قصة صاحب سيناريو العتبة الزمنية للمفاعل النووي لإنقاذ الأردن مائيًا… حتى لا نلوم إلا أنفسنا !!

 

كتب أ.د. محمد الفرجات

رسالة فوق رفوف الغبار: د. ثابت المومني ونبوءة الماء التي لم نقرأها

في إحدى زوايا مكتبة الجامعة الأردنية، ترقد منذ أكثر من عقد ونصف أطروحة دكتوراه قد لا يعرف بوجودها سوى عدد قليل من الباحثين، رغم أنها تتناول واحدًا من أخطر الملفات الاستراتيجية التي تواجه الأردن اليوم: المياه.

صاحب هذه الرسالة هو الدكتور ثابت المومني، خبير الإحصاء التطبيقي والنمذجة الاكتوارية المائية، الذي اختار أن يعمل بهدوء في مطعم يديره في بلدته بمحافظة عجلون، في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التحديات المائية والبيئية في الأردن بوتيرة غير مسبوقة.

تحت إشراف عالم المياه الأردني البارز، البروفيسور إلياس سلامة، قدم د. المومني دراسة فريدة من نوعها، تمثّل أول محاولة أردنية جادة لاستخدام النمذجة الإكتوارية لتوقع الطلب على المياه حتى منتصف القرن، ضمن سيناريوهات متعددة تأخذ في الاعتبار النمو السكاني، التلوث، التغير المناخي، وتوسّع القطاعات الاقتصادية.

وخلصت الدراسة، في حينه، إلى أن الخيار النووي لتحلية المياه يجب أن يُدرج ضمن البدائل الجادة بدءًا من عام 2023، كضرورة وطنية لضمان الأمن المائي، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

لقد توقعت الدراسة، بدقة لافتة، أن الطلب السنوي على المياه في الأردن سيصل إلى ما يزيد عن 1.6 مليار متر مكعب بحلول عام 2025، في حين أن المتاح فعليًا من الموارد المائية المتجددة لا يتجاوز 850 مليون متر مكعب سنويًا، معظمها مهدد بالتناقص بفعل التغير المناخي وانخفاض معدلات الهطل المطري. كما أشارت الدراسة إلى أن العجز المائي المزمن سيفرض تحديات جسيمة على قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، وسينعكس سلبًا على الأمن الغذائي، وأسعار المنتجات الوطنية، وفرص العمل، خصوصًا في المناطق الطرفية والريفية.

وبالفعل، نحن اليوم في عام 2025 نعيش بداية ما حذّرت منه الرسالة:

قطاع الزراعة يخسر أكثر من 20% من حصصه السنوية من المياه مقارنة بعام 2010.

الصناعة تواجه صعوبات في التوسع بسبب شح الموارد المائية، ما يعوق الاستثمار.

السياحة البيئية والريفية تعاني من انخفاض في الجذب بسبب تناقص مصادر المياه الطبيعية.

الأمن الغذائي مهدد، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع الزراعية المحلية بنسبة تجاوزت 35% خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

المفاعل النووي الأردني: حلم مؤجل

ضمن توجهات الأردن الاستراتيجية لمجابهة أزمة الطاقة والمياه، تبنت هيئة الطاقة الذرية الأردنية منذ العام 2008 خطة وطنية لاستخدام الطاقة النووية السلمية، وبدأت دراسات جدوى بالتعاون مع شركات روسية وكورية جنوبية وصينية، لتشييد أول مفاعل نووي للأغراض السلمية.

وقد تم بالفعل تشغيل مفاعل البحث والتدريب النووي بقدرة 5 ميغاواط في جامعة العلوم والتكنولوجيا عام 2016، كخطوة نحو بناء القدرات البشرية والتقنية. كما تمت مناقشة إنشاء مفاعل نووي كبير بقدرة 1000 ميغاواط، كان من المقرر أن يدخل حيز التشغيل بين عامي 2025–2030.

ورغم أن المشروع واجه تحديات تمويلية وسياسية وفنية حالت دون تقدمه وفق الخطط الزمنية، إلا أن أهدافه الجوهرية ظلت قائمة:

توليد الكهرباء بأسعار مستقرة.

دعم مشاريع تحلية المياه على البحر الأحمر أو خليج العقبة.

تقليل الاعتماد على الاستيراد في قطاعي الطاقة والمياه.

تعزيز الأمن الوطني في ظل تغيرات المناخ والجغرافيا السياسية.

إن إدماج هذه الرؤية النووية ضمن إستراتيجية وطنية لتحلية المياه كما أوصت بها دراسة د. المومني، لم يكن مجرد ترف علمي، بل رؤية استباقية عميقة. فالمفاعلات النووية الصغيرة (SMRs) باتت اليوم خيارًا عالميًا متزايدًا لتحلية المياه وتوليد الطاقة في الدول ذات الشح المائي والطبيعة الصحراوية.

أين نضع أقدامنا اليوم؟

القضية ليست في غياب الدراسات أو الكفاءات، بل في غياب آليات مؤسسية فعّالة لاستخلاص السياسات من مخرجات البحث العلمي. فمكتبات الجامعات الأردنية تضم مئات الرسائل العلمية في مجالات متعددة تمس الأمن الوطني، ولكنها قلّما تجد طريقها إلى مراكز صنع القرار.

اليوم، في ظل التوجهات العالمية نحو الابتكار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري أن يُعاد النظر في منظومة البحث العلمي الوطنية، ليس فقط من حيث الدعم، بل من حيث التفعيل والتطبيق. الابتكار لا يأتي من فراغ، بل من احترام المعرفة المحلية، ومن الاستثمار في العقول التي تعبّر عن الواقع وتستشرف المستقبل.

قصة د. ثابت المومني ليست قصة فردية، بل تجسيد لحالة أوسع. وربما يكون هذا المقال دعوة لإعادة فتح الأدراج والرفوف، والبحث عن الحلول التي كتبها باحثونا منذ سنوات، فالعلم ليس ترفًا، بل أساس السيادة والاستقرار.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى