صندوق النقد العربي يُصدر العدد الرابع عشر من موجز سياسات حول “مخاطر الدين العام في ظل أزمة فيروس كورونا المُستجد”

في إطار حرصه على تطوير أنشطته البحثية، أصدر صندوق النقد العربي العدد الرابع عشر من سلسلة موجز سياسات حول “مخاطر الدين العام في ظل أزمة فيروس كورونا المُستجد”. أشار الموجز إلى أن موضوع الدين العام يحظى بأهمية بالغة على مستوى المالية العامة كونه يُمثل أحد الوسائل المتاحة لتمويل سياسات التعافي من الأزمات الاقتصادية على مر الزمان، فعادةً ما تلجأ الحكومات إلى الاستدانة الداخلية أو الخارجية ولكلٍ مزاياه وعيوبه، لكن ما تحرص الحكومات عليه هو ضمان تحرك الدين العام في مستويات قابلة للاستدامة وتقليل المخاطر المرتبطة به في الأجلين المتوسط والطويل.

شهد العالم في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملموساً في حجم المديونية العالمية التي بلغت نحو 255 تريليون دولار ما يُعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2019 بحسب بيانات معهد التمويل الدولي. وتشير التقديرات إلى زيادة المديونية العالمية بنسبة 40 بالمائة بنهاية عام 2019 بالمقارنة مع مستوياتها المُسجلة في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008. رغم ذلك، شهدت المديونية العالمية ارتفاعاً خلال شهر مارس من عام 2020 في أعقاب لجوء حكومات دول العالم إلى تبني حزم ضخمة للتحفيز الاقتصادي لمجابهة تفشي جائحة كورونا، بما أدى إلى زيادة مستويات الاقتراض الداخلي والخارجي، وهو ما يتوقع في ضوئه ارتفاع المديونية العالمية بنسبة 342 بالمائة عام 2020([1]).

تكمن تداعيات ارتفاع المديونية في المخاطر الاقتصادية التي قد تنتج عنها في حال انكماش النشاط الاقتصادي أو حدوث أزمة اقتصادية تؤثر على قدرة الحكومات على سداد ديونها نتيجة تراجع مستويات الناتج المحلي الإجمالي والمتحصلات من النقد الأجنبي، في الوقت الذي قد لا يتوفر فيه حيز كافٍ لصانعي السياسات يمكن الاعتماد عليه لتجاوز هذه الأزمة المحتملة. أوضح الموجز تسارع الجهود والأطر الدولية لتخفيف عبء المديونية على الدول النامية ومنخفضة الدخل وضمان قدرتها على السداد في وقت تتفاقم فيه الضغوطات المالية على حكومات دول العالم. في هذا السياق، تم في أعقاب تفشي جائحة كورونا تبني مجموعة العشرين برئاسة المملكة العربية السعودية مبادرةً عالمية في عام 2020 لتخفيف عبء المديونية على الدول الفقيرة، يتم بمقتضاها تعليق مدفوعات خدمة الديون الثنائية للدول الأشد فقراً، خلال الفترة من أول مايو 2020 وحتى نهاية عام 2020 مع إمكانية تجديد العمل بالمبادرة في عام 2021 ضمن إجراءات مواجهة فيروس كورونا.

فيما يتعلق باستدامة الدين العام، بذلت الدول العربية جهود خلال السنوات السابقة لضمان تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية، وهو ما ساعد على تحسن مستويات استدامة الدين العام في عدد من الدول العربية خلال الفترة (2013-2019). كذلك حرص بعضها على إدراج تحليل عناصر التكلفة والمخاطر المرتبطة بالدين العام في استراتيجيات الدين متوسطة المدى.  علاوة على استهداف معايير كمية وأسقف مُحددة للمؤشرات المرتبطة بالدين لضمان استدامته، مثل استهداف حدود قصوى لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وخفض حصة الديون قصيرة الأجل لأقل من عام، وإطالة عمر محفظة الدين لتجنب مخاطر التمويل بصورة عامة.

فرضت التداعيات المرتبطة بفيروس كورونا المُستجد تحديات على أوضاع المالية في الدول العربية، فمن ناحية شهدت مستويات الإنفاق العام زيادات ملموسة في ظل التزام الحكومات العربية بتبني حزم تحفيز ضخمة لتنشيط الطلب الكلي وتخفيف الآثار الاقتصادية لانتشار الفيروس، في الوقت الذي تراجعت فيه من ناحية أخرى مستويات الإيرادات العامة بشكل حاد نتيجة فقدان جانب من الإيرادات النفطية والضريبية. في خِضم التطورات المتسارعة في الاقتصاد العالمي في ظل تفشي فيروس كورونا، لجأ عدد من الدول العربية إلى الاستدانة الداخلية والخارجية للوفاء بمتطلبات تمويل حزم التحفيز المالي الضخمة التي أقرتها، وهو ما استتبعه زيادة في حجم الدين العام.

في إطار حرصه على مساعدة الدول العربية الأعضاء في مجال تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية، يتبنى صندوق النقد العربي عدد من المبادرات لمساندة جهود الإصلاح الهيكلي لمالية الحكومة، بما يساعد على الاستدامة المالية، وتقديم المشورة والدعم الفني لصناع السياسات لتبني برامج إصلاح لاستعادة التوازن المالي، علاوة على جهوده في مجال تطوير أسواق السندات بالعملة المحلية وتشجيع التمويل طويل الأجل، بما يخفف الضغوطات على المالية العامة. أشار الموجز إلى أن الدول العربية يمكنها تبني حزمة من السياسات التي تساعد على ضمان استدامة وتقليل مخاطر الدين العام من بينها:

  • تكثيف وتيرة برامج الإصلاح الهيكلي للمالية العامة بما يساعد على زيادة مستويات مرونة الاقتصاد الكلي وقدرته على مواجهات الصدمات الداخلية والخارجية.

 

  • تبني أفضل الممارسات على صعيد حوكمة إدارة الدين العام التي تعمل على تقوية النظم الإدارية والقانونية والتنظيمية واختيار الأساليب والطرق المناسبة والفعالة لإدارة الدين العام.

 

  • تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالتالي زيادة قدرة الدولة على خدمة دينها العام أو تقليل لجوء الحكومة إلى الدين العام لسد عجز الموازنة.

 

  • تبني استراتيجيات متوسطة المدى لإدارة الدين العام، بما يساعد على خفض المخاطر المرتبطة به ويضمن الاستدامة المالية وموائمة تلك الاستراتيجيات للتطورات والصدمات الاقتصادية المفاجئة.

 

  • العمل على زيادة مستويات تطور وعمق الأسواق المالية بما يدعم قدرة الحكومات على تمويل الدين العام وخفض مخاطره.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى