الهجرة غير الشرعية ۔۔۔۔۔۔۔ سراب الظمآن

إنّ الأسباب الاقتصادية للهجرة غير الشرعية هي مرآة تعكس التحديات الاقتصادية التي يمكن أن يواجهها الأفراد في بلدانهم، وتشمل محاولاتهم لتحسين مستوى حياتهم وتوفير فرص أفضل ، ويتساءل البعض هل الصورة بكل ذلك السواد ، قبل الإجابة لابد من ان نستعرض اهم نتائج الهجرة فان كان أهم أسبابها هو ضعف الدخل أو العوامل الاقتصادية أو الاجتماعية المختلفة الا ان واحد من اهم دوافعها هو تحسين الدخل أو التطلع الي حياة اجتماعية واقتصادية أفضل حالا ، اذن قبل ان نجيب لابد ان نستعرض اهم نتائج الهجرة غير الشرعية من الناحية الاقتصادية التي قد تتراوح من إيجابية إلى سلبية، وتعتمد على العديد من العوامل بما في ذلك البلدان المعنية وظروف الهجرة وتأثيرها على البلدين المصدر والوجهة وهذه النتائج ليست قطعية أو مؤكدة الحدوث وانما قابلة للتحقق كإرسال الاموال إلى أسرهم في بلادهم الأم، وهذا يساهم في دعم الاقتصاد المحلي وتحسين أوضاع العائلات أو من خلال زيادة الاستثمار ففي بعض الحالات، يمكن للمهاجرين غير الشرعيين أن يعودوا إلى بلادهم بعد تحقيق مستوى من الاستقرار المالي، ويمكنهم المساهمة في تطوير البنية التحتية والاستثمار في مشاريع اقتصادية ، كمايؤدي إنفاق المهاجرين غير الشرعيين في البلدان المستقبلة إلى زيادة الإقبال على المنتجات والخدمات المحلية، مما يسهم في تحفيز الاقتصاد بالدولة المستقبلة بالإضافة الي ان بعض المهاجرين قد يقومون بتأسيس أعمال صغيرة أو يستثمرون أموالهم في البلدان المستقبلة مما يسهم في خلق فرص عمل وتنمية اقتصاديةجديدة مما يسهم في زيادة سرعة دوران العجلة الاقتصادية بالدول المستقبلة لهم ، الا ان الصورة ليست إيجابية بالمجمل فهذه الهجرة تتسبب بفقدان الدولة المصدرة للعمالة الماهرة بما يؤدي الي فقدان الكفاءات والمهارات في بلد المصدر، مما يؤثر على القدرة التنافسية للبلد في السوق الدولي ،قد يتعرض المهاجرون غير الشرعيين للاستغلال وسوء المعاملة من قبل أصحاب الأعمال أو الجهات الغير قانونية، مما يعرضهم لظروف عمل غير إنسانية.قد تؤدي زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى توترات اجتماعية في البلدان المستقبلة، بما في ذلك منافسة على فرص العمل والموارد، كما ان الزيادة السكانية الناجمة عن الهجرة غير الشرعية تصنع ضغوطًا على البنية التحتية للبلدان المستقبلة، مثل الإسكان والصحة والتعليمكما أنها تتسبب في زيادة الانفاق الحكومي مثل تكاليف تنظيم وإدارة الحدود ومعالجة طلبات اللجوء بما يزيد الضغوط على مؤشر التضخم في البلاد والدول التي تستقبل موجات الهجرة ، اضف الي ذلك فان الموجات المتتالية من النزوح الي دول الاستقبال قد تؤدي إلى توترات في سوق العمل وزيادة التنافس على الفرص الوظيفية والموارد، وقد تؤثر على الأجور وظروف العمل للسكان الأصليين ، بما يخلق المزيد من التوترات الاجتماعية بما يدفع السكان الي التعبير عن رفضهم لهذه الهجرات وقد يكون هذا التعبير سلمياً في حالات وعنيفا وذا طابع عنصري في حالات كثيرة اخري ، الا انه اذا قامت الدول المستقبلة بحسن إدارة ملف الهجرة غير الشرعية بشكل جيد، حينها يمكن ان تتحقق فوائد اقتصادية متعددة ، الا إن التحدي يكمن في التعامل مع الجوانب السلبية وضمان حقوق وكرامة المهاجرين ،هذا ما يقودنا في البحث عن الدعوات المستمرة لتقنين الهجرة غير الشرعية وهو مصطلح يتم تداوله باستمرار بين المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الانسان وهو يشير إلى العملية التي تُسمح فيها الحكومة بتحويل وضع المهاجرين غير الشرعيين إلى وضع قانوني داخل البلد الذي هاجروا إليه بشكل غير قانوني. يتضمن هذا عادةً منح تصاريح إقامة أو إقامات دائمة للأشخاص الذين دخلوا البلد بشكل غير قانوني وقرروا البقاء هناك، ان تقنين الهجرة غير الشرعية يمكن أن يكون موضوعًا مثيرًا للجدل ويعكس سياسات الهجرة واللجوء في البلدان المختلفة،فقد تقوم بعض البلدان بتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين لأسباب إنسانية أو اقتصادية أو اجتماعية، في حين تختار بلدان أخرى عدم تقنين وضع هؤلاء المهاجرين وتتبع سياسات أكثر صرامة تجاههم.
وبذلك فان تقنين الهجرة غير الشرعية يمكن أن يكون له تأثير اقتصادي متعدد الجوانب على البلدان التي تقرر تنفيذه ،ومن ضمن تلك الآثار الاقتصادية المحتملة ان التقنين قد يعمل على فمن خلال هذه العملية القانونية تتمكن الكثير من الدول منتعزيز القوى العاملةوزيادة عرض القوى العاملة المتاحة للدولة المضيفة في أسواق العمل بما يساهم في ملء الفجوات في سوق العمل وتلبية الاحتياجات الاقتصادية المختلفة، ويكون نتيجة ذلك زيادة الإنتاجية من خلال حُسن اختيار القوة العاملة ، وبالتالي فان زيادة التوظيف والإنتاج يسهم في زيادة الإيرادات الضريبية وذلك عندما يتحول وضع المهاجرون الي وضع قانوني يمكن الدولة المستضيفة لهم من تحصيل الضرائب منهم ، كما ان وجود هذا العدد الكبير منهم يعمل على تحسين القدرة على الاستثمار ويعمل على زيادة التنوع الثقافي وتنوع المهارات وتعزيز الخبرات المحلية باستقطاب خبرات ومعارف تم استقطابها من العمالة المهاجرة مما يسهم في زيادة فرص الابداع والابتكار ، الا انه على الجانب الاخر من التقنين تقف تحديات جسام امام الدولة المستضيفة من أهمها التحديات الاجتماعية والعادات والتقاليد المستجلبة ويزيد من تحديات البطالة فقد يزيد تقنين الهجرة من منافسة سوق العمل ويزيد من مخاطر البطالة، خاصة إذا كان هناك عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين ، الا اننا لا يمكننا الحكم وبشكل واضح ان تقنين الهجرة الشرعية قد ينتج عنه إيجابيات أو سلبيات انما يتوقف الامر ويعتمد على الظروف والسياق الخاص بكل بلد، فقد تكون نتائجه إيجابية أو سلبية بحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المحلي.
تأثيرات تقنين الهجرة:
لا شك هنالك تداعيات متعددة لهجرة غير الشرعية على العالم متنوعة وتشمل مجموعة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيمكن أن تسفر الهجرة غير الشرعية عن تحديات اقتصادية في البلدان المصدرة للمهاجرين، حيث يمكن فقدانهم للكفاءات البشرية المهمة ، بالمقابل تواجه البلدان المستقبلة تحديات اقتصادية تتضمن زيادة الضغط على سوق العمل والبنية التحتية ،كما انها قد تتسبب في التنافس على فرص العمل والموارد بين المهاجرين والسكان الأصليين في البلدان المستقبلة، كمايمكن أن تزيد من قلق الدول المستقبلة بشأن الأمن والأمان، حيث قد يتم استغلال هذا النوع من الهجرات من قبل الجماعات المتطرفة أو المنظمات الإجرامية، كما انه من المعروف ان موجات اللجوءوالهجرة غير الشرعية قد تؤدي إلى توترات سياسية وقانونية بين البلدان المصدرة والبلدان المستقبلةخاصة إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بشكل منهجي ، الا انه من المهم مراعاة أن تأثيرات الهجرة غير الشرعية تختلف حسب السياق والظروف، فقد تكون إيجابية أو سلبية أو متباينة ، ويبقي تحقيق فوائد مستدامة من الهجرة يتطلب التعاطي معها بشكل شامل وتنفيذ سياسات تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية.
وخير مثال على هذه التحديات هي التحديات التي تواجهها دولالاتحاد الأوروبي باعتباره الجهة المستهدفة الأولي من موجات الهجرة والنزوح المتتالية والتي نشهد تفاصيلها وبشكل يومي من خلا شاشات التلفزيون والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ولعل من اهم تأثيرات الهجرة غير الشرعية على دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص هو زيادة الضغط على حدود الدول الأعضاء، مما يؤثر على السيطرة على الحدود وقدرتها على التعامل مع تدفق المهاجرين، كما ان تسببت في بعض الأحيان في أزمات إنسانية، حيث يواجه المهاجرون ظروفًا صعبة ومحتملة للخطر خلال رحلاتهم، كما ان قضايا الهجرة تثير تحديات سياسية داخلية وخارجية، حيث يختلف توجه الدول الأعضاء تجاه الهجرة واللجوء، بالإضافة الي ان دول الاتحاد الأوروبي تشهد توترات مستمرة حول توزيع المهاجرين بين الدول الأعضاء هذه التوترات تأتي من اختلاف الآراء حول المسؤولية المشتركة في استقبال المهاجرين، كماتؤثر الهجرة على الاقتصاد والمجتمعات في الدول الأعضاء، حيث قد تؤدي إلى تحديات في تكامل المهاجرين في سوق العمل والمجتمع ، فالهجرة عموماً والهجرة غير الشرعية خاصة قضية شائكة تتطلب تنسيقًا وتعاوناً بين الدول الأعضاء للتعامل مع التحديات المتعلقة بالهجرة واللجوء على الصعيدين الوطني والإقليمي.
الا انه ومن المهم مراعاة أن تأثيرات الهجرة غير الشرعية تختلف حسب الظروف المحلية والاقتصادية للبلدان المصدرة والوجهة وبالتالي فان تحقيق فوائد مستدامة يتطلب توجيه التحسينات المناسبة للتعامل مع التحديات والفرص المالية المرتبطة بالهجرة.
ان النقاش حول ما إذا كانت الهجرة غير الشرعية تجربة ناجحة للاتحاد الأوروبي يعتمد على وجهات نظر مختلفة وتقييم للنتائج المحققة خلال الفترات الماضية وكذلك دراسة وتقييم العواقب والتأثيراتالسالبة المختلفة ومن ثم الحكم على التجربة من خلال منظور حيادي يستحضر ما تحقق من فوائد ويحتسب ما تكبدته الدول المصدرة والمستقبلة من تكاليف الا انه يجب التذكير أن هذا التقييم يمكن أن يختلف على حسب الزمان والسياق.
فقد يري البعض ان ما تحقق من إيجابيات لدول الاتحاد الأوروبي هو مساهمة الهجرات اليه بكافة اشكالها في تعزيز وزيادة التنوع الثقافي والاقتصادي، وزيادة عرض القوى العاملة، وتلبية احتياجات السوق، كما ان المهاجرين ساهموا في تحفيز الابتكار وتطوير الاقتصاد في تلك الدول ، الا ان للبعض حكم وتقييم مختلف فمنهم القائل ان هذه الدول واجهت العديد من التحديات والتكاليف الاجتماعية والاقتصادية مقابل ما تعهدت به هذه الدول من تقديم الخدمات والدعم للمهاجرين، وقضايا تكامل المهاجرين في المجتمع وسوق العمل، وقضايا الأمان والحدود.
وهناك ايضاً تقييم وحكم آخر يدعي انه إذا تم التعامل بشكل فعال مع تحديات الهجرة وتكاليفها ووضعت سياسات هجرة محكمة البنية وان تم تنفيذ تلك السياسات بدقة فقد تتحول الهجرة غير الشرعية إلى تجربة ناجحة تساعد في تعزيز الاقتصاد وتحقيق التنمية في الدول المستضيفة، الا انه يجب توخي الحذر والعمل على خلق توازن بين الفوائد المحتملة والتحديات والتكاليف لضمان تحقيق نتائج إيجابية وعادلة للجميع ، ويستدلون على ذلك بالعديد من التجارب الناجحة التي حولت مشكلة وقضية الهجرة غير الشرعية الي فرصة حقيقية ساهمت في تنويع اقتصاداتها وعززت من ثقافاتها وتنوعها المجتمعي مما وضعها ضمن الدول المتقدمة في العالم كالولايات المتحدةفقد نجحت وعلى مر العقودنجحت في تحويل الهجرة غير الشرعية الي قوة عمل جبارة ساهمت في نجاح في العديد من القطاعات في الولايات المتحدة الامريكية كقطاعات الزراعة والبناء حيث ساهمت هذه القوى العاملة في النمو الاقتصادي وتلبية احتياجات السوق واعتمدت أمريكا بشكل كبير في ذلك علي قوة العمل التي عبرت الحدود الامريكية المكسيكية ولعلنا نستحضر في هذا الصدد ما واجه الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب من معارضة واضحة عندما حاول الحد من موجات اللجوء والهجرة من المكسيك الي أمريكا وكان على رأس هده المعارضة العديد من الشركات الامريكية التي تعمل في قطاع العقار والتشييد والمباني ، كما ان الامر قد يهدد الامن الغذائي الأمريكي ان حاولت إقامة الجدار العازل بينها وبن المكسيك لعِظم تكلفة اشائه وهو كان واحد من ابرز وعود الرئيس ترامب في حملته الانتخابية وذلك للحد من الهجرة غير الشرعية القادمة من المكسيكوبحسب احصاءات عام 2014، فإنّ عدد المهاجرين غير القانونيين الذين يعيشون في الولايات الأمريكية المختلفة، يبلغ 11.1 مليون شخصاً، منهم 52 بالمئة مكسيكيين، و15 من دول أمريكا الوسطى، 12 بالمئة من دول القارة الآسيوية، و6 بالمئة من أمريكا الجنوبية، و5 بالمئة من جزر الكاريبي، و5 بالمئة من دول القارة الأوروبية وكندا، والبقية من دول أخرىوأوضح تقرير لشركة (PEW) الأمريكية للأبحاث أنّ 8 مليون من المهاجرين غير القانونيين المكسيكيين، يعملون حالياً داخل الأسواق الأمريكية، ويشكلون 5 بالمئة من إجمالي اليد العاملة الامريكيةوتعد ولايات كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك ونيوجيرسي وإلينوي من أكثر الولايات الأمريكية التي تحتوي على مهاجرين غير قانونيين، وأكثر من 66 بالمئة من هؤلاء المهاجرين يتواجدون في الولايات المتحدة منذ أكثر من 10 أعوام.، كما تبرز كندا كوجهة لحسن التعامل مع قضايا الهجرة حيث سمحت في بعض الحالات بتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين يستوفون شروط معينة مما ساهم في تكامل هؤلاء المهاجرين في المجتمع وسوق العمل، كما استخدمت إيطاليا برنامجًا مؤقتًا يُدعى “برنامج العفو” لتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في القطاع الزراعي. هذا المبادرة ساعدت في توفير العمالة وتحسين ظروف العمل.
أن النجاح والاخفاق والعائد والتكلفةيختلفان حسب الزمان والمكانوالسياق الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي وعلى الرغم من وجود أمثلة على النجاحات المؤقتة، يجب النظر دائمًا في التأثيرات على المدى الطويل وتقدير الآثار الكاملة للهجرة غير الشرعية.
يبقي السؤال الأهم هل تري ان الهجرة غير الشرعية مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء كما ابتدرت مقالي هذا، ام انها بديل حقق العديد من النجاحات كما اختتمت به المقال وانها جنة يحلم العديد بالوصول والعبور من خلالها الي عالم أفضل ، فلا حكم مسبق على امر يري من قام به انه ضرورة حياتية حتي لو كان الواقع الذي نراه نحن المراقبين رعباً ولكنه قد يكون اقل رعباً من وجهة نظر من يكتوي بالنار حلما في الوصول الي جنة يراها هو وحده

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى