قد تساهم الحشرات في حل لغز العديد من الجرائم : أهمية استخدام الحشرات في الطب الشرعي

بقلم الدكتورة لينا عباس

من أكثر الأسئلة التي قد تطرح هو كيف يمكن استخدام الحشرات في الطب الشرعي وكيف تساعد في تقدير الوقت منذ الوفاة والتعرف على الجناة أيضًا.

هنا سنسرد معلومات تضمنتها مقالة علمية تم إعدادها من قبل باحثين من كلية الطب بجامعة فلوريدا Dr.Jason Byrd و Dr.Lerah Sutton ونشرت في مجلة WIREs The Wiley Interdisciplinary Reviews ستجيب على العديد من الأسئلة حول علم الحشرات واستخدامه في الطب الشرعي.

غالبًا ما يستخدم علم الحشرات الشرعي للمساعدة في تحديد تقدير الحد الأدنى لفترة ما بعد الوفاة. كما أن وجود أنواع معينة من الحشرات وأماكن تواجدها على الجثة تساعد على معرفة إذا تعرض الشخص قبل الوفاة إلى أي نوع من الاعتداء أو التعذيب. كما أنه مفيد في تحديد فترات الإساءة للأطفال وكبار السن وإهمالهم، ويمكن أن تكون الحشرات مفيدة أيضًا كبديل العينات السمية – مجال الدراسة المعروف باسم علم السموم الحشرية.

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تمنع أو تبطئ استعمار الحشرات، إذ تعتبر درجات الحرارة الأقل من درجة التجمد ، والرياح العاتية ، والأمطار الغزيرة ، والظلام ، واللف المحكم والإخفاء، والدفن كلها عوامل قد تؤخر أو تمنع استعمار الحشرات.

وتلخص د. لينا عباس أن علم الحشرات الطبي الشرعي الجنائي هو علم يمكننا من الحصول على الأدلة التي يمكن جمعها من خلال البحث حول معلومات عن المفصليات التي تتواجد سواء على الجثة أو في مسارح الجرائم مثل جرائم الاغتصاب والقتل وحالات الانتحار وأيضا في عمليات التهريب وغيرها الكثير. فهذا العلم يهتم بنوع الحشرات التي تضع بيوضها على الجثة، وبالبحث حول مكان وتوقيت وضع تلك الحشرات لبيضها، كما تساعد بمعرفة أي مرحلة من مراحل تحلل الجثة ظهرت تلك الأنواع من الحشرات مما يساعدنا في تقدير وقت حدوث الوفاة.

وبحسب ما ذكره الباحثين أنه من الأهمية بمكان توثيق جميع أنواع الحشرات الموجودة في مكان الحادث لأن عملية استعمار الحشرات يمكن أن تساعد أيضًا في تقدير الفاصل الزمني بعد الوفاة وهي مفيدة للغاية في الحالات التي تكون فيها فترات ما بعد الوفاة أطول (أسابيع / أشهر)

ويعتبر الذباب المنفوخ هو أكثر مجموعة من الحشرات شيوعًا وأهمية وأكثر ارتباطًا بتحلل جسم الإنسان. هم بشكل عام من بين أكثر الحشرات التي تصل إلى الجسم بعد الموت وذلك بسبب حساسيتها للإشارات الكيميائية المنبعثة أثناء عملية التحلل.

ففي كثير من الأحيان قد تصل في غضون بضع دقائق بعد الوفاة. فمن المهم معرفة أن هذا الذباب هو أكثر الحشرات نشاطا ووفرة في المراحل المبكرة من التحلل، كما أنها مسؤولة عن استهلاك معظم الأنسجة الرخوة في الجسم في غضون أيام قليلة بعد الموت

 

ويبدأ استعمار الحشرات عادةً عند الفتحات الطبيعية للرأس (أي العينين والأذنين والأنف والفم) حيث يضع الذباب بيضه. ومع تقدم استعمار الحشرات ، سوف تلتهم اليرقات أنسجة الرأس وتستمر في النزول نحو الرقبة والجذع ثم الأطراف. أما بالنسبة للذباب، فغالبًا ما يستعمر المنطقة التناسلية، ولكن عادة بعد استعمار الفتحات الطبيعية للرأس ومواقع الاعتداء أو الجروح أو الأذية.

 

يمكن استخدام الارتباط بين درجة الحرارة والوقت لتقدير الفاصل الزمني بعد الوفاة عند اقترانها بالمعرفة حول معدلات نمو نوع معين من الحشرات عند درجات حرارة معينة. إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار درجات الحرارة التي حصلت فيها الجريمة. فإذا كانت الجريمة في مكان داخلي يجب على العاملين في القضية توثيق إعدادات منظم الحرارة، والتحقق من وضع الأبواب والنوافذ سواء كانت مفتوحة أم مغلقة، وكذلك التحقق من المراوح والتكيف سواء كانت قيد التشغيل أو موقوفة، أو وجود مدفأة في المكان و أية عوامل أخرى قد تؤثر على درجة الحرارة والتي ستؤثر في تحلل الجثث. بالنسبة للمشاهد الخارجية ، يجب توثيق البيئة المادية حول الجسم، سواء كانت البقايا في الشمس أو الظل ، وأيضا مدى كثافة الغطاء الأرضي ، أو وجود الماء، وأية عوامل أخرى قد تؤثر على درجة الحرارة . في كلتا الحالتين ، يحب توثيق وجود أي حواجز يمكن أن تمنع استعمار الحشرات مثل الملابس أو محاولة تغطية الجثة. ومن المهم جدًا التوثيق بالتصوير الفوتوغرافي والمكتوب وذلك لغاية التوثيق المناسب للبيئة ودرجة الحرارة.

 

وبحسب الدراسة التي قام بها الباحثان يتضح أن جمع الأدلة الحشرية من الممكن أن يكون سهلا و ذو تكلفة ابسط. وتقول د. لينا عباس أننا في العالم العربي بحاجة ماسة لتطوير علم الطب الشرعي وليس من الصعب أن نقوم بتدريس طلبتنا على استخدام تقنيات لا تحتاج الكثير من التكاليف و بنفس الوقت ستكون فعالة، لذا فإن هذه الدراسة بما تحتوية على معلومات مفصلة حول إمكانية استخدام أدوات بسيطة جدا ستمكننا من تدريب طلبتنا على استخدامها.

تقول د. لينا عباس إن من إحد الأمثال الشعبية الأكثر تداولًا في غالبية المشاجرات “بخلي الدبان الأزرق ما يعرفلك طريق” هو مثل له أساس علمي، إذ يرتبط وجود الذباب الأزرق بجثث الموتى ولكن للأسف إن غالبية القائمين على تنفيذ القانون في الدول العربية يغيب عنهم ذلك.

ومما لا ريب فيه أن استخدام الحشرات للإجابة على الأسئلة العلمية والقانونية ليس مفهوماً جديداً. على الرغم من استخدام مجال علم الحشرات الشرعي عمليًا منذ القرن الثالث عشر إلا أنه لا يزال في حالة تطور، ولا يزال هذا المجال يفتقر إلى المعلومات المتعلقة بأنواع الحشرات حسب وجودها في المناطق الجغرافية المتعددة. فمن الضروري تحديد عالم حشرات على دراية بالحشرات في المنطقة الجغرافية المحددة المعنية.

وهذا يعني أن البيانات المتعلقة بتعاقب الحشرات التي تم جمعها من دراسة بحثية في فلوريدا قد لا تنطبق على قضية تحقيق وفاة في صحراء نيفادا حيث أن المناخات تختلف على نطاق واسع.

ويمكن أن يكون علم الحشرات مفيدًا أيضًا للإجابة على الأسئلة القانونية الأخرى التي قد تساعد في التحقيق في الوفاة. يمكن أن تساعد معرفة عالم الحشرات بالتوزيع الجغرافي لأنواع الحشرات في تحديد مكان حدوث الوفاة وقد توفر أيضًا معلومات حول ارتباط الضحية المشتبه به.

ونظرا لأن وجود بعض أنواع الحشرات يقتصر على منطقة جغرافية بعينها، فبالتالي يعتبر العثور على حشرات معينة سواء على جثة أو مركبة أو بطريقة أخرى مرتبطة بمسرح الجريمة يمكن أن يوفر معلومات قيمة للقضية. فإذا تم العثور على حشرة معينة على سيارة المشتبه به في منطقة لا يُعرف وجود الحشرة فيها ، فإنها ستوفر صلة بين المشتبه به وموقع مسرح الجريمة. إذ أثبتت أدلة الحشرات أنها مفيدة في تحديد مسار سفر السيارات المشتبه في ارتباطها بجريمة ما بسبب ارتباط حشرات معينة بمناطق جغرافية محددة.

وبالمثل، إذا تم العثور أيضًا على نفس الحشرات على المتوفى فسيؤدي ذلك إلى ربط المشتبه به بالضحية.

كما إن عدم وجود الحشرات في الحالات التي يجب أن تكون فيها الحشرات موجودة على الجثة يعتبر دليلًا مهما أيضًا، فمن أحد الأمثلة على ذلك هو إذا تم نقل الجثة من مكان وقوع الجريمة إلى مكان مختلف بعد حدوث التحلل في الموقع الأول.

 

إن عدد الأفراد الذين يمارسون علم الحشرات الشرعي آخذ في الازدياد في الولايات المتحدة الأمريكية. ويوفر إنشاء المجلس الأمريكي لعلم الحشرات الشرعي وامتحان الشهادة مع إعادة التأهيل الدوري للنظام القانوني شكلاً من أشكال ضمان الجودة لم يكن موجودًا في الماضي. وستستمر التطورات التكنولوجية والبحوث الجديدة في تزويد النظام القضائي بعلماء الحشرات الشرعيين المؤهلين وبيانات بحث دقيقة لاستخدامها في محكمة قانونية

 

هناك العديد من العناصر الأساسية التي يجب توثيقها دائمًا في مسرح الجريمة فهناك خطوات يجب اتباعها لغاية التوثيق الصحيح للأدلة الحشرية وجمعها وأيضًا في طريقة جمع هذه الأدلة. ومن أجل الحصول على المعلومات الأكثر فائدة من الأدلة الحشرية التي تم جمعها في مسرح الجريمة من المهم تحديد موقع عالم الحشرات الشرعي حسب المنطقة الجغرافية. على سبيل المثال، قد لا يكون عالم الحشرات الذي يقيم ويعمل في فلوريدا هو الخيار الأكثر فائدة لإجراء تحقيق في مناطق صحراوية بسبب الاختلاف في أنواع الحشرات التي تعيش في كل من هذه المناطق. نظرًا للكم الهائل من التباين الجغرافي في أنواع الحشرات وأهمية المعلومات الخاصة بالجغرافيا التي يمكن أن تقدمها الحشرات ، فمن الضروري تحديد عالم حشرات على دراية بالحشرات في المنطقة الجغرافية المحددة المعنية. وليس من الضروري دائمًا أن يكون عالم الحشرات موجودًا فعليًا في كل مسرح جريمة يحتوي على أدلة حشرية، ولكن من الضروري تطوير علاقة عمل بحيث يكون المحققون على دراية بأي تقنيات معينة لتجميع الحشرات وأيضا على دراية بتفضيلات عالم الحشرات هذا. كما يجب أيضًا مراعاة اعتبارات تغليف وشحن الأدلة الحشرية قبل جمعها في مكان الحادث لأن هذا دليل حساس للوقت.

 

وختامًا تقول د. لينا عباس أنه بالرغم من أن مدى وضوح أهمية علم الحشرات في الطب الشرعي في الكشف عن الجرائم. ولكن للأسف لا يزال استخدام هذا العلم محدود جداً في العالم العربي، وذلك يرجع لأسباب عدة منها عدم وجود الأطباء المدربين عليه، وأيضا عدم معرفة العاملين بالبحث الجنائي لهذا العلم، وربما يجهلون وجود هذا التخصص. و نحن نأمل أن يتطور هذا العلم في البلدان العربية و أن يتم تقنين استخدامه أسوة بما يعمل به هنا في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى