدوليين، هما كل لا يتجزأ، وتتطلع الدولة خلال استضافتها لمؤتمر”COP28″ إلى العمل مع الأمم المتحدة وكافة دول العالم من أجل تحويل تحديات التغير المناخي إلى فرص للتنمية والازهار الاقتصادي المستدام، بما يسهم في حماية مستقبل الأجيال القادمة.

كما أوضح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، خلال أعمال مؤتمر عقد في سبتمبر 2022، في العاصمة الأمريكية واشنطن تحت عنوان: “الأمن المستدام في الشرق الأوسط: تحديات وآفاق التغير المناخي”، أن التصدي لتداعيات تغير المناخ يتطلب إرساء شراكات دولية للمساهمة في تحرير العقول لترى العالم من زاوية مختلفة، ولا بد أيضاً من أن يسود السلام والاستقرار في المنطقة، لأن الحروب والصراعات تخلِّف كوارث بيئية لا يمكن تخيُّل أبعادها، كما تعوق مواجهة تغير المناخ، مضيفاً أن دولة الإمارات على دراية تامة بقضايا المناخ والبيئة، وتعتزم أن تثبت لبقية دول العالم أنها تسير في مقدمة الركب ولديها رؤية حكيمة في مجالات الطاقة وكفاءة الموارد والتعامل مع البيئة، كما تتشارك مع الشعوب داخل الشرق الأوسط وخارجه في التحدي المتمثل في كيفية التعامل مع هذا الخطر العاجل.

تحذيرات أممية
وشغلت التداعيات المتصاعدة على السلم والأمن الدوليين الناجمة عن أزمة المناخ المناقشات الأممية، حيث أكد في هذا السياق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال مناقشة رفيعة المستوى بمجلس الأمن في فبراير 2021 على ضرورة تكثيف الاستعداد لمواجهة التداعيات المتصاعدة على السلم والأمن الدوليين بسبب أزمة المناخ، مشدداً على أن اضطراب المناخ يضخم الأزمات، كما تشتد الأزمات عندما تُضعف الصراعات والتهديدات آليات المواجهة، خاصة في المناطق التي يعتمد سكانها على رأس المال الطبيعي مثل الغابات والمناطق الثرية بالأسماك لكسب الرزق، ولا تتمتع النساء اللائي يتحملن العبء الأكبر من تأثير حالة الطوارئ المناخية، بحقوق متساوية، كما أن التعرّض لمخاطر المناخ يزيد عدم المساواة في الدخل، وأضاف أن تغيّر المناخ يجفف الأنهار، ويقلل المحاصيل الزراعية، ويدمّر البنية التحتية، ويشرّد المجتمعات، ويفاقم أخطار الصراع وانعدام الاستقرار.

كما أكد عبد الله الدردري، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلال فعاليات «أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، الذي نظمته الأمم المتحدة واستضافته العاصمة السعودية الرياض مؤخراً، أن تغير المناخ والتدهور البيئي وندرة الموارد تقوض بالفعل التقدم الإنمائي في منطقة الدول العربية، ما يفاقم عدم المساواة وتآكل التماسك الاجتماعي، وظهور تحديات وتهديدات جديدة للصحة العامة والسلام والأمن.

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى