الاردن بين مواجهة التحديات الإقليمية واستثمار الفرص الاستراتيجية

مهدي مبارك عبد الله

يشهد الشرق الأوسط تحولات جذرية تتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية وتتغير فيها موازين القوى بشكل متسارع وفي خضم هذه التحولات يقف الأردن عند مفترق طرق حساس تحكمه عوامل متعددة موقع جغرافي في قلب الصراع ومحدودية الموارد وتركيبة سكانية متداخلة مع قضايا الإقليم إلى جانب شبكة تحالفات دولية تقليدية آخذة في التغير هذا المقال يحاول تقديم قراءة تحليلية للواقع الأردني من حيث التحديات الإقليمية التي يواجهها والفرص الاستراتيجية التي يمكن البناء عليها في ضوء التطورات الجارية حتى عام 2025

اثناء القراءة التحليلية الدقيقة للواقع المتغير يلحظ العديد من المراقبين والمتابعين ان منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولات متسارعة ومعقدة تؤثر بشكل مباشر في حراكها واثارها المتصاعدة على الدول المحيطة ومن بينها الأردن الذي يعتبر ركناً أساسياً في استقرار المنطقة في ظل أزمات إقليمية متشابكة حيث يضطر إلى مواجهة تحديات متعددة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية في وقت هام يسعى فيه الاردن لاستثمار موقعه الاستراتيجي وموارده الدبلوماسية لتعزيز مكانته وتحقيق مصالحه الحيوية الوطنية والاقليمية والدولية

في الواقع هنالك عدة تحديات إقليمية تواجه الأردن وفي مقدمتها التوترات المتسارعة في الملف الإسرائيلي والفلسطيني حيث يبقى من أهم التحديات التي تواجه الأردن لا سيما مع تصاعد موجة التوترات السياسية في إسرائيل من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وذلك وفقًا لتصريحات الملك عبد الله الثاني في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024 حين أكد أن الوضع في القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية يجب أن يحترم وأن أي إجراءات أحادية الجانب تقوض فرص السلام وتشكل تهديدًا لاستقرار المنطقة

في ذات السياق كشفت تقارير أصدرتها مؤسسات حقوقية فلسطينية أن نسبة الاستيطان الإسرائيلي ارتفعت بمعدل 15% خلال العام الماضي وهو ما فاقم من التوترات وزاد الضغط على الأردن كوصي شرعي تاريخي على الأماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة

ضمن سلسلة الأزمات الإقليمية المتعددة وتأثيرها المباشر على الاردن تظل الأزمة السورية والجماعات المسلحة المتمردة على حدود الأردن مصدر قلق أمني دائم رغم سقوط النظام السابق وقيام دولة جديدة فحسب بيانات وزارة الداخلية الأردنية في تقريرها نصف السنوي لعام 2024 سجل الأردن زيادة بنسبة 20% في محاولات التسلل عبر الحدود ومحاولة تهريب المخدرات من المناطق المتوترة مما دفع الحكومة لتعزيز قواتها الأمنية وزيادة التعاون مع قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والحكومة السورية الجديدة

البعض من جهة أخرى يرى ان النزاع في اليمن وتأثيراته السياسية والاقتصادية في المنطقة إلى جانب المنافسة الإيرانية – السعودية فرض على الأردن تبني سياسة خارجية متوازنة تحافظ على علاقاته هادئة مع جميع الأطراف

فيما يتعلق بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية يعاني الأردن من تحديات اقتصادية كبيرة من حيث ارتفاع معدل البطالة الذي وصل إلى 24% حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2024 وتأثر قطاعات السياحة والاستثمار جراء أزمات المنطقة حيث تشير دراسة صادرة عن البنك الدولي في مارس 2025 إلى أن النمو الاقتصادي الأردني قد يتراجع إلى 2.1% في حال استمرار الضغوط الإقليمية دون اتخاذ خطوات إصلاحية جوهرية لتلافي مرحلة الخطر

في ظل هذه الأوضاع المتغيرة والتحديات المتواصلة أطلقت الحكومة الأردنية خطة إنعاش اقتصادية تستهدف جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية مع التركيز على القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا وهو ما أكده وزير التخطيط والتعاون الدولي في مؤتمر صحفي عقد في مارس عام 2025

رغم كل ما قدمناه من صور قد تكون غير مبهجة الا ان هنالك عدة فرص استراتيجية أمام الأردن يمكن استثمارها بشكل علمي وعملي حيث يمتلك الأردن موقع استراتيجي هام ومؤثر يجعله لاعبًا محوريًا في المنطقة وفي سياق التطورات الأخيرة أشادت الولايات المتحدة في بيان مشترك مع الأردن في فبراير 2025 بدور المملكة في دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز جهود السلام واكدت دعمها لتوسيع التعاون الأمني والاقتصاد بشكل افضل

لا شك بان الدعم الدولي يفتح أمام الأردن آفاقً رحبة لتعزيز دوره كمنصة حوار إقليمي خاصة في ظل استضافة عمان مؤخرًا لمؤتمر دولي حول تعزيز الأمن الغذائي في الشرق الأوسط ما يعزز دورها ومكانتها

من النقاط الاساسية والضرورية امام الاردن التي يجب الاسراع بها العمل المتواصل على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الشركاء الدوليين خاصة وان الاردن نجح في توقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي ودول خليجية خلال الفترة الماضية سوف تسهم في تعزيز صادراته وزيادة فرص العمل حيث تشير بيانات وزارة الصناعة والتجارة لعام 2024 إلى ارتفاع حجم الصادرات الأردنية بنسبة 7% مقارنة بالعام السابق مع توقعات بنمو أكبر مع تطبيق اتفاقيات الشراكة الجديدة

كما لابد من الاشارة هنا الى توجه الأردن نحو الاستثمارات في الطاقة النظيفة حيث أعلنت الحكومة عن مشروع جديد للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاوات في جنوب المملكة بدعم من البنك الدولي ما يعزز من أمن الطاقة ويقلل الاعتماد على الواردات

اهم المسارات التي خطاها الاردن في هذا الصدد الاستثمار في بناء مؤسسات الدولة والحوكمة حيث شهد الأردن إصلاحات هامة في مجالات الحوكمة ومكافحة الفساد وقد أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 إلى تحسن مؤشرات الأردن في محاربة الفساد بمعدل 10% عن العام السابق ما عزز ثقة المستثمرين وحفز المناخ الاستثماري وفي مجال الأمن الوطني نجحت القوات المسلحة الأردنية في تنفيذ عمليات مشتركة مع دول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وتطوير مستويات التدريب والتأهيل مما رفع من مكانة الأردن كقوة إقليمية فاعلة في مجال الأمن والاستقرار الإقليمي

امام كل تلك الآمال والتطلعات والخطط والبرامج الاردنية تبرز عدة تحديات في الداخل ولا زالت مسالة التوازن الوطني ومشكلة الشباب من أبرز التحديات الداخلية الصعبة خصوصا مع تزايد نسب البطالة وتطلعات الاجيال الجديدة لمشاركة أوسع في صنع القرار والعملية السياسية الديمقراكية لذلك تعمل الحكومة على إطلاق برامج تمكين الشباب وريادة الأعمال بالتعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية كما تستمر الجهود الحثيثة لتعزيز الوحدة الوطنية والتعايش بين مختلف المكونات الاجتماعية مع التشديد على أهمية دور المؤسسات التعليمية والإعلام في بناء وعي وطني موحد

في اطار التحليل العمل للسياسات الأردنية المستقبلية والتوصيات الاستراتيجية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة يبدو لنا أن الأردن يتجه نحو سياسة خارجية متوازنة تحاول أن توازن بين علاقاته مع القوى الإقليمية الكبرى ( السعودية الامارات إيران تركيا ) والدول الكبرى ( الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا ) وهذا التوجه يتطلب بالتاكيد دبلوماسية نشطة ومرنة قادرة على إدارة الأزمات والتقاط الفرص لتعزيز الحوار الاقليمي والدولي لمواجهة التحديات المشتركة خصوصًا الأمنية والبيئية وتقوية الشراكات مع دول الخليج لاستقطاب الاستثمارات وتنويع مصادر التمويل والعمل المتواصل على تطوير العلاقات مع الدول العربية الأخرى لتعزيز التضامن الإقليمي في مواجهة الأزمات والتحديات

على الصعيد الداخلي نجد ان هناك توجه متزايد نحو انجاز إصلاحات اقتصادية واجتماعية لتحسين مناخ الأعمال ورفع كفاءة الخدمات العامة مع التركيز على دعم الشباب وتمكين المرأة وتعزيز دور التكنولوجيا والابتكار

اهم التوصيات الاستراتيجية التي يمكنها ان تساعد الاردن في القيام بدوره وتحسين مكانته عمله على تعزيز القدرات الدبلوماسية والسياسية والاستثمار في بناء فرق دبلوماسية متخصصة في التفاوض والإعلام الدولي لتعزيز صورته وفعاليته في المحافل الدولية وتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتطوير قطاعات الطاقة المتجددة والسياحة والتكنولوجيا مع تبني سياسات تحفيزية للاستثمار المحلي والأجنبي وتطوير البنية التحتية الرقمية والتعليمية والتركيز على تطوير مهارات الشباب في مجالات التكنولوجيا الحديثة وتوفير بنية تحتية رقمية تدعم الاقتصاد الرقمي والتعليم عن بعد

كما لابد من تعزيز الأمن الداخلي والتعاون الإقليمي وتقوية أجهزة الأمن والاستخبارات لمواجهة التحديات الحدودية والإرهاب مع تعزيز التعاون مع الدول المجاورة في مجال الأمن والمعلومات وتشجيع الحوار الوطني الشامل وفتح قنوات للحوار التوعوي بين مختلف شرائح المجتمع بما في ذلك الشباب والنساء والقطاعات المهمشة لتعزيز الوحدة الوطنية وتقليل الاحتقان الاجتماعي فضلا عن ضرورة إدارة ملف اللاجئين بفاعلية وتنسيق الجهود مع المجتمع الدولي لتوفير الدعم الكافي للاجئين مع تطوير سياسات دمج نوعية تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي

الأردن يقف اليوم أمام مفترق طرق في إقليم يتغير بوتيرة متسارعة وبين تحديات الجوار وتقلبات التحالفات وضغوط الداخل تظل القدرة على المناورة الذكية والتمسك بالثوابت دون الجمود هي مفتاح البقاء والتأثير وإن ما يملكه الأردن من استقرار وموقع وعلاقات دولية لا يزال رصيدًا يمكن تعظيمه إذا ما توافرت الإرادة الصادقة والرؤية الحصيفة

خاتمة : في قلب هذا الشرق المشتعل يقف الأردن كواحة صامدة تنبض بالحياة رغم رياح التغيير العاتية وتحديات الداخل والخارج التي تضع أمامه اختبارات شاقة لكنها أيضًا رغم مصاعبها تمثل بوابة نحو مستقبل يكتب بأيدٍ وطنية لا تعرف الاستسلام فقوة الأردن ليست فقط في جغرافيته بل في صمود شعبه وفي إرادة قادته الذين يسعون لبناء وطن يليق بحضارته التاريخية ومكانته المرموقة التي صنعها لنفسه بقوة وتحدي من بين الأزمات والفرص والألم والأمل رسم الأردن خريطة جديدة لمستقبل يملؤه الأمن والاستقرار والازدهار

النداء العاجل للجميع بضرورة الانخراط الفعلي في رحلة البناء والتطوير نحو غدٍ أفضل حيث تتلاقى الطموحات مع الواقع ويزدهر الوطن في اطار الوحدة والعمل والتضحية المشتركة ولتكن هذه اللحظة بداية فصل جديد في صناعة قصة الأردن المجيدة بالكفاح والتحدي والأمل الذي لا يموت

باحث وكاتب مختص في الشؤون السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى