التحليق على حافة الربحية: الملكية الأردنية بين ثقل الإرث الوطني وحدود الجدوى الاقتصادية

بقلم: الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور عدلي قندح
في 21 أيار 2025، وقعت الملكية الأردنية اتفاقية قرض مصرفي مجمّع بقيمة 250 مليون دولار بقيادة البنك العربي، في خطوة تعكس ما يبدو ثقة مؤسسية متجددة بالشركة. غير أن هذا الحدث المالي ليس الأول من نوعه؛ فقد سبقه خلال العقدين الأخيرين أكثر من تحرك مشابه في شكل دعم مباشر، أو إعادة هيكلة رأسمالية، أو تخفيض لعدد الأسهم، بما في ذلك مرتان شهيرتان في 2010 و2017 أفضتا إلى تقليص قاعدة المساهمين. ويعيد هذا المسار المتكرر إلى السطح سؤالًا اقتصاديًا بامتياز: لماذا، رغم كل هذه التدخلات، لا تزال الملكية الأردنية عاجزة عن تحقيق أرباح تشغيلية مستدامة؟
قدّمت المؤسسات المصرفية المشاركة في القرض الجديد دلالة رقمية واضحة على ثقتها بقدرة الملكية الأردنية على الإيفاء بالتزاماتها؛ إذ يشكّل التمويل ما يعادل أكثر من 60٪ من الإيرادات التشغيلية السنوية للشركة، في حين لا تتجاوز نسب النمو السنوية في الأرباح الصافية (عندما تتحقق) حاجز 2-3٪ في أفضل التقديرات السابقة. الثقة الائتمانية تلك لا تنبع من مؤشرات الربحية بقدر ما تستند إلى السجل التاريخي للشركة في سداد التزاماتها، حتى خلال أصعب الفترات مثل جائحة كوفيد-19، مما يؤكد اتساق الشركة كمقترض أكثر من كونها كيانًا ربحياً قادراً على تمويل ذاته من عملياته التشغيلية.
الخطاب الرسمي للشركة يتسم بطموح واضح: تحديث الأسطول، توسيع الشبكة، الاستثمار في التكنولوجيا، وتطوير الشركات المساندة. إلا أن هذه الخطط، رغم وجاهتها، لا تزال رهينة قدرتين: التنفيذ المحترف والقدرة على كبح التكاليف. فعلى سبيل المثال، تُظهر مراجعات سابقة أن تكلفة المقعد المتاح في الملكية الأردنية تتجاوز بنحو 25٪ نظيرتها في شركات خليجية وإقليمية منافسة، وهو فارق يستحيل استدامته في سوق مفتوح تتدنى فيه حساسية المسافر للعلامة الوطنية، وتعلو فيه أهمية السعر والمرونة والخدمة.
السوق الأردني بحد ذاته لا يمكنه توليد طلب كافٍ لتغطية البنية التشغيلية للشركة. فعدد المسافرين عبر مطار الملكة علياء الدولي، والبالغ نحو 9 ملايين في 2023، لا يشكل سوى 0.07٪ من حركة الطيران العالمية، وهي حصة متواضعة لا تتيح لشركة طيران بحجم الملكية الأردنية البقاء دون اختراق حقيقي لأسواق إقليمية جديدة أو توسع في الربط الترانزيتي. ومع احتدام المنافسة من شركات ذات كلفة أقل ونموذج تشغيل أكثر مرونة، فإن استمرارية الملكية الأردنية بصيغتها التقليدية تمثل تحديًا اقتصاديًا متصاعدًا.
في غياب إصلاحات جذرية، يصبح التمويل أداة لتأجيل الخسائر لا لمنعها. فالقروض، مهما بلغت قيمتها، لن تغيّر حقيقة أن هامش الربحية التشغيلية للشركة كان سلبيًا في أكثر من 7 من أصل آخر 10 سنوات، وأن متوسط العائد على السهم ظل دون 2٪ خلال العقد الماضي، وهي أرقام تعجز عن إقناع المستثمر المؤسسي أو جذب رأس المال طويل الأجل.
إضافة إلى ذلك، فإن مسارات التوسع الطموحة تصطدم بحقيقة أن الشركة تعاني من أسطول غير متجانس، يتطلب تكلفة صيانة أعلى بنحو 18-22٪ مقارنةً بشركات تتبع سياسة الأسطول الموحد، مما يقلل من فعالية الاستثمار في الطائرات الجديدة ما لم يُصاحَب بسياسة تشغيلية موحدة ومؤتمتة.
لا يمكن إنكار البعد السيادي للشركة بوصفها الناقل الوطني، إلا أن هذا الدور، إن لم يُعاد تعريفه ضمن معايير الجدوى، قد يتحول إلى عبء مالي طويل الأمد على المال العام والقطاع المصرفي. فالتمويل، في هذه الحالة، يصبح واجبًا وظيفيًا أكثر من كونه قرارًا استثماريًا رشيدًا. وتكمن خطورة هذا النمط في خلق بيئة إدارية تعتمد على الإنقاذ المؤسسي المتكرر بدلًا من الاعتماد على كفاءة العمليات.
التحول الحقيقي يقتضي تطبيقًا صارمًا لمبادئ الحوكمة، لا سيما في استقلالية مجلس الإدارة، وربط الأداء بالنتائج التشغيلية، وتوظيف كفاءات عالمية في الإدارة العليا تملك خبرة مثبتة في تحويل شركات الطيران المتعثرة إلى قصص نجاح.
الملكية الأردنية تقف على مفترق طرق بين التحول المستدام والتكرار المالي. القرض الجديد يمنحها وقتًا ومساحة، لكنه لا يمنحها ضمانًا. والفرق بين الخيارين تحدده قدرة الشركة على التحليق خارج قواعدها القديمة، لا على إعادة إنتاجها بمزيد من التمويل.