حوارات السلع تكتب نصا رسم صورة الناس في البدايات

الطفيلة – كتب عبدالله الحميدي

أعاد الاذاعي د. احمد القرارعة. القراء على منصة السلع. لاستذكار قرية السلع التاريخية.

ورصد في المكان في نص تراثي، جسم فيه حركات الناس قبل اكثر من خمس عقود

ورسم في الصورة التي حملت عنوان “ذكريات ينسجها جمال المكان وروعة الزمان” في الجزء الاول. تدافع السكان باتجاف معالجة الفقر بالتفافهم معا. لاستنهاض انتاج جمعي، يقلل من فرص المرض والحاجة.

وتاليا النص

تتهادى الخطى ويمضي الزمان ليأخذك حنين الماضي بتنوع ذكرياته، لتجد نفسك بين أحضان الحاضر المليء بالصخب، وضجيج أحلام طفولةٍ تناثر بناؤها لتبقى حبيسة جدران بيوت قرية السلع بطينها الذي تبلّلت زواياه بعبق تاريخٍ تأصلت جذوره في قلب ذاكرة أبناء القرية، للمكان جاذبيته الخاصة وسحره المتميز، ورغم تعاقب الأيام والسنين على هذه القرية التي تبعد عن مدينة الطفيلة مسافة (١٥) كم، إلاّ أنّ أهلها ظلّوا يردّدون في المجالس
وما حب الديار سكن قلبي ولكن حب
من سكن الديارا

ويرى الاكاديمي في جامعة الطفيلة التقنية. د. احمد القرارعة ان لا مكانَ في الحياةِ، بالنِّسبةِ للإنسان، أجملُ وأبهى من المكان الذي ولد فيه وترعرع، وتفيأَ ظلالَه وارتوى من فراتِ مائِهِ
كمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلفهُ الفتى وحنينهُ أبداً لأوّلِ مَنزلِ
ويرددون ما يدور في خلدهم من صور مختزلة عن روعة وجمال العيش في تلك الحقبة من الزمن بين أروقة هذه القرية، وكيف تملأ البساطة مكان وزمان قاطنيها.
تم إنشاء القرية سنة 1920 تقريبا، وعادة ما يتم انشاء القرى حول ينابيع المياه، والقرية بنيت قرب ينابيع مياه “الدليبة” وهي الأقرب للبلد والاسهل مكانا، وهي الأكثر ورودا لجلب الماء او سقاية المواشي، و”القرين” وهو شلال من المياه يقوى ويضعف حسب كمية الامطار، وينابيع صغيرة يسمى الواحد منها العاصي ولا اعرف سبب تسميها بالعاصي، واذا كان نهر العاصي في لبنان يجري بعكس باقي انهار لبنان الا أن عواصي السلع تجري كما الينابيع الكبيرة ، وجميع هذه الينابيع من مصدر واحد كما يعتقد، وهي ينابيع تروي البساتين، ويتم توزيع المياه ضمن دور وجدول محدد بعدد ساعات وحسب مساحة الأرض، وتبعد هذه الينابيع حوالي 300 م عن البيوت، وعادة ما تلقى مهمة نقل المياه على الأولاد او النساء بواسطة براميل ” جراكن” وهي معدنية، او الروايا وتصنع من الجلود سعة الواحد منها حوالي 20 لتر توضع على ظهر البهيمة، واما النساء فينقلن الماء على رؤوسهن بأنواني حديدية “تنكة”، ويطلق على من يحضر الماء الوراد ، وقد ذكر الشاعر عمرو بن كلثوم أحد شعراء المعلقات
ونشرب ان وردنا الماء صفوا.. ويشرب غيرنا كدرا وطينا
ونحمد الله ان الكل كان يشربه صافيا زلالا خالصا

يعتقد ان اول من بنى دارا في القرية هو سليمان العوابدة، ثم توالى العمران بها من القادمين من صنفحة، وهي بشوارعها وأزقتها بسيطة، تتراص بيوتها بجوار بعضها كما الأحباب ؛ ذلك أن رحابة النفوس وظروف الحياة جمعت الأسرة والأسرتين والثلاث مع أمتعتهم وأنعامهم ولم تضيق بها مساحة المكان ؛ لتزداد مع حميمية أهلها في وقت الربيع بهاءً وتلتحف الضباب شتاءً،

بنيت بيوت القرية من التراب الذي يخلط بالتبن ليصبح طينا ومن حجر واخشاب وقصب يؤتى بها بعد جهد ومشقة من الوعر وهي مناطق وعرة تحيط بالقرية من الجهة الغربية،

وتحمل البيوت عقود (قناطر) حجرية قطعتها أيدي الرجال، وشذبتها معاول الحرفيين ( المعدلين) ، بمثابة الاعمدة التي تثبت البناء، ومساحة البيوت مختلفة وحسب الوضع الاجتماعي والاقتصادي لصاحب البيت، فهناك الدار الكبيرة ” الدار ام طاقة” التي تضم العديد من المرافق مثل : المصاطب التي تعتبر غرف النوم للعائلات العديدة التي تسكن الدار، وقد تتفرع الدار الى دور فرعية : دار جوانية” القطع” لتخزين التبن،

وتضم الدار كواير ” مخازن طينية” لتخزين الحبوب وتعلق على جدرانها جلود طرية بداخلها القطين ، او قشر البندورة، او الزبيب ، وهذا لضمان الامن الغذائي في الشتاء، ويبلغ عرض حائط البيت نصف متر وفي أحيان كثيرة يصل العرض الى متر او اكثر منعا لسرقة المحاصيل من حبوب وسمن ولبن وزيت، وهذا يكسب البيت قدرة على التكيف مع الجو صيفا وشتاء،

ويكون على أبواب البيوت قطع خشبية ثقيلة من خشب اللزاب “العرعر” تكبح كل سارق، ولا تستجيب إلا لمن حمل مفتاحاً غليظاً ثقيلا ينوء به العصبة يوضع في فتحة الغال ليتحرك حركات تصل الى خمس او ست حركات،

ولذلك قد يلجأ السارق لحفر الحائط بدلا من محاولة فتح هذا الحصن، والمنازل بسيطة، وقد يشاركهم فيها البهائم خوفا عليها من السرقة، وأثاثهم بسيط، يتوزعون فيها بلا ضيق، يتحلقون حول جورة “حفرة” توقد بها النار بشرط ان يقابلها فتحة في السقف لخروج الدخان،

ولك ان تتصور سحابة الدخان الصاعدة والتي تعمي الابصار وتدمع الاعين، فاذا ما شكى احدهم من هذه السحابة يقال له تشجيعا وتثبيتا :ان الدخنة تأتي على الزين، وعندها يثبت هذا البطل متحملا هذه المشقة باعتباره زينا ، ويخزن الحطب في إحدى زوايا الدار، والمكون من اللزاب، والرتم

وعادة ما يكون الفناء مساحة تطل عليها مجموعة من البيوت يسمى الحوش، وهو مكان للجلوس وتبادل الاحاديث ولهو الأطفال، في هذه البيوت لاتوجد خصوصية ولا أسرار ،

فأهل القرية يعرفون كل حدث فيها من مولد طفل يتسابقون لتسميته، أو ضياع شاة لأحدهم وتأتي التكهنات أن اكلها الوحش، أوسرقت، أو وقعت، ويبادر احدهم من قبيل تخفيف المصاب : ما فيها نصيب ، ويرد آخر المال الحلال ما بضيع، وما بين النصيب والمال الحلال يبقى صاحبها يقلب كفيه ويشكو بثه وحزنه الى الله.

القرية الوادعة تنام بعد صلاة العشاء مباشرة الا من سهرات خفيفة ، ويَعُمُّ الهدوء والسكينة الا من حارس يصفر بصفارته، ويرفع كرته الأحمر لكل مريب او غريب. للحديث بقية

وتناول اهل الاختصاص النص بالتحليل. وبالتحاور والتعىيق، اذ
وصفها رئيس مؤسسة اعمار الطفيلة د. غازي المرايات بالمقاله الادبيه وانها رائعه من الروائع
تضعك في أجواء حياة
أيام زمان بكل تفاصيلها
التي عشناها بحلوها ومرها…

وقال ان للسلع القريه الوادعه.. الجميله و لأهلها اجمل التحايا. وهي تقف شامخة قبالة القلعة التاريخية التي شيدها الانباط.

وعد الشاعر ايمن الرواشده، المقاله انها شاهدة على التاريخ.. وتأريخاً للمواقف والأحداث.. وتوصيفاً دقيقاً للحياة وتبسيطاً جميلاً للمكان وتخليداً للزمان.. وتأصيلاً للإنسانية.. وتزييناً لحقائق الأمس ..
المقالة تأخذك بعيداً إلى عوالم الأنفة والحب واللُّحمة العائلية.
وتنزع منك الرضا انتزاعاً.. وتدفعك للابتسام
.
واكد اعادة الكاتب للناس جماليات الماضي وعراقة الأمس وصلابة العلاقات.. وغمزتَ الحاضر البرّاق الذي يهتم بالقشور.

وزاد الشاعر خليل الخوالده في الثناء على الكاتب وقال سلمت اناملك التي عزفت على أوتار قلوبنا التي تحنو إلى البساطة والألفة والمحبة التي عاشها أهلنا فهاجت عليها رياح صخيب التقدم والتعلق بالتقنيات فجعلتها هشيما تذروه رياح النسيان فترى المخلصين من أبناء هذا الوطن يلتقطونه فيبحثون فيه عن باقي بذور الطيبة ليتم غرسها في جبال الوجدان السامقة ووهاد النفس الميالة للدعة وحب الذات والتعلق بقشور الحضارة الداعية إلى قطيعة الارحام….

وقال ان النص خصَّ السلع لكن الصورة ذاتها تتكرر في كل قرى هذا الوطن الحبيب العامر بالخير وحبه….
بورك الكاتب والناشر.. واسعد الله صباحكم بكل خير أيها الشاهدون على أن تراب هذا الوطن بدا بسيطا اصيلا وسيبقى اصيلا معطاء….

كما اثنى في السياق الشاعر محمد الشروش على الكاتب د. القرارعة،وقال انه أبدع على هذه الإطلالات الجميلة ، وانت تعيد للذاكرة إنسان هذا المكان المليء بكل آماله وأحلامه وطيبته والنقاء الذي جُبِل عليه ، وهذه المودّة الصادقة والألفة والانسجام.

وفي ظلال قراءة النص عن السلع. رات فيه القاصة مريم عنانزه، تحليل عميق وعتيق… يبين فترة انتقالية، وإطلالة مشرقة تفوز فيها بحسن اقتضابك للحرف… نرتشف من خلالها رحيقا لهذه الأبجدية الناطقة باسمك…

وقالت انها أيام مضت بكل فاصيلها؛ تداعب همسات الأمس من كل جانب، فنلمح الب ساطة والمحبة التي لطالما رفرفت بحسن خلقها وجمال سلوكها…كالمطر حرفك روى وأزهر شوقا ووردا…طاب مساؤكم بكل الخير…

اما التربوي محمد التميمي فقال انها مقاله عن السلع متفردة بالمعاني والصور البلاغية وان الكاتب مبدع حد الإتقان

مقالة وحلقة بديعة رآها الشاعر محمد العجارمه. تصور المكان بأبهى ما يكون وذلك بتوطيد العلاقة بين الإنسان الحديث ومسقط الرأس ونسج تلك الحميمية للمكان الأول حيث بساطة الأشياء ورقتها وما تحمله من هناء العيش بعيداً عن فوضى المدنية وروتينها الممل دام هذا السرد البديع والشيق والجميل

اما الشاعرة نبيلة القطاطشه فقالت لا شك بأن اللغة تلعب دورا كبيرا في ترجمة انتماء الكاتب للمكان وإبراز الجماليات ، ما دامت علاقته باللغة والمكان تبدأ بالانتماء وتنتهي بالتقديس ،

وقالت ان المشهد ظهر هنا حيا بكل تفاصيله ناطقا ومتحركا
من هنا تأخذ اللغة دورها الجمالي في إبراز الرؤية الفنية لتفاصيل المكان والزمان والإنسان ، لهذا تعتبر مثل هذه النصوص ميراثا أدبيا يستعين به علماء الانثروبولوجيا عند دراسة علاقة الإنسان ببيئته وثقافته التي تنقل المشهد بدقة ألوانه وخطوطه بفنية قادرة على إثارة مزاج القارىء وإرضاء قريحته والتعاطف مع شغفه بالمكان

ووصفه التقابي المهندس علي المصري بالمقال الرائع وقد استمتعت بهذا السرد الجميل واللغة السلسة البسيطة وكنت أتوقع بأن تاريخ هذه القرية أبعد بكثير من عام ١٩٢٠ خاصة وأن القرية الوديعة تقع قرب آثار السلع التي بُنيت قبل ما يزيد عن ألف عام قبل الميلاد.

الى ذلك قال البرلماني الاردني والاكاديمي د. راتب السعود كتبت فأجدت، ووصفت فأوضحت، وكأني بك تكتب عن عيمة، وتعرج على مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، فيهما.

وىفت الى زيارته سابقا للسلع ضمن فريق رياضي ونحن طلبة في المرحلة الإعدادية، والشكر لك اخي د احمد على توثيق هذا الجزء من الحياة الأردنية لهذا الجزء من وطننا الغالي، والشكر لأهل السلع الذين أعادوا لها الحياة بإعمارها وتحويل اجزاء منها الى معالم سياحية

واثنى د. صقر الصقور على الكاتب. وقال انه ابدع. واجاد الوصف .. لتاريخ ماثل امامنا .. تظنه الاجيال الحاضرة ضربا من الغوص بما قبل التاريخ ..

كما جاء في تعليق د. عاطف العيايدة شاعر الملتقى ان النص يعد سرد أدبي رفيع المستوى، يعبر عن الارتباط الروحي بالمكان اللابث فينا.
.
ووصف الكاتب، شاعر الملتقى بكر المزايده، انه ابدع في نسج هذه اللوحة الجميلة عن السلع بلغة سردية رائعة ومتتالية الأحداث متعانقة الوصف طيبة الألفاظ، والتي نسجتها بخيوط من الود والوجد والعبق. وستبقى السلع إكليلاً على جبهة التاريخ ك بصيرا وعيما وكثير من هذه الأماكن التي تزين سفوح ووديان الطفيلة

والحديث عن المكان، يراه مدير الثقافة في الطفيلة. د. سالم الفقير، يحمل بين طياته الكثير من الجمال، والكثير من الألم، والكثير من الفرح..! لكن الأجمل من ذلك هو أنسنة المكان.. هنا يظهر المكان بصورة مختلفة تماما.

ويراه رئيس جامعة الطفيلة التقنية. د. محمد الحوراني، نقل صورة حية عن مراتع الصبا و اعاد الى اذهاننا القرى الاردنية القديمة، حياة بسيطة و لكنها عامرة بالمحبة و الكرم و المروءة و الشهامة و سبحان الله قد تتغير التقنيات و لكن أصولها العلمية واحدة

واشلر الى ان اضافة التبن الى الطين الذي يقوم مقام الحديد في الأسمنت المسلح كان لافتا .

لويستذكر الرئيس الحوراني ان الحياة لم تكن رحبة عليهم و لكنهم كانوا شاكرين حامدين لله عز وجل و لم يعانوا من أمراض العصر الحاضر.

ما أن بدأتُ الروائية ايمان الكريميين بالقراءة ختى احست وگأنها تجلس على مسطبة البيت العتيق وبجوار جدتها وهي تصف لها بحب منزلها من البوابة إلى الكوة مشهد قديم بذاكرتنا

وقالت ان النص جاء لاحياء المشهد فيها. لتعيش معه هذه السطور حالة من التجانس الحسي، تشتم خلالها روائح الطوابين والتراب والمطر

واشارت لما في النص من دقة في الوصف حولت البيوت البسيطة الصغيرة في هذه السطور الى مساحات كبيرة من الالفة واللحمة والتواد بين أفراد العائلة

وقالت ان النص جمع قرية نائية ببيوت صغيرة متجاورة لترسم لنا لوحة فنية وگأنها لوحة فرت من أحد معارض الفن الباذخة
ما أجمله من وصف.

وصف جمالي بديع يراد د. خليل الرفوع استاذ الادب العربي في حامعة مؤته، للدور العتيقة، اذ اشار الى ان العرب قبل الإسلام كانوا يقسّمون إلى أهل وبر ( سكان الخيم) وأهل مَدَر ( من يسكن الدور الطينية).
لغة د. أحمد تجعل القارئ يشارك في التخيّل، وقد زرت القرية في نهاية التسعينيات وكان لها بهاء يشرح الصدر،

ولفت الى حاجتنا إلى معرفة تراثنا بما فيه من تاريخ ومصطلحات وأدوات… ، فلقد كان أهلنا يعيشون في بيئات قاسية، لكنهم استجابوا لتحدي الطبيعة،

وبين ان ما كتبه د. أحمد إطلالة أدبية موضوعية، نتمنى مزيدا من التألق الوصفي لحياة كانت تعج بالخير والبركة والفقر والرجولة.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى