الإمارات: من أصالة كودات الندبة الشحية إلى دولة متقدمة ونموذج عربي عصر

كتب أ.د. محمد الفرجات

في قلب الصحراء، وعلى وقع الرمال الذهبية التي رافقت حكايات البدو وشيوخ القبائل، وُلدت أصوات النداء التي لا تُخطئها الأذن ولا تُخطئها القلوب. ومن بين هذه الأصوات، تشعّ الندبة الشحية، صيحة البادية التي تحمل في نبراتها الفخر، والنخوة، والشجاعة، والكرم. إنها ليست مجرد صرخة، بل شيفرة أصيلة تختزل أجيالًا من القيم والمواقف والمروءة، وتُنسب لقبيلة الشحوح الشهيرة في جبال رؤوس الجبال والإمارات الشمالية، والتي كانت وما زالت عنوانًا للبسالة والوفاء.

الندبة الشحية لم تكن يومًا فعلًا استعراضياً، بل هي رمز هُويّة، تُطلق في مواضع العز والانتصار، وفي استقبال الضيوف، وفي موكب الفرح الوطني. فيها من الإقدام مثلما فيها من الحفاوة، وفيها ما يُشبه ناقوسًا يُعلن أن صاحب هذا الصوت هو من أهل المروءة، لا يُجارى في الكرم ولا يُسابق في الشجاعة. ولعلّ أجمل ما في الأمر أن هذه الندبة، رغم حداثة العصر وتسارع الزمن، لم تبهت، بل ازدادت حضورًا وهيبة.

وقد تجلى هذا الحضور الأصيل عندما استقبلت دولة الإمارات الرئيس الأمريكي، فاختارت أن تهديه لحظة من تراثها لا من بروتوكولات الاستعراض الفارغة، بل من الوجدان الوطني العميق، فكانت الندبة الشحية هي العنوان. كانت رسالة غير منطوقة تقول: نحن أبناء هذه الأرض، لم تُغرِنا ناطحات السحاب بنسيان جذورنا.

ولأن التاريخ لا يُصنع من الفراغ، فإن شعوب أرض الإمارات كانت جزءًا من مجد أكبر، ساهمت فيه بصدق وإخلاص، وهو الفتوحات الإسلامية نحو الشرق، حيث خرج أبناؤها في جيوش الفتح مع رجال الجزيرة الأوائل، يحملون الإيمان والعروبة على السيوف والقلوب، ويغرسون قيم العدل والتوحيد في فارس والسند وبلاد ما وراء النهر.
كانت سواحل الإمارات وقبائلها وموانئها الصغيرة آنذاك منصات انطلاق، ومددًا بشريًا وروحيًا، وأرضًا مفتوحة لنصرة الدعوة ورفع راية الإسلام. وبهذا، فإن الوجدان الإماراتي القديم متصل بوجدان الأمة الإسلامية الكبرى، يشترك في سعيها للعدل والكرامة، ويكمل اليوم هذا الدور في مساحات البناء والتسامح والانفتاح.

وفي ظل هذا التراث المتجذر، ارتقت الإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة، وصارت نموذجًا عربيًا عصريًا يُحتذى به. ما بين الصحراء والسماء، امتدت رؤيتها التنموية فصنعت اقتصادًا متنوعًا، وتفوقًا تقنيًا، ونهضةً تعليمية وصحية وعمرانية قلّ نظيرها في العالم العربي.

لم يكن هذا الإنجاز صدفة، بل هو نتاج عزم شعب آمن بالمستقبل، وقيادة رائدة لم تساوم على الطموح. لم تنكفئ الإمارات على ماضيها، ولم تنغمس في حاضرها فحسب، بل اختارت أن تصوغ الغد، بذكاء اصطناعي، وبرامج فضائية، وبيئة استثمارية خلاقة، وفي الوقت ذاته بحرف يدوية، وخيمة بدوية، وندبة شحية!

هذه هي الإمارات… حيث لا تناقض بين الجذور والقمم. بين الكودات القديمة وكودات البرمجة الحديثة، بين صوت الندبة وصوت الأقمار الصناعية، بين عبق الماضي ووهج المستقبل، هناك دولة فتية، عصيّة على التقليد، وفية للأصل، عاشقة للتفوق.

الإمارات اليوم، هي قصة نجاح عربية بامتياز، كتبتها الأصالة بالحبر ذاته الذي تُكتب به المعجزة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى