الدولار الأمريكي يهيمن على باقي العملات العالمية | تفاصيل

 

رغم وجود نحو 180 عملة حول العالم، فإن عددا محدودا منها يتم استخدامه على نطاق واسع في التعاملات الدولية، التي يتربع على عرشها الدولار الأمريكي، وبدرجة أقل عملات أخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، وفق بيانات دولية.

 

ويهيمن الدولار “على النظام المالي العالمي والتجارة العالمية”، فيما يرجح استمرار احتفاظه بـ”الهيمنة كعملة للاحتياطي” الأجنبي في الدول المختلفة حول العالم، بحسب بيانات نشرتها دراسة لصندوق النقد الدولي.

 

ولم تؤثر التحولات الهيكلية التي شهدها “النظام النقدي الدولي” طيلة العقود الماضية على “هيمنة الدولار الأمريكي”، فيما تشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن حصة الدولار من “الاحتياطيات لا تزال نفسها منذ ثلاثة عقود.. وبقيت أعلى من 50 في المئة” من مجمل الاحتياطيات الأجنبية حول العالم.

 

تعود جذور هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي إلى اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944، والتي تبعها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأة “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”.

 

ولدت هذه المؤسسات في يوليو 1944 في مدينة بريتون وودز بولاية نيوهامشير في الولايات المتحدة بمبادرة من 44 بلدا لتجنب أزمة شبيهة بتلك التي حدثت في 1929، وكلف صندوق النقد الدولي حينذاك بمهمة ضمان الاستقرار المالي العالمي، بينما على البنك الدولي العمل من أجل إعادة الإعمار والتنمية قبل أن يتكرس لخفض الفقر.

 

اتفاقية “بريتون وودز”، جاءت لتنظيم التجارة العالمية وتحقيق نوع من الاستقرار المالي الدولي، ونصت حينها على “اعتماد الدولار الأمريكي” كعملة رئيسية لتحديد أسعار عملات الدول الأخرى، وكان الدولار حينها مرتبطا بالذهب عند سعر 35 دولارا للأونصة.

 

وأصبحت العديد من الدول تقوم بتثبيت سعر صرف عملتها مقابل الدولار، بحسب تقرير نشره موقع “أن بي أر”.

 

ووفق وزارة الخزانة الأمريكية مع انهيار نظام بريتون وودز مطلع السبعينيات، وصعود القوى الاقتصادية الأخرى، كانت هناك تنبؤات بزوال هيمنة الدولار، ولكنها لم تتحقق.

 

في الستينيات من القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة تواجه عجزا ونفادا في احتياطاتها من الذهب، الأمر الذي يعني أن حفاظها على وعدها بربط الدولار بالذهب أصبح صعبا، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيسكون إلى إجراء “طلاق ما بين الدولار والذهب في عام 1971”.

 

وأجرى نيكسون حينها ترتيبا يحدد قيمة الدولار اعتمادا على مزيج من “المؤشرات والقوى والعوامل السياسية والاقتصادية”، ورغم ذلك بقي الدولار مسيطرا ويعتبر العملة الأولى للاحتياطيات الأجنبية في الدول.

 

وتشير الخزانة الأمريكية إلى أن دور الدولار كعملة احتياطية أساسية دعمته عدة عوامل: حجم الاقتصاد المحلي، أهمية هذا الاقتصاد في التجارة الدولي، حجم الأسواق المالية وانفتاحها، وقابلية تحويل العملة وربطها بالعملات الأخرى.

 

قديما خلال الفترة ما بين القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر كانت الهيمنة للدولار الإسباني الفضي الذي استخدم في العديد من الدول وفي التعاملات التجارية الدولية بحسب تقرير لمجلة ناشونال إنترست، وفي عام 1792 أقر الكونجرس الأمريكي قانون سك العملة، ليبدأ إصدار الدولار الأمريكي والذي كان مرتبطا بالفضة حينها.

 

وفي القرن التاسع عشر بدأ التحول من ربط الدولار بالفضة ليصبح مكافئا لمقدار معين من الذهب، وبعدها بدأ يخفت الاهتمام بالدولار الإسباني في التعاملات لم يحل محله الجنيه الإسترليني حينها، ولكن ما أصبح رائجا هو الدولار الأمريكي.

 

ويعود أصل كلمة “دولار” إلى أنها النسخة الإنكليزية من كلمة “تالر” الألمانية، وهي نسخة مختصر من الجذر الألمانية “تال” ويعني الوادي، و”تالر” ترجمتها الحرفية هي “شخص أو شيء من الوادي” وفق الموقع الإلكتروني لـ”المتحف التشيكي في هيوستن”.

 

ونشأ هذا الاسم في بلدة “ياخيموف” في منطقة “بوهيميا” في مطلع القرن السادس عشر، والتي تعرف حاليا باسم التشيك، حيث بدأ فيها “سك وإصدار” عملات من الفضة، والتي انتشرت في أوروبا حينها باسم “شليكن تالر”، وبحلول منتصف هذا القرن أصبحت تستخدم هذه العملات باسمها الألماني المختصر وهو “تالر”، والتي ترجمت للإنجليزية على أنها “دالر”، بحسب قاموس “ميريام ويبستر”.

 

أثار الدور الذي يلعبه الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي حفيظة بعض الدول، في الستينيات أشار وزير المالية الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان إلى أن الدولار “يتمتع بامتياز باهظ”.

 

الولايات المتحدة لديها امتيازات عديدة بسبب الدولار، والتي من أبرزها سندات الخزانة الأمريكية التي تعتبر من “الديون الأكثر جاذبية” للعديد من البلدان التي تريد تحقيق العوائد عن طريق “شراء الديون الأمريكية”، إذ تمتلك الصين مليارات الدولار من هذه الديون.

 

ويشير تقرير “أن بي أر” إلى أن من مزايا الدولار التي يوفرها لواشنطن إمكانية الاقتراض به، فهذا يعني أنه إذا خفضت الولايات المتحدة قيمة الدولار، فهذا يعني خفض قيمة ديونها، وهو ما لن تقوم به أمريكا، ولكنه يبقى قابلا للتطبيق نظريا.

 

ومن مزايا هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي ما يتيحه من استخدامه بقوة في “معاقبة” الخصوم، مثل إيران وروسيا، ولهذا سعت موسكو منذ بداية حربها على أوكرانيا إلى بيع نفطها بالروبل الروسي بعيدا عن الدولار.

 

تبقي الدول على احتياطيات من العملات الأجنبية والتي يحتفظ بها البنك المركزي، والتي تمثل النقد الأجنبي لهذا البلد، والتي عادة ما تحتفظ بها الدول لعدة أسباب: مواجهة الصدمات الاقتصادية، دفع قيمة الواردات، دفع الديون، وضمان استقرار قيمة العملة، بحسب تحليل نشره “مجلس العلاقات الخارجية”.

 

ومن خلال هذه الاحتياطيات، يستطيع البنك المركزي شراء وبيع العملات في السوق المحلية من أجل التأثير على استقرار قيمة العملة، والحفاظ على ثقة المستثمرين، ولكن العديد من الدول يريد الاحتفاظ بهذه المبالغ للتأكد من قدرتها على الوصول لها في أوقات حرجة.

 

ويعتبر صندوق النقد الدولي هو الهيئة المسؤولة عن مراقبة النظام النقدي، وهو يحدد احتياطي العملات الأجنبية بتلك التي تكون بـ: الدولار الأمريكي، الدولار الأسترالي، الجنيه الإسترليني، الدولار الكندي، الرنمينبي الصيني، اليورو، الين الياباني، الفرنك السويسري، فيما يشكل الدولار الأمريكي 60 % من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية.

 

كما يشير التحليل إلى أن الدولار الأمريكي لا يزال العملة المفضلة للتجارة الدولية، خاصة للسلع الرئيسية مثل النفط.

 

وخلال الفترة الماضية رغم ما يحدث من توترات سياسية حول العالم طالت أسواق النفط، لم تقترح أي من حكومات الدول الخليجية أنها قد تتخلى عن ربط عملاتها الوطنية مع الدولار الأمريكي، ولكن ظهرت تقارير تتحدث عن أن السعودية قد “تفكر في قبول مدوفوعات البترول للصين باليوان”، وهو ما قد يسبب اختبار لنظام “البترودولار”، وفق تقرير نشرته وكالة بلومبرج.

 

وأشار بنك التسويات الدولية في تقرير في نوفمبر من 2022 إلى أن قوة الدولار عادة ما تخلق أجواء من التشديد في الأسواق المالية العالمية مع تقليل الشهية للمخاطرة وإضعاف التجارة العالمية. كما أنها تزيد صعوبة خدمة الدين على البلدان التي اقترضت بالعملة الأمريكية، وهي مشكلة كثيرا ما تعاني منها اقتصادات الأسواق الناشئة بشدة.

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى