77 عاماً على النكبة: معالي رمزي خوري يحذر من إبادة في غزة ونكبة جديدة تستهدف الفلسطينيين

عمان _ بسام العريان

أكدت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين، أن حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة، والاعتداءات المتكررة بحق الشعب الفلسطيني في غزة والقدس وسائر المدن الفلسطينية، ما هي إلا امتداد لنكبة عام 1948، واستهدافٌ ممنهج للوجود المسيحي الأصيل في أرض فلسطين. جاء ذلك في بيان صدر عن رئيس اللجنة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور رمزي خوري، بمناسبة الذكرى السابعة والسبعين للنكبة.

في وقت لا تزال فيه قبة كنيسة القديس بورفيريوس في غزة شاهدة على المجزرة التي ارتُكبت بحق عشرات المدنيين الذين احتموا بها، نقف اليوم في الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية لنؤكد أن نكبة شعبنا لم تكن لحظة عابرة في التاريخ، بل جرح مفتوح يتجدد كل يوم، كما يحدث الآن في قطاع غزة، حيث يتواصل العدوان والقتل والتهجير بلا هوادة.

لقد لجأ المدنيون إلى الكنائس كما لجأوا إلى المساجد، ظناً منهم أنها بيوت الله التي تحميهم. لكن صواريخ الاحتلال لم تفرّق بين قدسية ودم، ولا بين مئذنة وقبة، فامتدت آلة الحرب إلى دور العبادة، وقتلت الأبرياء، لمعاقبة شعب بأكمله على تمسّكه بحقه في الحياة والحرية والكرامة على أرضه.

في هذه الذكرى الأليمة، التي أسفرت عام 1948 عن تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من وطنهم، بينهم ما يزيد عن 40 ألف مسيحي، وتدمير أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية، بما فيها العديد من الكنائس، بهدف طمس معالم الحياة الروحية والوطنية والاجتماعية؛ تتجدد النكبة اليوم بأبشع صورها في سياق حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة، حيث يواجه المدنيون الفلسطينيون، مسلمين ومسيحيين، القتل والتجويع والاقتلاع مرة أخرى، في مشهد يعيد إنتاج نكبة 1948، ولكن بشكل أكثر عنفاً ووحشية.

تتعرض العائلات المسيحية “المتبقية”، إلى جانب سائر أبناء الشعب الفلسطيني، إلى أشدّ أنواع القصف والحصار. ووفقاً لتقديرات محلية، استُشهد حتى الآن أكثر من 52,862 فلسطينياً، بينهم ما لا يقل عن 30 مسيحياً تم استهداف معظمهم داخل الكنائس. كما نزح نحو 1.9 مليون شخص، أي ما يعادل 90% من سكان القطاع، من بينهم حوالي 900 مسيحي، يعيشون اليوم أوضاعاً إنسانية كارثية في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والماء، بالإضافة إلى الانقطاع التام للكهرباء.

وفي الضفة الغربية، تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية بسياسات ممنهجة من القمع والاستيطان والاقتلاع، تشمل فرض الحواجز العسكرية، والاقتحامات اليومية، والإعدامات الميدانية، وتدمير البنية التحتية. وقد شهدت مدن جنين وطولكرم ونابلس ومخيماتهم على وجه الخصوص، خلال الأشهر الماضية، تصعيداً غير مسبوق شمل قصف الأحياء السكنية، وتهجير عشرات العائلات قسراً، وتحويل المخيمات إلى ساحات حرب مغلقة، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المدنيين واللاجئين. وتأتي هذه السياسات في سياق تكريس نكبة مستمرة، تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وتفريغ المناطق من سكانها الأصليين.

أما في القدس، فالوضع لا يختلف كثيراً، حيث تواصل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تنفيذ سياسة تضييق وخنق ممنهجة ضد المسيحيين، تشمل منعهم من الوصول إلى أماكن العبادة، والاعتداء الجسدي واللفظي عليهم، واستهداف المقدسات المسيحية.

وفي هذا السياق، شهد موسم عيد القيامة هذا العام، كما في الأعوام السابقة، سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية بحق الحجاج والمصلين، شملت إغلاق الطرق، وتقييد الوصول إلى كنيسة القيامة، والاعتداء على رجال الدين والمواطنين المسيحيين، في انتهاك صارخ لحرية العبادة والوجود الديني. وقد تم تحويل القدس القديمة خلال أيام العيد إلى ثكنة عسكرية، بما حرم آلاف الفلسطينيين والمسيحيين من أداء شعائرهم الدينية بحرية وكرامة.

وإذ تحيي اللجنة الذكرى الـ77 للنكبة، فإنها تؤكد أن السلام العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل أراضيه المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس، بما يشمل حماية الوجود المسيحي والإسلامي فيها.

وفي ختام بيانه، شدد الدكتور رمزي خوري على صمود الشعب الفلسطيني، مؤكداً مواصلة التمسك بالهوية الوطنية والدفاع عن الوجود المسيحي الأصيل في أرضه. ودعا المجتمع الدولي، والكنائس في مختلف أنحاء العالم، ومنظمات حقوق الإنسان، إلى تحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية، ومساءلة إسرائيل على استمرارها في انتهاك القوانين والأعراف الدولية. كما طالب بالتحرك العاجل لوقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، من أجل حماية ما تبقّى من المدنيين على قيد الحياة.
© 2025 اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين .
Enter keyword…

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى