د. حذيفه المشاقبة قراءة في مقالة الذات العربية وجرحها النرجسي من كتاب هرطقات عن الديمقراطيّة والعلمانيّة لجورج طرابيشي

عايشت الذات العربية الجروح النرجسية الثلاث في الذات الإنسانية والمتمثلة في جرحها الأول ( الكوسمولوجي/ كوبرنيكوس)، وجرحها الثاني (البيولوجي / داروين) وثالثها ( السسيولوجي/ سيغموند فرويد) بالتواري واهمة وراء تاريخها ودينها. شهدتها لكن لم تشعر بغصة تواليها ولا بصدمة حدوثها كما حدث للغرب اذ كانت منهمكة في قشور الأدب والشعر ومحاربة كل صوت للإصلاح والتخلص من القصور الفكري الذاتي ومن جانب آخر انكفأت على حالها وبقت كما هي ترحل مشكلاتها للسماء. وبعد حالة السبات تلك بدأ تأففها بالظهور بعد أن وجدت نفسها متخلفة ومتأخرة ليظهر جرحها النرجسي الخاص بها بل والأكثر إيلاما بالتاريخ الإنساني ولذي عاشت في ظله بدون أن تدرك، جرحا تبدى لها كحلم ما فتئ أن صار حقيقة مؤلمة يمكن الشعور والإحساس به واعتباره مميت أو سيء ومع ذلك كأي محاولة للتقرب من جوهر الداء أو الجرح يعد بمثابة المساس بكرامة الأمة وتهشيم كبرياءها وتجاوز لذاتها العريقة ولا يُسمح بذلك ( الجرح الانثربولوجي)

هذا الجرح المقدس ” النرجسي” الذي لم تستطع الذات العربية تجاوزه حتى الآن “مشكلتها النفسية الأعظم” برز من داخلها ويخصها لا البشرية جميعها، فالجرح الكوني يمكن مداراة الذات بعموميته وتخفيف قوة وقوعه باعتباره جرح الكون لا شأن خاص به، أو أنه تبدى بعيداً عن البيئة العربية ونازع ذات أخرى ” الغربية” مثلا وليست الذات العربية تحديدا ولهذا أكد “طرابيشي” “أن جروح فرويد كانت تختص بشكل أو بآخر ببيئته الغربية، وأن الجروح الثلاثة هي جروح الإنسان الغربي، الذي كان يتهيأ من بين جملة أشياء أخرى لغزو العالم، ولتأسيس نفسه إنساناً كونيا.

إن الانهيار الكبير الذي اصاب الحضارة العربية، والشوط الهائل الذي قطعته نظيرتها الغربية ولّد شعور باللارضا والغبن جميع ذلك ساهم ببروز جرح رابع ذو خصوصية بالذات العربية، وهو بحسب “طرابيشي” الجرح الانثربولوجي “جرح نرجسي مركب” إذ اقترن السؤال: لماذا تقدم الغرب؟ بآخر، لماذا تأخر العرب ؟ يبقى هذا السؤال درامياً في حالات أخرى، أما في الحالة العربية نزع من البداية ليكون تراجيدياً لا درامي” جرح مضاعف وسؤال مرهق.
اختم بالقول هل حان الوقت كما تمنى طرابيشي حتى نرى تنويرا بصبغة عربية غير مستورد لا يكون إلا في مضمونها الخروج عن الدروب المطروقة التي كثر سالكوها وكثر الذين اوحلوا فيها فأغلقوا عقولنا و اضربوها عن التفكير متمنيا بالنهاية أن تمتلك كتابتي صفة الهرطقة كما أرادها ( فولتير العرب) جورج طرابيشي أو تكاد تقترب منها

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى