شذرات عجلونية (31)

الدكتور: علي منعم القضاة

القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سويا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.

يا هلا بالضيف ضيف الله                   ع حساب الروح إي والله

ما بنرضى تروح من عنا                   ما بنرضى تروح لا والله

كلمات لم تعد صاحبتها تظهر على الشاشات ولربما، لا يعرف جيل الواواه معانيها، كانت أغانينا، نحن جيل منتصف القرن الماضي لها معانٍ نبيلة، وكلماتها مباشرة واضحة، كما كان الأردن، وما يزال مضيافاً لمن يقصده من جيرانه، أو ممن ضاقت عليهم أرضهم بما رَحُبَتْ، بسبب ظلم حكوماتهم وحكامهم.

وهل يضير الأردن استقبال هذا العدد من اللاجئين (2500)، وهو البلد الذي يحوي أكبر عدد من اللاجئين في العالم مقارنة مع عدد سكانه؛ فالأردن الحديث منذ يوم مولده قبل مئة عام، وهو مأوى اللاجئين الفارين من الظلم والقهر في بلادهم، سواء أكان من ويلات بني قومهم أم من أمريكا، أم من إيران، أم من الكيان الصهيوني.

وما يضيرنا نحن الشعب الأردني باندماج العالم كله في مجتمعنا دون المساس بكياننا؛ حتى لو كان لهم (كوتا) خاصة بهم، إن نرى كيف وصل المهاجرون إلى أكثر الدول المتحضرة، فاكتسبوا المواطنة حتى وصل بعضهم إلى مرتبة وزير، أو نائب، أو سناتور، لا بل إن باراك حسين أوباما، من أب مسلم، هاجر إلى أمريكا، فكان له رئاسة أكبر قوة ظلامية في العالم.

إذن؛ فما يضيرنا لو كان الأمر يتجه اتجاهاً طبيعياً، وأصبح لهم نائباً في البرلمان، وهل يصنع برلماننا المعجزات!!؟؟؛ جميعنا يعلم أن برلماننا لم يستطع أن يتدخل في قانون الانتخاب، ولا قانون الأحزاب، وشُكلت لجنة من خارج مجلس النواب لصياغة هذه القوانين؛ فهل يملك النواب من أمرهم شيئاً؟!.

 حَزَنٌ وَشَجَنٌ

مما يثير في النفس الشجن، ويزيد في القلب الحَزَنْ، أن معظم المعلقين على موضوع استقبال الأردن (2500) أفغاني، ستدخلهم أمريكا إلى الأردن، لفترة لن تقل عن (24) شهراً؛ هذا في حال تمت الموافقة على دخولهم إلى أراضيها. ما يثير الحزن بل الشفقة، أن معظم المعلقين، كان همهم، الأكبر في السخرية، أو تناول الموضوع بطريقة كوميدية، من الصور القلمية والحقيقية الفكاهية، التي تناثرت على صفحات منصات التواصل الاجتماعي؛ مثل نشر صورة مطعم أفغاني، أو مغني أفغاني، أو أردني بلباس أفغاني، أو محل نوفوتية يبيع السروال الأفغاني، أو من ينتظرون على الحدود أيضاً اللجوء اللبناني؛ أو من يطالبون بـ(كوتا) للأفغان في البرلمان، أو، أو، أو…. ليت مطعماً أفغانياً يكون، فالمطبخ الأفغاني من المطابخ الجيدة، وستصبح لدينا تشكيلة جديدة لطعام لذيذ، ليتنا نسمع لحنا حقيقياً؛ فتكتمل المعزوفة عندنا، وفسيفساء الطرب، ليت اللباس الأفغاني ينتشر فهو مريح جداً وعملي، ولا عزاء للذين سال لعابهم على خبر اللجوء اللبناني، لن يكون، ونسأل الله أن يحفظ لبنان وأهلها من شر إيران وأتباعها.

تفكير بصوت مقروء، ليس أكثر

ما يحزنني أيّها الكرام أنني لم أشاهد صورة تتحدث عن جوهر الأمر، ولم أرَ رسماً يصور القادمين الجُدَدْ على حقيقتهم، إنّهم ليسوا أكثر من قنابل موقوتة، تُزرع في أرض الأردن الآمنة، لسنوات وليس لأشهر قليلة، ليتني، – وليت في اللغة العربية تفيد التمني مع عدم الحصول- قرأت مقالة تحذر من هذا الخطر القادم من الشرق، حفنة من العملاء، عَجْلَتْ أمريكا بإجلاء هؤلاء من بلادهم بكل خياناتهم وتواطئهم مع الغرب عامة، وأمريكا خاصة.

طالبان ومنذ أن تولت زمام الأمور في بلادها، أعلنت عفواً عاماً عن الشعب كافة، لا بل إن تصريحاتهم -إن صدقت- أنه سيكون من بين أعضاء الحكومات السابقة، أعضاءً في حكومتهم القادمة، ولغاية الآن ليس في تصرفاتها ما يريب، فقد قامت بحراسة جميع البعثات الدبلوماسية في كابل، وسمحت للقوات الأجنبية بالمغادرة حتى نهاية شهر آب (أغسطس) (2021)، فلماذا تسارع أمريكا بإخراجهم؟!، وهل كان حباً بهم، أم لإيجاد الخوف والقلق والتوتر والشقاق والقتل بين الحكومة الجديدة والشعب.

لا للخونة والعملاء في بلادنا

هؤلاء العملاء وقفوا مع الشيطان الأكبر أمريكا منذ عشرين عاماً، ضد بلادهم وأرضهم وشعبهم ودينهم؛ وهم يعلمون بأن أمريكا ستخرج من بلادهم ذليلة مهما طال الزمان أو قصر، وهم سيخرجون معهم أذلاء لا مأوى لهم سوى الخوف والقهر. وكما كان الأمس كان اليوم، فاليو خرجت أمريكا، وبالأمس خرج الاتحاد السوفيتي مدحوراً مذموماً مخزياً، وأتباعه من حكومات وشعوب؛ أمريكا تعلم علم اليقين أن الشعب الأفغاني، لن يقبل بالخونة بين صفوفه، وأن أفغانستان عصية على الاحتلال.

وهذه الحفنة من المخلوقات خانت دينها وشعبها وبلدها، كي تكون من العملاء الذين يعملون لصالح أمريكا، فما الذي يمنع هذه الحفنة من المخلوقات التي خانت دينها وشعبها وبلدها، أن تكون قنابل موقوتة في الأردن، الذي عانى منذ عقود من الزمان؛ كثيراً من بعض ما يجري في أفغانستان وإلى الآن، وهنا نقول: من الذي سيمنع هؤلاء من أن يعيثوا فساداً، حتى بدعم من أمريكا نفسها التي تتكفل بهم، كُلُ هؤلاء، أو جُلهم يجيدون اللغة العربية، ويمكن لهم أن يندسوا بين الناس بسهولة، ويكونوا أداة هدم في جسم المجتمع الأردني -لا سمح الله-.

ولتعلموا يا معشر القراء أن من يخون بلده لن يخلص لغيرها، لا بل سيكون على استعداد فوري لمواصلة الخيانة، تخيلوا معي فقط أن أمريكا قررت أن تستبقيهم في الأردن، رغم أنف الحكومة الأردنية؛ وأقصد ما أقول؛ لأن الاتفاقية مع أمريكا تعطيها الحق أن تحضر إلى الأردن من تريد من المرتزقة، والعدد الذي تريد، وقتما تريد، ولذلك فإن (2500) خائن وعميل، لن يكون أمراً سهلاً لأنهم ليسوا سجناء، بل مرتزقة أمريكان، ومدربون أفضل تدريب على أحدث تقنيات التجسس.

لو كانت حكومتنا تملك أمر بقاء هؤلاء، أو إخراجهم، لما عجزت الحكومة ولا الشعب عن استضافتهم؛ لكن المسألة متعلقة بالأمريكان، وبالعملاء الذين هم الخطر الحقيقي على الأوطان.

أمريكا تتخلى عن عملائها؛ فهل من مُدَكِرْ؟!

تعيد الطريقة السريعة والكيفية التي تخلت بها أمريكا عن حلفائها للأذهان تاريخها الأسود، في تعاملها مع أذنابها في كل بقاع الأرض، ولا يعدُ تخليها عن نظام أشرف غني، الرئيس الهارب، شيئا غريباً ولا بِدْعَاً من التصرفات؛ فتجارب التدخلات الخارجية الأميركية السابقة، في معظم الدول التي حاربت فيها، أو استخدمت فيها عملاء على بني جلدتهم، كلها كانت عواقبها وخيمة على العملاء الذين لم يعدُ التاريخ يذكرهم.

فلم تجفُل عين أمريكا في السابق أبداً من إدارة ظهرها لحلفائها، عندما تخسر المعركة، أو تفقد الأمل بالنصر، كما في حالة أفغانستان، وهذه الحالة تذكرنا بتاريخ أمريكا حين تخلت عن المعارضين الكوبيين في غزو خليج الخنازيرعام (1961)، وعن الفيتناميين الجنوبيين والأكراد العراقيين في منتصف السبعينات، كما تخلت عن أكبر حليف لها في الشرق؛ ألا وهو شاه إيران عام (1979)، واستبدلته بعملاء جُدَدْ (نظام الملالي)، الذي أصبح ينفذ لها مخططاتها الشيطانية أكثر مما كان الشاه نفسه يفعل.

الدكتور: علي منعم القضاة

أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى