ليس لأصحاب القلوب الضعيفة..هذا أخطر ممر مائي في العالم

يبلغ عرض نهر دريك حوالي 600 ميل ويصل عمقه إلى 6000 متر (ما يقرب من أربعة أميال)، وهو عبارة عن جسم ضخم من الماء.

وكتب ألفريد لانسينغ عن رحلة المستكشف إرنست شاكلتون في عام 1916 عبر المحيط في قارب نجاة صغير: “إنه الجزء الأكثر رعبًا من المحيطات في العالم”.

ويربط ممر دريك الطرف الجنوبي لقارة أمريكا الجنوبية بأقصى نقطة في شمال شبه الجزيرة القطبية الجنوبية.

وقد أصبح ممر دريك، الذي كان سابقا حكراً على المستكشفين وكلاب البحر، يشكل اليوم تحدياً هائلاً لعدد متزايد من المسافرين إلى القارة القطبية الجنوبية – وليس فقط لأن عبوره يستغرق ما يصل إلى 48 ساعة.

وبالنسبة للكثيرين، فإن القدرة على التباهي بالنجاة من “اهتزاز دريك” يُعد جزءا لا يتجزأ من جاذبية الذهاب إلى “القارة البيضاء”.

ولكن ما الذي يسبب تلك “الهزّات” التي يمكن أن تؤدي إلى أمواج يصل ارتفاعها إلى حوالي 50 قدمًا تضرب السفن؟ وكيف يُبحر البحارة في الممر الأقسى على الكوكب؟

وبالنسبة لعلماء المحيطات، يبدو أن ممر دريك يُعد مثيرا بسبب ما يحدث تحت سطح تلك المياه المتدفقة. أما بالنسبة لقباطنة السفن، فهو بمثابة تحدٍ يجب التعامل معه بجرعة صحيّة من الخوف.

ويبلغ عرض ممر دريك حوالي 600 ميل ويصل عمقه إلى 6 آلاف متر، وهو عبارة عن جسم ضخم من الماء.

أما شبه الجزيرة القطبية الجنوبية التي يزورها السياح، فهي مجرد جزيرة رقيقة تدور شمالًا من القارة القطبية الجنوبية الشاسعة، وتصل إلى الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية – وتشير المنطقتان نحو بعضهما البعض.

وهذا يخلق تأثير النقطة الضيقة، حيث يتم ضغط المياه بين الكتلتين الأرضيتين، ويتدفق المحيط عبر الفجوة بين القارات.

ويشرح عالم المحيطات ألكسندر بريرلي، وهو رئيس قسم المحيطات المفتوحة لدى هيئة المسح البريطانية لأنتاركتيكا، قائلا: “إنه المكان الوحيد في العالم الذي يمكن أن تتحرك فيه تلك الرياح بجميع أنحاء العالم من دون أن تضرب الأرض – وتميل الأرض إلى إخماد العواصف”.

ويُوضح بريرلي أن الرياح تميل إلى الهبوب من الغرب إلى الشرق.لكنها تتباطأ بسبب مساحة اليابسة – ولهذا السبب تميل العواصف الأطلسية إلى ضرب أيرلندا، والمملكة المتحدة، ثم تضعف مع استمرارها شرقا نحو القارة الأوروبية.

ومع عدم وجود أرض لإبطائها عند خط عرض ممر دريك في أي مكان على الكوكب، يمكن للرياح أن تهب، وتتسارع، وتصطدم بالسفن.

ولا يقتصر الأمر على الرياح التي تجعل المياه قاسية، إذ أن ممر دريك هو في الأساس عبارة عن موجة كبيرة من المياه.

ويضيف بريرلي: “المحيط الجنوبي عاصف جدًا بشكل عام، لكن في ممر دريك، تضغط المياه في المساحة بين القطب الجنوبي ونصف الكرة الجنوبي. وهذا يزيد من حدة العواصف عند مرورها”.

ثم هناك السرعة التي تتدفق بها المياه، ويُعد ممر دريك جزءًا من التيار المحيطي الأكبر حجمًا في العالم، حيث يتدفق ما يصل إلى 5،300 مليون قدم مكعب من المياه في الثانية. تزيد قوة التيار، محصورًا في الممر الضيق، ويتحرك من الغرب إلى الشرق.

وبالنسبة لعلماء المحيطات، يُعتبر ممر دريك “موقعا مثيرا”، إذ أنه موطن لما يسميه بريرلي بـ”الجبال تحت الماء” الموجودة تحت السطح – ويتسبب  التيار الهائل الذي يضغط عبر الممر الضيق (نسبيًا) في تكسّر الأمواج تحت الماء. وهذه “الموجات الداخلية” تخلق دوامات تجلب المياه الباردة من أعماق المحيط إلى أعلى – وهو أمر مهم لمناخ الكوكب.

الخوف يولد الخوف
ولعل أحد العناصر الرئيسية الأخرى التي تجعل ممر دريك مخيفًا للغاية، يتجلى بالخوف من الممر ذاته.

ويشير بريرلي إلى أنه حتى افتتاح قناة بنما في عام 1914، كان على السفن المتجهة من أوروبا إلى الساحل الغربي للأمريكتين أن تبحر حول كيب هورن – الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية – ثم تتجه نحو ساحل المحيط الهادئ.

ويوجد أيضًا نصب تذكاري على طرف كيب هورن، تخليدًا لذكرى أكثر من 10 آلاف بحار يُعتقد أنهم لقوا حتفهم أثناء الإبحار عبره.

ويقول بريرلي إن “المسارات بين جنوب إفريقيا وأستراليا، أو أستراليا أو نيوزيلندا إلى القارة القطبية الجنوبية، لا تقع على أي طرق شحن رئيسية”.

ويتابع أن “السبب وراء الخوف الشديد على مرّ القرون، يتمثل بأن ممر دريك هو المكان الذي يجب أن تذهب إليه السفن”.

من جانبه، أشار القبطان ستانيسلاس ديفورسين، وهو أحد ثلاثة قباطنة على متن سفينة “Le Commandant Charcot”، وهي سفينة قطبية تابعة لشركة “Ponant” للرحلات البحرية، إلى أن الإبحار في ممر دريك يُعد مهمة معقدة للغاية، وتتطلب الحذر.

ويقول ديفورسين: “يجب أن يكون لديك خوف صحي، حتى تبقى متيقظًا للسفينة وأحوال الطقس. عليك أن تدرك أن الأمر قد يكون خطيرًا، وليس أمرًا روتينيًا على الإطلاق”.

وعبر ديفورسين ممر دريك لأول مرة كقبطان منذ أكثر من 20 عامًا، حيث أبحر بكاسحة جليد مليئة بالعلماء إلى القارة القطبية الجنوبية للقيام بمهمة بحثية.

ويتذكر قائلا: “كانت لدينا أمواج شديدة الاضطراب، حيث بلغ ارتفاعها أكثر من 20 مترًا. كان الجو عاصفًا وقاسيًا للغاية”.

مع ذلك، لفت ديفورسين إلى أن مستويات الراحة على متن سفينة الأبحاث – والظروف التي تبحر فيها – تختلف تمامًا عن تلك الخاصة برحلة بحرية، مؤكدًا: “نحن نتحلى بحذر كبير، فالمحيط أقوى منا. وليست لدينا القدرة على الإبحار خلال حالة الطقس السيئ، إذ نواجه أمواجًا هائجة ولكن دائمًا بهامش أمان كبير. نحن لا نقامر على حياتنا”

حتى مع هامش الأمان الإضافي هذا، يعترف ديفورسين بأن عبور ممر دريك يمكن أن يكون تجربة مرهقة، إذ أكدّ: “يمكن أن يكون الأمر صعبًا وخطيرًا للغاية، لذا فإننا نولي الأمر الكثير من الاهتمام”.

وقال: “علينا أن نختار أفضل وقت لعبور ممر دريك. وفي بعض الأحيان لا نذهب في اتجاهنا النهائي، بل نغير المسار للحصول على زاوية أفضل مع الأمواج. قد نبطئ من سرعتنا لترك مسار الضغط المنخفض أمامنا، أو نسرع لتخطّيه”.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى