الشاعرة السورية نرجس عمران في ” ضحكات التراب “

بقلم : شاكر فريد حسن

حين نقف أمام قصيدة للشاعرة السورية نرجس عمران، يصيبنا الذهول والدهشة لما فيها من مكنونات وخصوصيات، ويصل بنا الذهول والاندهاش حد التساؤل : كيف استطاعت هذه الشاعرة الانيقة بحروفها وحضورها أن تحوِّل هذه البساطة والعادي إلى مدهش، والمألوف إلى مذهل، وكيف تنجح بكل هذه العفوية والشفافية والتلقائية والرقة أن تستنطق الظاهرة وتتجاوزها إلى ما وراءها، وتجعلنا نعيد قراءة نصها بكل الحلم والرؤيا ..!!

نرجس عمران ياسمينة دمشقية شامية من عرائس الشعر في سوريه، مفعمة بإحساس أنثوي جيّاش عذب، لا تتصنع في نصوصها ولا تتكلف، بل تكتب بكل مشاعرها وما تمليه عليها روحها الإنسانية الباذخة، ما يجعل نصها يعانق الوجدان ويلامس شغاف القلوب ويتغلغل فيها دون جواز سفر أو استئذان. ونتاجها الإبداعي هو جوهر كيانها،  وموضوعاتها وثيماتها مستمدة من تفاعلها مع الأشياء البسيطة، مع واقعها، وتفاعلها هذا يجعل كتاباتها وليدة الحياة، وترنيمات حب للوطن والإنسان ولوعة في آن، ولغتها مخزون ثقافتها وتجربتها الحياتية الغنية.

ونرجس عمران شاعرة مرهفة الإحساس، تكتب النثر الشعري كأحد الألوان الأدبية المحببة عندها، فضلًا عن القصة القصيرة والرواية، ولها حضورها المميز في المشهد الثقافي السوري، تزخر نصوصها بموهبة الشعر وطبعه، صدر لها في الشعر : ” أجراس النرجس ” و ” بصمات على أوراق النرجس “، وفي السرد القصصي لها ” سفر من الموت “، ولها عشرات التجارب الإبداعية المنشورة في المواقع الالكترونية السورية والعربية والعالمية والصحف الورقية.

وتستولي القصائد الوجدانية والعاطفية الإنسانية على كتاباتها،  ويطغى الطابع الوطني على الكثير منها، وهي تختار وترصد من اللغة إيحاءاتها، وتسعى إلى كتابة شفافة بحس شعري يعتمد الوضوح.

وكانت قد استوقفتني قبل فترة وجيزة، قصيدتها  ” صمت التراب ” التي تقول فيها :

ضحكات التراب

 

وماذا عن ضحكات تراب

 

أشرقت في وجه المواسم ؟

 

وماذا عن أملٍ

 

ملّته مقاعد الانتظار ؟

 

وماذا عن غدٍّ

 

يقترب فيبتعد ؟

 

وما عداه

 

هامش عمر وحسب

 

وماذا عن الدفء

 

الذي سرقه الكراس من حضني

 

وعن ظهري الذي توأم الحقيبة

 

عن أم تجعل الله في عيوني

 

أبدا لن يكون هذا وذاك

 

ومضا من قبيل …السراب

 

 

 

عَشِق وردك أركاني

 

فتنفس في المسام

 

وصار القمر من أمامي

 

يناديني …بلغة الهيام

 

أقبل السلام وسقانا

 

كأسا من خمر الأحلام

 

فصرت أدنو وأنغامي

 

تسبقني إلى الابتسام

 

وإليك جميع الأوهام

 

تصبح حقا في المقام

 

 

 

يا مترعا عشقا …

 

إليك تعدو فلا تعدو عنك

 

الأحلام

 

ومنك يدنو فلا يدنو بعدك

 

ربيع الأيام

 

هاجس أنت في سفر

 

الغربة ..

 

وكل ابتعاد .. هو زمن وضام

 

أنا لست فيك إلاّ نفحة

 

من أمان

 

ويقرصني البلاء ..

 

إن مسك لدغ الأغراب

 

من راحتيك أروي عطش السنين

 

آه لو تدري كم الشوق إلك حزين .. ؟!

 

آه لو تدري كيف أنزف ..

 

مصابك كل حين ؟ !

 

وكيف سقتُ إليك

 

ما يولد في الصميم

 

وفي جفن العين ..

 

لن ألوذ عنك إلاّ إليك

 

ولن أبكيك إلا من عيون القصيدة

 

أنت المسجى بالمجد

 

والمجد … تاجك .. والحنين

 

إن زارتك المآسي

 

فاعلم أن أبناءك ..

 

قدور … بالصبر معجونين

 

وطني … ..

 في هذه القصيدة  نزف ودفق ونبض عاطفي ومشاعر وطنية صادقة، مثقلة بهموم وجراح وأحزان واوجاع  وطنها السوري، وتحاول من خلالها الخروج من الألم، وبعث أمل جديد في حياة أكثر فرحًا وطمأنينة.

إنها قصيدة ناضجة ، عفوية الريشة، واضحة المعاني والفكرة والأبعاد والمغزى، تتسم بحرارة التجربة، بالسهولة والسلاسة، خالية من التعقيد والمعاضلة، جرسها الموسيقي يتناغم بين سطورها، ألفاظها رقيقة، وصورها مفعمة بالحيوية والقدرة على التقاط التفاصيل والمشاهد بحس شعري عالٍ، وبأكبر قدر من التكثيف والإيحاء، وفيها يختلط الحزن والشجن والأنين مع الحنين، ويتواصل فيها الجمال التعبيري مع الصور المتلاحقة والعبارة الأنيقة والمعاني الجذابة والكلمات المتوهجة بحب الوطن والتراب.

نرجس عمران عالية الجمال والنبض، مسكونة بتجليات الوجد، تجيد اقتناص اللحظة الشعورية بمهارة، وإحساس فطري، ضاجة باللوعة ومذاق الألم والتمزق الداخلي، وتكتب نصها على بياض الروح، والذي يطلع من القلب وأعماق النهر.

تحية للصديقة الصيدلانية الشاعرة الشامية نرجس عمران، وتمنياتي لها بالعطاء والتألق الدائم، ولها الحياة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى