أمام الحكومة: من المسؤول عن الرقابة على السلامة العامة والنظافة في البنايات التجارية؟

كتب أ.د. محمد الفرجات
حين تدخل إلى بعض البنايات التجارية في العاصمة عمّان أو المدن الأردنية الكبرى، قد تصدمك حالة الإهمال الظاهرة للعيان:
درج مهشّم، درابزين مفقود، دهانات متّسخة، بقع سوداء على الجدران، دورات مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، واجهات مهترئة تكسوها بقايا يافطات وأسلاك متناثرة، وروائح كريهة تصفع الداخل قبل أن تطأ قدمه أول درج.
ورغم أن هذه البنايات تحتضن عيادات طبية، مختبرات، مكاتب محامين، مراكز تعليم وتدريب، ومحال تجارية، فإن الواقع المؤلم يُظهر أنها لا تراعي الحد الأدنى من متطلبات السلامة العامة ولا معايير النظافة أو حتى الاحترام البصري للمدينة ومواطنيها.
غياب الرقابة: أين الجهات المسؤولة؟
في ظل هذا الواقع المتردي، يتساءل المواطن: من المسؤول عن الرقابة على هذه البنايات التجارية؟ ومن يردع الإهمال؟
وهل يُعقل أن تظل هذه المرافق تُمارس نشاطها وكأن شيئًا لم يكن، في ظل غياب واضح للجهات الرقابية البلدية والصحية وحتى المهنية؟
في الأردن، تقع المسؤولية في الأصل على عدة أطراف:
1. أمانة عمّان أو البلديات المحلية:
وهي الجهة المسؤولة عن منح التراخيص والتفتيش الدوري على البنية التحتية، النظافة، والالتزام بالأنظمة العامة، لكنّ دورها الرقابي على البنايات بعد التشغيل يكاد يكون غائبًا.
2. وزارة الصحة:
خصوصًا إن وُجدت مرافق صحية داخل البناية كعيادات ومختبرات، مما يستدعي رقابة مشددة على المرافق الصحية ودورات المياه.
3. نقابات مهنية:
كنقابة الأطباء، أو نقابة المحامين، التي من المفترض أن تتأكد من أن بيئة مزاولة المهنة تراعي شروط السلامة والكرامة.
4. مالك البناية أو المشغّل الرئيسي:
وهو الطرف الأهم، إذ يتحمل مسؤولية الصيانة الدورية، النظافة، والالتزام بالمعايير البصرية والهندسية، لكنه غالبًا ما يتخلى عن هذه المسؤولية، مكتفيًا بجني الإيجارات دون مساءلة.
5. المستأجرون أنفسهم:
وهنا لا بد من الإشارة إلى غياب دور المستأجرين المستفيدين من البناية لأعمالهم وأنشطتهم وخدماتهم. فكثير منهم يقبلون بأن ينصدم زبائنهم أو مراجعيهم من المواطنين بهذه الظروف المهينة، بل وقد يتعرض البعض للأذى أو الإصابة بسبب غياب أدنى شروط السلامة العامة.
إن السكوت عن هذا الوضع مشاركة ضمنية في الإهمال، خاصة وأنّ تحسين البيئة المشتركة يصب في مصلحة الجميع.
6. بعض المجمعات التجارية العائدة للبلديات أو النقابات أو الجمعيات أو الهيئات الرسمية كمشاريع استثمارية:
وللأسف، فإن الإهمال لا يقتصر على المباني الخاصة، بل يمتد أحيانًا ليشمل مجمعات تجارية ومرافق استثمارية تابعة لبلديات أو نقابات أو جمعيات أو مؤسسات رسمية، من المفترض أن تكون نموذجًا في حسن الإدارة والنظافة والسلامة، لكنها في الواقع قد تعاني من ذات الإهمال والترهل، ما يثير الاستغراب ويُضعف الثقة بهذه الجهات.
الإهمال انعكاس لفشل الإدارة وغياب الردع
ما نراه من ترهل في هذه البنايات لا يعكس فقط ضعفًا في الذوق العام، بل هو مؤشر واضح على:
انعدام الرقابة الفعلية والمساءلة القانونية.
ثقافة التواكل وانعدام المسؤولية من قبل المالكين والمستأجرين.
غياب لوائح جزائية تُفرض على المخالفين.
إن ترك الوضع كما هو عليه، لا يسيء فقط للمواطنين أو الزوار، بل يُلحق ضررًا بالثقة في الدولة ومؤسساتها، ويكرّس الانطباع السائد بأن الرقابة غائبة، والنظام لا يُطبَّق، والنظافة والسلامة مجرد شعارات.
الحل: تفعيل الرقابة وتغليظ العقوبات
لكي نخرج من هذا الواقع المتردي، هناك حاجة عاجلة إلى:
إطلاق حملات تفتيش دورية صارمة على البنايات والمجمعات التجارية.
فرض غرامات مجزية على الإهمال في الصيانة والنظافة.
ربط تجديد التراخيص بتقرير فني يُقيّم حالة البناية بشكل شامل.
إشراك المواطنين في الإبلاغ عن البنايات المتردية عبر منصات إلكترونية فعّالة.
إلزام المستأجرين بالمساهمة في نظافة وصيانة المرافق المشتركة، من خلال بنود واضحة في العقود.
الخاتمة: الاحترام يبدأ من البيئة
إن البيئة المحيطة تعكس احترامنا لأنفسنا ولغيرنا. والبنايات التجارية ليست مجرد حجر وإسمنت، بل هي صورة عن حضارتنا ونظامنا وكرامتنا الجمعية.
فإهمالها هو إهمال لقيمنا، وصيانتها مسؤولية الجميع: دولة، ومؤسسات، ومواطنين، وأصحاب مصالح.
فإلى متى سيبقى الدرج مكسورًا، أو الدرابزين غائبًا، ودورات المياه مُهملة؟
الأمر لم يعد يطاق… والمطلوب رقابة تحمي الناس وتحفظ وجه المدينة.