نور الأمراء على عتبة الإنسانية: صعوبات التعلم حين تتصدّر المشهد

د. عمّار محمد الرجوب

في فندق رويال – عمّان، حيث تلتقي الرفعة بالمضمون، انعقد المؤتمر العلمي الدولي الثاني لصعوبات التعلم، تحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة ثروت الحسن، وبحضورٍ ملكي مشرّف من صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم. لم يكن المكان مجرد قاعة فندقية فاخرة، بل صرحًا مؤقتًا للعقل والقلب والضمير، اجتمع فيه النخبة ليبحثوا في قضية لا تخص فئة مهمشة فحسب، بل تختبر إنسانيتنا جميعًا.

حين يدخل الأمير الحسن بن طلال مكانًا، يدخل التاريخ معه، ويصمت الضجيج احترامًا لفكرٍ ما زال يُقاوم تسطيح القضايا ويؤمن أن كل إنسان، مهما كانت قدراته، له مكان في بناء الأمة. كانت مشاركته في المؤتمر علامةً فارقة، واحتفاءً علنيًا بقضية قلّما تطرقت إليها المنابر السياسية والاجتماعية. لقد كان حضوره بمثابة تتويج لموضوع يستحق أن يُناقش على منابر القادة لا هامش الورش.

افتتح المؤتمر بكلمة دافئة لصاحبة السمو الملكي الأميرة ثروت الحسن، لم تكن كلمتها تقليدية بل نابعة من قلبٍ يحمل قضية الإنسان، قالتها بثقة الأم التي تؤمن أن كل طفل يواجه صعوبة في التعلم هو مشروع إنسان كامل إن احتويناه. جاءت كلماتها كدعوة صريحة للانتقال من الرعاية النظرية إلى الاحتضان العملي.

ثم اعتلى المنصة الأستاذ الدكتور باسم اللوزي، عميد كلية الأميرة ثروت الجامعية المتوسطة، الذي تحدّث عن مسيرة الكلية بواقعية الفعل لا مجرد التنظير، عارضًا سلسلة من الإنجازات التي رسّخت دور الكلية كمؤسسة سبّاقة في دعم الطلبة ذوي صعوبات التعلم، من خلال البرامج التدريبية، والمراكز المتخصصة، والبحوث التطبيقية، التي شكّلت جسورًا بين النظرية والواقع.

أما كلمة الدكتورة هنادي عبيد السويدي، مديرة مركز الشارقة لصعوبات التعلم، فقد مثّلت عصارة تجربة ميدانية عميقة، عرضت فيها التحديات والحلول من واقع العمل في الميدان، مؤكدة أن التغيير لا يبدأ من السياسات فقط، بل من فهم الاختلاف كقيمة، ومن الإصرار على دمج كل طفل في مشهد الحياة لا على هامشها.

وقد تُوّج المؤتمر بتوقيع اتفاقية تعاون استراتيجية بين الكلية والمركز، في خطوة تعكس التزامًا مشتركًا بتحويل التوصيات إلى واقع، والرؤى إلى ممارسات، من خلال برامج تشخيص وتدريب وبحث تستهدف رفع جودة الخدمات التعليمية المقدمة للطلبة من ذوي صعوبات التعلم.

ولم يكن هذا الحدث معزولًا عن تاريخ الكلية، فقد عُرفت كلية الأميرة ثروت الجامعية المتوسطة بدورها الريادي في دمج الطلبة ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، إذ أنشأت وحدات دعم تربوي مبكّرة، وقدّمت برامج تأهيل للمعلمين، وأطلقت حملات توعوية هدفت لتغيير الثقافة المجتمعية حول مفهوم “الصعوبة” من عائق إلى اختلاف طبيعي يمكن احتواؤه.

لقد كان المؤتمر كرنفالًا للوعي، تُليت فيه كلمات كأنها دعوات للضمير، وعُرضت أوراق كأنها نداءات للعقل، وتلاقت فيه القلوب على هدفٍ واحد: لا ينبغي أن يُترك أحد في الخلف.

وفي الختام أقول:
حين يلتقي الفكر الملكي بالرحمة الأكاديمية، ويصافح الضمير المهني الإدراك المجتمعي، تنفتح نوافذ جديدة للحياة، لأولئك الذين اعتادوا أن يعيشوا خلف الستائر.

قال أحدهم: “الأمم العظيمة لا تُقاس بقوة اقتصادها، بل بقدرتها على إنصاف أضعف أبنائها”.
وأنا أقول: عندما يكتب التاريخ عن هذا اليوم، لن يذكر فقط من حضر، بل من فهم… ومن قرّر أن يُضيء الطريق لغيره.
لا أكتب عن مؤتمر، بل عن لحظة وعيٍ كانت أكبر من القاعة، وأعمق من الكلمات، وأقرب ما تكون إلى الإنسان.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى