قصص إنسانية ناجحة رغم الإعاقة

                                         نشوة زايد – غزة

كثيرون يصنفون ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة، بعضهم أتى لهذا العالم فاقدا إحدى حواسه أو أطرافه، وآخرون سلبت منهم الحياة بعض ما منحتهم إياه.

يقال إن العقل السليم في الجسم السليم، و لكن قراءة حياة بعض نجاحات الأشخاص رغم إعاقتهم قد تخالف هذه المقولة، فالكثير منهم لم يكونوا بأجساد معافاة تمامًا والكثير منهم أيضا كانوا مكفوفي الأعين أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أجل، إنهم عظماء.

 

ماجدة أبو ركبة

قصة الحكيمة ماجدة أبو ركبة من شمال قطاع غزة بدأت منذ كانت في الشهر السادس من عمرها حيث أصيبت بشللٍ في قدمها اليمنى نتيجة ارتفاع حادٍ في درجة حرارتها،تلقت على إثرها سلسلة فرصٍ علاجية في الداخل والخارج دون تحسنٍ ملحوظ في حالتها.

أكملت ماجدة مسيرة حياتها تكابد وتقاسي المجتمع الذي تعيشه، تحدت بعزيمتها كل الظروف المحيطة، حيث سافرت مع أسرتها إلى السعودية في العاشرة من عمرها؛ لتكمل دراستها وتحصل هناك على شهادة الثانوية العامة ثم تغادر إلى العاصمة المصرية القاهرة وتتخرج من كلية العلوم بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف وتعود إلى عائلتها حاملة نتاج أعوام دراسية قضتها بهمةٍ تناطح جبال اليأس، وعزيمةٍ لم تخبو، فتبدأ فور تخرجها برحلة العمل في مختبرات مستشفى السلام بجدة مدة ثلاثة أعوام  لُقبت من فرط نشاطها ” بالجوكر”.

تُعقّب ماجدة عن تلك السنوات بقولها:” عشت حياةً طبيعيةً لم أجعل من الإعاقة حاجزا في طريقي أو سببا في تغيير نفسيتي الطموحة نحو العطاء”.

وفي عام 1989 جاءت ماجدة مع أهلها بزيارة لقطاع غزة فتزوجت من ابن عمها واستقرت بمعسكر جباليا تاركة عملها التي حققت به شهادات عليا من الخبرة والتميز وتشرع في رحلة جديدة  مع الحياة ممزوجة بالمعاناة والألم.

كان حلم ماجدة كباقي الفتيات المتزوجات، ذرية صالحة زينة لقلبها في الدنيا وسبيلا لجنة عرضها السموات والأرض ، فرزقت بثلاثة أبناء، ولد وبنتان رغم معاناتها الجسدية والحركية.

تتابع: ” لقد مررت بظروف اقتصادية قاسية، حاولت جاهدة أن أحصل على فرصة عمل أقتات بها طعام أبنائي وأوفر لهم مستلزماتهم، فخرجت وعيناي تكاد تذوب من الدمع أجر قدمي باحثةً في الجمعيات الخاصة بذوي الإعاقة أياما وليالٍ حتى جاء فرج الله ”

وعلى مدار عشرين عاما من زواجها استطاعت ماجدة وحدها بناء أسرة متماسكة وحرصت على تعليم أبنائها الدرجة الجامعية، حيث تخرج الشاب من تخصص الأجهزة الطبية والفتاتان إحداهن كلية التمريض والأخرى قسم التحاليل الطبية.

 

أسيل الحاج احمد

لم يعق أسيل الحاج أحمد فقدان البصر عن المثابرة والتميز طيلة دراستها، فدوما تحصد الدرجات العليا ولا تيأس من الدراسة والمتابعة متناسيه تماما أنها من ذوي الاحتياجات الخاصة .

الكفيفة المتفوقة أسيل الحاج أحمد حصلت على معدل 92.8% في الثانوية العامة لعام 2020م ، رغم توقعها الذي لم تخبر به أحداً بأنها ستحصل على معدل متفوق بل وفي مقدمة أوائل القطاع، إلا أنها رضيت بالنتيجة التي صدحت به أغاني الفرح والابتهاج في بيتها المتواضع.

أسيل التي تلعثمت كلماتها المبتهجة بالفرحة التي أبكت والديها وأشعلت طبول الفرحة والزغاريد أمام باب بيتها، واعتلت أغاني النجاح حتى اخترقت سقف البيت المسقوف بالزينقو.

“أسيل” تسكن مخيم جباليا ولديها الكثير من المواهب منها الصوت الجميل، ومع ذلك كانت توازي بين مواهبها ودراستها.

بقيت تتلقى تعليمها المدرسي مدة أحد عشر عاما في مدرسة النور للمكفوفين، وفي سنتها الأخيرة درست في مدرسة “شادية أبو غزالة” وهنا بدأت الصعوبات، والحديث لأسيل.

في البداية تصف لحظة تلقيها خبر نتيجتها بأنه “أحلى فرحة” رغم توقعها أن تحصد 95%، مبينة أن الساعات التي سبقت النتيجة كانت قلقة ولم تنم ليلتها، لكن بعد ذلك انتابتها فرحة كبيرة خاصة حين لامست الفرحة قلوب جميع محبيها.

تقول: “واجهت صعوبة كبيرة حين انتقلت إلى مدرسة عادية (..) في الفصل فكانت زميلاتي يكتبن ما تمليه المعلمة علينا وعند عودتي للبيت أكتبه فأهدر وقتا كان من المفترض أستغله في الدراسة”.

وتابعت: ما أكتبه أحوله إلى كتابة بريل “الخاصة بالمكفوفين”، وبعدها أبدأ بمراجعة الدراسة وحفظها وفي حال كان هناك امتحان أسارع وأقدمه”.

 

محمد مهاني

الإصرار والتحدي والقوة والإيمان بالذات ميزات أوصلت الطالب الكفيف محمد مهاني لأن يكون الأول على فئة المكفوفين، فقد حصل على معدل نسبته 96.7% من مدرسة الكرمل الثانوية للبنين، في تفوق غير مألوف ولا يعهده المتعافون في عمره من الأساس.

يقول المتفوق مهاني :”الإصرار سبب تفوقي فلم أقبل أن أكون أقل من أي طالب، وصممت على تحقيق ما أطمح به بطريقتي الخاصة”، متابعا :”أنا رياضي وأمارس العديد من الألعاب منها الكاراتيه والجودو، ولدي موهبة العزف على العود ، وغيرها من المواهب التي صممت على ممارستها لتحقيق ذاتي”.

تفوق مهاني لم ينحصر على المواد الدراسية والعلمية وحيازة الأحزمة الرياضية المتقدمة، بل أصر على حفظ كتاب الله تعالى في مدة قصيرة، وقد حصل له ذلك بفضل إصراره ودعم أساتذته وعائلته.

إبراهيم ارحيم

في لحظةٍ ما.. عندما يؤمن المرء إيمانًا كاملًا بنفسه، حينها يستطيع أن يُطوّع التحديات والصعوبات التي تعترضه لأجل أهدافه، كيف لو كان ما يواجهه “إعاقة” رافقته منذ الطفولة؟ وقتها “تُصبح معجزة إذا ما اقترنت بإرادة صلبة”.

إبراهيم إرحيم (33 عامًا) شاب فلسطيني من قطاع غزة يُعاني من إعاقة حركية منذ طفولته، لكنّ ذلك لم يدفعه للاستسلام للصورة النمطية عن ذوي الاحتياجات الخاصة، ولم يسمح بوضعه ضمن قالبٍ معين معد مسبقًا لهذه الفئة، حيث نجح بأن يكون له اسمًا لامعًا في سوق العمل من خلال افتتاح ورشة للحفر على الخشب (CNC).

في ورشته الصغيرة بمدينة غزة، تجد تحفًا ونثريات خشبية فنيّة فائقة الإتقان والجمال، فهنا يعمل “إبراهيم” إلى جانب صديقه عصام الشوا (يُعاني من إعاقة حركية أيضًا) لساعاتٍ طويلة، دون مللٍ يُطوعان الخشب لما يُدور في أذهانهما من أفكار ليخرج أخيرًا بأشكال تسّر الناظر إليها وتُذهله.

فبعد إنتهاء “إبراهيم” و”عصام” من الجامعة وحصولهما على شهادة البكالوريوس بتخصصين مختلفين، قررا الاتجاه نتجه إلى سوق ‏العمل الحرفي، خاصة في ظل انعدام الفرص الوظيفية في غزة، فكان مشروع الحفر على الخشب عن طريق التصميم الإلكتروني.

يضيف: “لم نكن نملك رأس المال، سعينا لأجل تبني الفكرة من إحدى المؤسسات التي ترعى المشاريع الشبابية الصغيرة، وبالفعل قدمنا فكرتنا، وفي البداية استبعدت المؤسسة نجاحنا كوننا من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن فيما بعد دُهش الجميع من أدائنا”.

 

سمية خلف

لم ترضخ سمية خلف (24 عاماً) لآلامها ولم تضع يداً على يد تنتظر من يعينها في حياتها بل تقدمت نحو الأمام كاسرةً قيود إعاقتها البصرية الجزئية التي أصيبت بها منذ ولادتها بسبب أمراض وراثية نتجت عن زواج الأقارب، وها هي الآن تعمل مقدمة برامج إذاعية توصل صوتها لمن أوثق بابه أمام وصده أمام إبداعات “ذوي الاحتياجات الخاصة”.

 

“سمية” تخرجت من قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية، بدأت عملها في إذاعة فرسان الإرادة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة منذ 4 سنوات، حيث أعلنت الإذاعة عن حاجتها لموظفين فتقدمت لاختبار ونجحت فيه لتعمل في قسم الإدارة.

 

تقول خلف :” لم تكن إعاقتي يوماً سبباً في ثنيي عن طريقي ومستقبلي، ولم أجعل منها عائقاً نحو التقدم في حياتي بل درست وتخرجت من الجامعة والآن أعمل في هذه الإذاعة التي فتحت أيديها لكل ذوي الاحتياجات الخاصة”.

 

وأضافت خلف، أنها تمكنت من تخطي كافة المشكلات التي تعرضت لها بسبب إعاقتها وتخرجت من الجامعة ثم التحقت بالعمل في الإذاعة، مشيرةً إلى أنها عملت في البداية في قسم الإدارة والسكرتارية، ولكن رغبتها وحبها في المجال الإعلامي وتميزها مكنها من العمل في قسم إعداد البرامج.

 

 

 

يشار، إلى أن أكثر من 35.800 ألف معاق في قطاع غزة والعدد يتضاعف، اختلفت أسباب إعاقتهم، من بينهم 33% منهم مصابون بإعاقات حركية، و18-20% إعاقة بصرية، بالإضافة إلى إعاقات التخلف العقلي، والنطق، والنوبات، والسلوك الغريب، وبطئ النمو، والتشوهات.

 

كما أن قانون المعاقين الفلسطيني رقم 4 للعام 1999 ينص على حق المعوقين في التشغيل وإيجاد فرص العمل والتدريب، ومنحهم كامل حقوقهم المدنية والاجتماعية، بالإضافة إلى تخصيص 5% من بين الوظائف لصالح المعاقين.

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى