بلال حسن التل يكتب :عن كامل أبو جابر

بلال حسن التل-  برحيل النبيل الأردني الدكتور كامل أبو جابر إلى رحمة الله, يطوي الأردن واحدة من أهم صفحات تاريخه في المعرفة والحكمة, كانت تمشي على الأرض, ناشرة للمحبة والمودة والتفاؤل والمرح, والإيمان بمستقبل الأمة, وقبل ذلك كله وأثنائه نشر المعرفة, فقد كان رحمه الله معلماً متميزاً بعلاقته مع طلابه, حريصاً على التواصل الشخصي معهم, وتوجيههم بسلوكه, مثلما هو حريص على تزويدهم بالمعرفة من بطون الكتب, وهكذا كان معلماً بالقدوة, قبل أن يكون معلماً بما في بطون الكتب. ومثلما كان في قاعة الدرس كان في دروب الحياة.
رغم أن كامل أبو جابر من أوائل الأردنيين الذين اغتربوا إلى العالم الجديد, ومن أوائل الذين حصلوا على أعلى الدرجات العلمية من الجامعات الأمريكية, لكنه ظل محافظاً على أصالته أردنيا أصيلاً وعربياً عريقاً, يفتخر بعروبته ولا يسعى إلى الإنخلاع منها بترقيع لسانه بمفردات أعجمية ليظهر بمظهر المتحضر, لأن كامل أبو جابر كان مثقفاً متحضراً حقيقياً, يؤمن بأن إنتماء المرء إلى جذوره وإلى بيئته هما قمة الثقافة والتحضر, لذلك كانت أكثر الأدآب إغراقاً في المحلية أكثرها عالمية, مثلما هو شعر عرار وروايات نجيب محفوظ, ولأنه حقيقي وغير مزيف فقد حافظ الراحل على بساطته وعفويته, لم تغريه المناصب بالتخلي عنهما, ليكون متكلفاً مصنوعاً, لذلك أحبه الأردنيون لأنه يجسد بالنسبة لهم كل ماهو جميل في بيئتهم.
كثيرة هي الخصال التي اجتمعت في شخصية المرحوم كامل أبو جابر, وحجزت له مكانة في قلوب الأردنيين, منهاعصاميته المستندة إلى تواضعه, فبالرغم من أنه ينتمي إلى أسرة ثرية بالمقاييس الأردنية, فإنه لم يخجل من العمل كنادل في مقهى ليتمكن من العيش في بلاد الغربة, وهو تصرف يدل على الثقة بالنفس, وهي الثقة التي ظلت جزءاً أساسياً من شخصيتة, فرغم أنه عاصر كل هزائم أمته, إلا أنه ظل واثقاً بأن المستقبل لها, وأن كل أنواع الاحتلال ستزول عن أرضها.
الدكتور كامل أبو جابر الذي رحل عنا يوم الجمعة الماضي, كان صفحة مشرقة من صفحات تاريخ الأردن, عاصر مراحل المعجزة الأردنية, منذ أن كان عدد الأردنيين الذين يحسنون القرأءة والكتابة محدوداً, إلى أن صار عدد الأميين منهم معدوماً, ومنذ أن كان في الأردن جامعة واحدة فيها خمسة الآف طالب, إلى أن صار عددهم الآن خمسين الف, هم جزء من مئات الآف الطلبة في عشرات الجامعات الأردنية المنتشرة من اقصى الأردن إلى أقصاه.
ومثلما أمتاز الراحل طوال حياته بالقبول والرضا, مؤمناً بقاعدة ” الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه” نظنه رحل وهو راضي عن ما أنجز , وأهم مافيه سيرته العطرة.

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى