والدة حمزة ظلت تنتظر عودته … كيف سحب سيل الزرقاء حمزة بالتفصيل

قرابة التاسعة مساء، كان حمزة يقود شاحنته (قلّاب) محاولًا عبور عبّارة [1] تصل بين ضفتي سيل الزرقاء، في منطقة وادي القمر، الواقعة بين عمّان والرصيفة، في طريقه إلى المنزل. تجاوز حمزة الحاجز الترابي الذي كانت بلدية الرصيفة قد وضعته تحسّبًا لارتفاع مستوى المياه بسبب المنخفض الجوّي، وصعد العبّارة في الطريق للضفة الأخرى من السيل، لكنه ومع اشتداد المياه وجد نفسه عالقًا على حافة العباّرة في منتصف السيل. «حمزة عنيد شوي، دخل، وظل يحاول ربع ساعة، بالآخر طفى القلاّب، والميّ تضرب فيه بقوّتها»، يقول محمد.

في مكان الحادثة، تصادف وجود جارٍ قديم لعائلة حمزة يسكل بالقرب من السيل، وقد اتصل هذا الجار بالدفاع المدني وأبلغهم بتفاصيل الموقف، وانتظر مع حمزة، من غير أن يقدر هذا الجار على الوصول إليه، ولا كان حمزة قادرًا على العودة. وفي انتظار أن ينخفض ارتفاع المياه واشتدادها، أطفأ حمزة مركبته و«راح من جهة الشوفير عالجهة الثانية وولع سيجارة وقعد يحكي مع حمادة جارنا»، يقول محمد واصفًا فترة الانتظار، وهي قرابة عشر دقائق، تأزم بعدها الموقف. وفي هذه الأثناء كان عدد من المارّة يتجمّعون محاولين المساعدة، لكن عدم عثورهم على حبل حال دون ذلك.

بعدها بدقائق، تشقّقت الأرض التي كانت مركبة حمزة تقف عليها، لتنقلب فيه. حاول حينها الإمساك بما استطاع الإمساك به من المركبة إلّا أن ضغط الماء واندفاعه كان أقوى، فقفز إلى السيل، ليفقد أثره بعد حوالي 300 متر، بحسب من كان حاضرًا. «كان سبّيح، بس هاي المي ما عليها مراجل»، يقول محمد.

اتصل الجار الذي كان شاهدًا على الموقف بعائلة حمزة، وقتها لم تكن العائلة تدرك حجم الحادثة. «لما إجانا التلفون كنا بالبيت، حكولنا إنه القلاّب اللي وقع، طلعت أنا وأبوي وأخوي، حكينا بنروح نجيبه وبنروّح. (..) أو هيك كنّا متأملين»، يقول محمد. في هذه الأثناء كان الدفاع المدني قد وصل. يقول محمد إن الدفاع المدني لو جاء أسرع لتمكّن من إنقاذ حمزة، «تقريبًا قعد ربع ساعة [عالعبّارة]، الدفاع المدني قعد 40 دقيقة (..) جارنا بلّغ الساعة تسعة، وهم وصلوا 9:37 أو 9:40» يقول محمد.

استمر إخوان حمزة وأعمامه بالبحث عنه حتى مساء اليوم التالي، وكان الدفاع المدني في هذه الأثناء قد طلب تعزيزات، ليبلغ عدد المشاركين في البحث أكثر من ألفي مشارك. «كان في فريق كامل دائمًا متواجد في السد، ‏جابوا كلاب بوليسية وطيارات درون»، يقول أحمد الخطيب.

لاقت قصة حمزة تعاطفًا مباشرًا وواسعًا، وشارك الناس عائلة حمزة والدفاع المدني بحثهم عنه. «كنا يومي نطلع، فش سانتي [سم] بالسيل بتلاقيش عليه بني آدم (..) إله صحاب أجوا من دبي وكانوا معنا»، ويتابع محمد قائلًا: «مطرت علينا. وصلت المي أنا عندي لرقبتي وعادي، كنا نوخذ معنا حبال وأمورنا تمام».

«بسد الملك طلال كل ست ساعات يناوب 22 غواص و4 قوارب، كل ست ساعات»، يقول أحمد الخطيب.

لكن، وبعد مرور 12 يومًا على اختفاء ابنهم، أصدرت العائلة بيانًا، قالت فيه إنها ترى أن ابنها مفقود «رغم كافه الجهود المبذولة من الجميع للعثور عليه من الجهات الرسمية والشعبية»، وقد تركت للجهات الأمنية اتخاذ ما تراه مناسبًا، سواءً الاستمرار في البحث أو التوقف. كما أعلنت عن إقامتها لصلاة الغائب على روحه وفتح بيت عزاء.

سيل الزرقاء

ينبع نهر الزرقاء، أو سيلها كما راجت تسميته، من العاصمة عمّان، ويمر عبر الرصيفة والزرقاء قاطعًا جرش وعجلون والبلقاء، ليصل في النهاية إلى سد الملك طلال في الشمال. وقد ارتبط النهر في أذهان أهل محافظة الزرقاء بكونه مكانًا للتنزّه، تحيط به البساتين. لكن هذا الأمر تغيّر في العقود الماضية، وتحوّلت علاقة المدينة بنهرها إلى مطالبات دائمة بإعادته إلى سابق عهده وحل المشاكل البيئية التي تراكمت عليه، من تسرّب لمياه الصرف الصحي إلى مياهه وغيرها من المشاكل. واليوم أصبح النقاش متركّزًا حول ما صار السيل يمثّله من أخطار، خاصة بعد حوادث الغرق التي باتت تحصل في الشتاء.

عادةً ما تستبق بلدية الرصيفة المنخفضات بإغلاق الشوارع المؤدية إلى وادي القمر بحواجز ترابية، وإبلاغ المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعدم الاقتراب من السيل، وهذا ما فعلته هذه السنة كذلك. «إحنا مسكّرين وأغلقنا إغلاق تام. وعمّمنا ع المواطنين»، يقول أسامة حيمور، رئيس البلدية.

تستغرب عائلة الخطيب تكرار الحوادث في المكان نفسه بشكل شبه سنوي. إذ يقول محمد: «السنة الماضية صار أربع حالات غرقوا بنفس المنطقة»، من دون أن تُجرى أي صيانة للمكان.

ترتفع العبّارة المذكورة قرابة مترين عن مجرى السيل في الأيام العادية، ويمكن ملاحظة عدم وجود حواجز عالية على جوانبها، إلى جانب قِدمها واهتراء شارعها. «العبّارة هاي فش عليها حواجز ولا إشي، هو ما وقع غير لما كسر طرف الشارع فيه، الطرف اللي ع جهة السيل»، يقول محمد.

يقول خليل إدريس، وهو مهندس واستشاري في قطاع الإنشاءات، إن التصريف الطبيعي للمياه الفائضة عن السيل يكون إلى الأراضي الزراعية على امتداد حواف السيل، ويشير إلى أنه لا يجب أن تكون هناك بيوت ومراكز سكنية على مجراه. «إذا بده يكون في بيوت لازم تحميها (..) وترفع الجدران يمين وشمال عشان ما تضر الناس»، يقول إدريس.

وتقع منطقة وادي القمر على حدود أمانة عمّان الكبرى وبلدية الرصيفة، وتحديدًا عند نقطة التقاء منطقتي أبو عليا في طبربور (عمّان) وجبل الأمير فيصل في الرصيفة.

“نقلا عن موقع حبر “

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى