التهديد باغتيال قادة حماس بالخارج انفلات إسرائيلي خطير !

مهدي مبارك عبدالله
في خطوة جديدة ومتقدمة تكشف حجم الانفلات الأمني والسياسي داخل تل أبيب أعلنت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا من خلال الكابينيت المصغر وبعد فشل مفاوضات تبادل الأسرى وعجز الموساد عن القيام بالمهمة تكليف جهاز الشاباك بتأسيس وحدة خاصة لمطاردة واغتيال قادة حركة حماس في الخارج في تكرار لتجربة الوحدة 504 سيئة السمعة التي نفذت سلسلة اغتيالات في لبنان خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وعبر سياسة عدوانية متجددة تتجاوز حدود القانون الدولي وتعد تصعيدًا خطيرًا قد يوسع دائرة الحرب ويهدد الاستقرار الإقليمي والدولي وبما يؤكد إن قرارات حكومة نتنياهو لا تعبر عن رؤية استراتيجية بل عن حالة تخبط سياسية وعسكرية متواصلة
التهديد الإسرائيلي باغتيال قادة حماس في دول مثل لبنان وقطر وتركيا وأوروبا لا يقتصر على تنفيذ العمليات الأمنية فقط بل يعكس حالة انفلات أمني وسياسي غير مسبوق حيث تمارس إسرائيل اسلوب العصابات المافيوية وهي تتجاهل حرمة وسيادة الدول والقانون الدولي وهي تسير في مغامرة دموية غير محسوبة النتائج
تنفيذ اغتيالات اسرائيلية في الخارج قد يجر المنطقة إلى نزاعات مفتوحة ويعرض تل أبيب لمواجهات مع دول ذات سيادة كما يزيد من احتمالات ردود فعل عنيفة وانتقامية قد تؤدي إلى تصعيد عسكري إقليمي يجر المنطقة الى توسيع رقعة النزاع وان سياسة الاغتيالات الاخيرة تأتي في ظل إخفاقات حكومة اسرائيلية تعمل بلا استراتيجية وجيش عاجز عن تحقيق أهدافه المعلنة ما يعكس تخبطً متراكم في إدارة الأزمة وتحول خطيرً نحو سياسات انتقامية عابرة للحدود بعيدا عن الرؤية الواضحة أو الأفق السياسي السليم
قرار العودة الى هذه الممارسات العدوانية والاجرامية يشكل فضيحة سياسية وأخلاقية تكرس صورة إسرائيل كدولة خارجة عن القانون وتهدد العلاقات الدبلوماسية مع الدول الاخرى مما يضع تلك الدول في مأزق أخلاقي وأمني يزيد في تعقيد المشهد السياسي الإقليمي مع التذكير بان اسرائيل لطالما تغنت بديمقراطيتها المزعومة واحترامها للقوانين الدولية فهي تدفع الآن باتجاه عسكرة السياسة الخارجية وتحويل العالم إلى ساحة صيد مفتوحة متجاهلة القوانين والأعراف الدبلوماسية ومستعدة لتوسيع ساحة الصراع في مغامرات دموية ذات عواقب كارثية مدمرة
بعد تصاعد الخطوات الإسرائيلية واعلان الرغبة بالقيام باستهداف قادة حركة حماس في الخارج ارتفع منسوب القلق الدولي خاصة وان التنفيذ المحتمل لهذه العمليات في دول ذات سيادة يعد انتهاك صريح للأعراف الدولية ومخالفً لمبادئ سيادة الدول ومن المتوقع أن تتفاعل الدول المستهدفة مثل لبنان وتركيا وقطر بحزم سياسي ودبلوماسي قد يتضمن استدعاء سفراء إسرائيل وتقديم شكاوى لمجلس الأمن أو حتى اتخاذ خطوات قانونية أمام المحاكم الدولية كما أن هذه السياسة قد تدفع بعض الدول إلى تعزيز دعمها السياسي أو العسكري للفصائل الفلسطينية كرد فعل على العدوان الإسرائيلي على اراضيها
على المستوى الأوروبي ان احتمال حدوث عمليات اغتيال داخل دول الاتحاد سوف يضعف الثقة العامة بقدرة حكوماتها على حماية أراضيها ومواطنيها ما قد يسبب توترات دبلوماسية ويدفع إلى فرض عقوبات أو قيود على التعاون الأمني والعسكري مع إسرائيل أما في المحيط الإقليمي فقد يشهد تصعيدً النزاعات المسلحة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية أو مجموعات مسلحة تابعة لدول أخرى مما يفاقم من أزمة الاستقرار ويهدد بتحويل الصراع إلى حرب أوسع تشمل دولًا متعددة وباختصار ان سياسة الاغتيالات الخارجية تشكل خطوة متهورة قد تؤدي إلى تقويض النظام الدولي وتعزيز حالة الفوضى التي تهدد السلم والأمن العالميين وتكرس دولة المافيا لتصفية الخصوم في الخارج
امام حالة الترقب والقلق تجاه القادم يبقى السؤال إلى أين تتجه إسرائيل وهل تستمر في هذا الانفلات المدمر أم أنها ستعود إلى احترام القانون الدولي والبحث عن حلول سلمية تحترم سيادة الدول وتضمن استقرار المنطقة ومما لا شك فيه ان تل أبيب اليوم تقف أمام مفترق طرق حاسم إما التخلي عن سياسة الاغتيالات العابرة للحدود أو الغوص في مغامرات دموية تعصف بمستقبلها وأمنها سيما وان هذه السياسة تعبر عن فشل داخلي في إدارة الأزمة وتحول إسرائيل إلى دولة مارقة تتجاوز الأطر القانونية وتستخدم أدوات غير شرعية وقانونية لتصفية خصومها في الخارج مما يضع مستقبل المنطقة في خطر غير محسوب
تنفيذ سياسة الاغتيالات والانتقام خارج الحدود وفي دول ذات سيادة تشكل تحديًا فاضحًا يهدد بتوسيع نطاق الصراع إلى ما وراء حدود فلسطين المحتلة كما انها تعكس حالة تخبط وفوضى في المؤسسات الإسرائيلية وتؤكد غياب اي استراتيجية واضحة للحرب وان التوجه نحو هذه الخطة التي أقرتها حكومة نتنياهو يأتي ضمن مسار تصعيدي يؤكد أن الاحتلال لا يزال يراهن على لغة القتل بالاغتيالات بدلًا من البحث عن حلول سياسية توقف شلال الدم في غزة وتنهي معاناة المدنيين
التحول نحو تصفية الخصوم في الخارج ليس أمرًا جديدًا على إسرائيل لكنه اليوم يأتي في سياق فقدان السيطرة لا كأداة ردع محسوبة وبهذا تكرس إسرائيل نفسها كدولة خارجة عن القانون تضرب بالقانون الدولي عرض الحائط وتجازف بإشعال صراعات إقليمية قد تكون كلفتها باهظة على الجميع وهذا النهج لا يشكل خطرًا على الخصوم فحسب بل يهدد بنية النظام الدولي برمته ويضع الدول التي تحتضن الفلسطينيين أمام معضلة أخلاقية وأمنية هل تصمت على الاغتيالات داخل أراضيها أم ترد بحزم وتخاطر بمواجهة مباشرة مع إسرائيل
رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير خلال جولته الأخيرة في غزة وفي قرارات غارقة في الدم هدد صراحة قادة حماس في الخارج واكد أن يد الاحتلال طويلة وستطالهم وهذا التهديد العلني يتزامن مع تلميحات بأن جهاز الشاباك بدأ يتولى مسؤولية إنشاء وحدة خاصة لملاحقة قادة حماس الخارج في ظل تراخي دور الموساد مما يعكس حجم الإرباك والتخبط داخل مؤسسات الاحتلال الأمنية
الخطة الإسرائيلية للوصول الى قادة حماس سوف تعتمد على عدة محاور من بينها تكثيف الغارات الجوية والبحرية والمدفعية على مدينة غزة بشكل خاص و توسيع الاجتياح البري وتطويق مناطق جديدة قد يتواجد فيها القادة والاعتماد على الاستخبارات والاغتيالات الدقيقة وتحريك وحدات في الخارج لتنفيذ اغتيالات سياسية بحق قادة حماس في الشتات مع التأكيد بان هذا التصعيد برمته لا يعكس قوة اسرائيل بل يعزز فقدانًها للخيارات وفشلًها السياسي واستراتيجي الفادحً بعد أكثر من 300 يوم على الحرب التي لم تنجح خلالها في إسقاط حكم حماس أو استعادة أسراها رغم الكلفة الإنسانية الهائلة
أخطر ما في الخطة الإسرائيلية هو تصعيدها الممنهج ضد حماس الخارج فعوضًا عن التعامل السياسي أو الدبلوماسي مع هذا الملف قررت حكومة نتنياهو نقل الحرب إلى الساحات الدولية عبر ملاحقة قادة حماس في دول اخرى مما يورط تل أبيب في مغامرات دموية عابرة للحدود تعكس سياسة الهروب إلى الأمام وتدفع بالمنطقة إلى المزيد من الفوضى والدمار وفي ظل هذه الخطة يبدو أن إسرائيل تسير بخطى حثيثة نحو كارثة استراتيجية إذ بدلًا من مراجعة إخفاقاتها وبحثها عن حلول سياسية توقف نزيف الدم قررت حكومة نتنياهو أن تحرق ما تبقى من غزة وتلاحق قادة حماس في الخارج في مغامرة قد تؤدي إلى إشعال المنطقة كاملة
هذا المسار التصعيدي قد يسرع من تدويل الحرب ويمنح شرعية دولية متزايدة لحركة حماس وحلفائها ويضع إسرائيل في موقع المعتدي خصوصا في نظر الرأي العام الدولي لا سيما وأن حماس نفسها باتت تستثمر في خطاب القانون الدولي وحقوق الإنسان مقابل سلوك إسرائيل العدواني والمتفلت عبر التلويح بالاغتيالات في الخارج في محاولة مكشوفة منها للتغطية على الفشل الداخلي وتصدير الأزمة إلى الخارج وتحويلها إلى حرب مفتوحة لا سقف لها ولا أفق لنهايتها
اخيرا : في ظل هذا التصعيد المنفلت يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا هل نحن أمام مرحلة جديدة من الحرب غير المتكافئة حيث تستبدل الجيوش بالمخابرات والمعارك العلنية بالاغتيالات السرية وهل تدرك تل أبيب أن الاستمرار في هذا المسار قد يعجل بانهيار صورتها أمام العالم ويُحولها إلى كيان منبوذ دوليًا
باحث وكاتب مختص في الشؤون السياسية