مقالات ذات صلة

محمود عباس بين خيبة الرهان على أمريكا وجزاء سنمار ! مهدي مبارك عبد الله تحمل قصة جزاء سنمار دلالة عميقة حين تُقاس على واقع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فقد بنيت في هذه القصة على رمزية القسوة التي تقابل بها التضحيات الكبيرة سيما حين تغيب العدالة والكرامة ” سنمار ” هو المهندس الذي شيد للملك قصرًا عظيمًا الا انه لقي مصرعه على يد نفس الملك خشية أن يبدع لغيره مثله فكان جزاؤه الغدر والنكران وقياسا على ذلك يمكن القول إن ما حدث مع محمود عباس لا يختلف كثيرًا فبعد سنوات من خدمة الاحتلال بالتنسيق الأمني والمواقف السياسية المتماهية مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية بكل تفاصيلها رفضت مؤخرا الولايات المتحدة منحه ووفده المرافق تأشيرات دخول لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وهو ما يشكل حالة خذلان سياسي صريح أقرب ما يكون في مضمونه إلى جزاء سنمار القرار الأمريكي غير المسبوق كذلك لا يمكن فصله عن سياق رمزي أعمق فهو لا يعكس مجرد خلاف سياسي بل يعبّر عن تحول استراتيجي في نظرة واشنطن للسلطة الفلسطينية ومسؤوليها حيث بدا جليا أن الرجل الذي راهن على السلام والتفاوض أكثر من عقدين لم يعد ضروريا او مفيدًا ولا حتى مرحبًا به في ساحة تقودها أمريكا وتتحكم فيها إسرائيل رغم كل ما قدمه من مواقف مرنة وتنازلات مؤلمة الا ان عباس لم يجد سوى الإقصاء والتهميش والحرمان من دخول قاعة الأمم المتحدة في تصرف لا يمثل فقط طعنًا دبلوماسيًا انيا بل إسقاطًا كاملًا لأي احترام وتقدير متبادل بين الأطراف البيان الأمريكي بهذا الشأن أشار إلى أن القرار جاء بناءً على ما اعتبرته واشنطن محاولات فلسطينية متكررة لتجاوز المفاوضات واللجوء إلى اعترافات أحادية بالدولة الفلسطينية وهي تبريرات سياسية تخفي خلفها حقيقة الانحياز الأمريكي الصارخ لإسرائيل إذ تحولت الولايات المتحدة من راعٍ مزعوم للسلام إلى طرف يستخدم أدوات العقوبة الدبلوماسية لعزل القيادة الفلسطينية والتضييق عليها كلما حاولت التوجه نحو خيارات دولية خارج اطار الإملاءات الأمريكية والفروض الإسرائيلية رغم أن الولايات المتحدة تستضيف مقر الأمم المتحدة في نيويورك إلا أن اتفاق المقر الموقع عام 1947 بينها وبين المنظمة الدولية يلزمها قانونيًا بالسماح لجميع ممثلي الدول الأعضاء بحضور الاجتماعات دون تمييز أو عرقلة ومع ذلك فإنها تجاوزت احترام هذا الاتفاق حين منعت عباس ووفده من المشاركة وهو ما يطرح تساؤلات قانونية حول مدى التزام واشنطن بمسؤولياتها كمضيف للمقر الأممي ويكشف عن ازدواجية خطيرة في تعاملها مع القانون الدولي خصوصًا حين يصبح استخدام الموقع الجغرافي أداة ضغط وابتزاز سياسي وبلطجة استعراضية لا تختلف كثيرًا عن منطق القوة والغلبة الذي تمارسه في ملفات أخرى التصرف الأمريكي غير المسؤول يهدد حيادية الأمم المتحدة ويطرح تساؤلات جدية حول أهلية نيويورك للاستمرار كمقر دولي مفتوح للجميع فحين تمنع الدولة المستضيفة رئيس شعب تحت الاحتلال من التعبير عن قضيته أمام العالم فإنها تنزع الشرعية المعنوية عن ” المنصة الأممية ” وتحولها إلى منبر انتقائي وفوضوي لا يعكس توازن القوى بل يخضع للإملاءات المزاجية والتصفية السياسية والمؤامرات المكشوفة المنع الأمريكي يعكس أيضًا مأزق القيادة الفلسطينية التي فشلت في تحقيق تقدم أي سياسي أو فعل مؤثر لحماية سيادتها الرمزية أمام العالم فعباس الذي كان من المفترض أن يمثل الصوت الفلسطيني في الأمم المتحدة وجد نفسه محاصرًا بإجراءات تعسفية تُشبه إلى حد كبير ما تواجهه شخصيات فلسطينية معارضة في المنافي والمطارات وكأن أمريكا لم تعد تميز بين من يخضع لها ومن يعارضها بل باتت ترى الجميع سواء إذا ما تجاوزوا الخطوط والمسارات المرسومة لهم في واشنطن وتل أبيب الحادثة أظهرت أن عباس لا يملك هامش اي قرار مستقل وأن سنوات الالتزام الطويلة التي امضاها في البحث عن الحل السياسي المفقود والتنسيق الأمني الموجود لم تعد ضمانة لتحقيق أي احترام أو وزن دبلوماسي له بل على العكس ساهمت في تآكل مكانته وشرعيته أمام شعبه وأمام العالم حتى بات يعامل من قبل الحلفاء المفترضين كطرف هامشي لا يستحق التقدير أو حتى مجرد الاستماع لصوته على منبر عالمي القيادة الفلسطينية على مدى العقود الماضية لجأت الى طريق المفاوضات كخيار استراتيجي لكنها لم تحصد سوى مزيد من الاستيطان والاعتداء والتوغل والضغوط والتهميش وهذه السياسة التي ارتبطت بشخص محمود عباس أصبحت اليوم عاجزة حتى عن ضمان حضور اجتماع دولي بل اعجز عن كسب احترام شركاء كانوا يفترض أنهم داعمون للسلام الموهوم مثل الولايات المتحدة التي لم تعد ترى في عباس شريكًا ضروريا وقابلا للاستثمار السياسي مجمل ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية لم تغفل خطورة هذا القرار حيث اعتبره الكثيرون سابقة خطيرة تهدف إلى كسر الإرادة السياسية الفلسطينية وتجريد السلطة من أدواتها الرمزية الدولية مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويعمق أزمة الثقة بين الشعب الفلسطيني وقيادته التي باتت غير قادرة كليا على مواجهة هذا النوع من الإهانات السياسية المتواصلة الأكثر ألمًا للكرامة الفلسطينية أن هذا القرار جاء في وقت ينادي فيه ابناء الشعب الفلسطيني بقيادة قادرة على التحرر من دائرة التنازلات والانصياع للضغوط الخارجية الامريكية والاسرائيلية بينما لا يزال عباس متمسكًا بمسار كارثي أثبت فشله ورفضه الشارع ومع هذا بقي لا يملك المسؤولية والجرأة الكافية لمراجعته أو تغييره أو الانسحاب منه لصالح مشروع وطني أكثر استقلالًا وفاعلية امام كل هذا لا يبدو أن محمود عباس ” نال جزاء سنمار ظلمًا ” بل هو نتيجة طبيعية ومتوقعة لمن اختار أن يكون أداة طيعة في يد منظومة دولية لا تعترف إلا بمن يخدم مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب وطنه وشعبه فالرجل الذي قدم كل ما بوسعه لإرضاء واشنطن وتل أبيب تحول الان إلى عبء دبلوماسي ولم يعد له أي وزن حتى عند أولئك الذين لطالما سعى لاسترضائهم والاشادة بأدوارهم التي ضيعت مستقبل القضية الفلسطينية بكل تاكيد ان القرار الأمريكي في جوهره لم يكن مجرد صفعة سياسية عابرة بل كان إعلان إفلاس كامل لمشروع عباس ونهجه الذي مزق وحدة الصف الفلسطيني وقزم القضية الوطنية إلى مجرد ملف تفاوضي فارغ على طاولة مغلقة لم يعد أحد يهتم بفتحه وإن عباس اليوم لا يمثل إلا ظلاً باهتًا لمرحلة سياسية فاشلة استهلكت طاقات الشعب الفلسطيني لعقود دون أن تحقق شيئًا يُذكر سوى تكريس التبعية وتوفير غطاء سياسي وحماية امنية للاحتلال في كل عدوان الحقيقة المؤكدة لقد تحول ابو مازن فعلا من رئيس سلطة إلى بوق سياسي يستخدم كلما أرادت أمريكا تبرير فشلها في عملية السلام أو أرادت إسرائيل تصوير الفلسطينيين على أنهم موافقون ضمنيًا على سياسة الأمر الواقع وقد آن الأوان أن يغادر المسرح السياسي الفلسطيني فالشعب الذي يرزح تحت القصف والحصار والاستيطان لا يحتاج من يبرر له واقعه بل هو احوج الى من يقاتل من أجل تغييره بكل الوسائل المشروعة في النهاية ما حدث من نيويورك لم يكن إهانة شخصية لعباس بل كان حكمًا واضحًا على فشل القيادة الفلسطينية في فرض نفسها كصاحبة حق ومشروع تحرر حقيقي على من تبقى في محيطه وأن يقرر إن كان سيستمر في دعم هذا النهج المهزوم أم سيصطف خلف شعبه لا خلف من خدعه وخذله ثم أنكر عليه حتى حقه في الحضور كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية [email protected]
منذ 6 ساعات
اترك رد