“استقلال لا يكتمل إلا بنا”

بقلم د. عاطف العساكره

في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال الأردن، لا نريد شعارات محفوظة ولا أعلامًا ترفرف فقط من شرفات المنازل. نريد لحظة صادقة مع الذات، لحظة نسأل فيها أنفسنا: هل نحن فعلًا مستقلون كما يجب؟ هل الوطن الذي تسلمه الأجداد بالتضحيات بدماء الشهداء نسلمه نحن لأبنائنا بالبناء والتطور ؟

الاستقلال في عام 1946 لم يكن مجرد خروج من ظل الانتداب، بل كان لحظة انطلاق نحو هوية خاصة وتحرير للانسان ، وقرار وطني حرّ. الأرض واحدة، والشعب متماسك، والهدف واضح: أردن مستقل، عربي، ينهض بسواعد أبنائه وروي بدماء الشهداء التي قدمها اباء الوطن للاستقلال ولا يزالون يقدمون التضحيات بارواحهم لهذا اليوم للحفاظ على حدود الوطن والذود عنه ومحاربة التطرف بكل اشكاله داخليا وخارجيا.

ولكن بعد 79 عامًا، الاستقلال لم يعد مناسبة نتذكّرها فقط، بل مسؤولية نعيد تجديدها كل يوم. الاستقلال الحقيقي لا يُقاس بعدد الاحتفالات، بل بقدرتنا على اتخاذ القرار الوطني دون ضغط، ببناء اقتصاد لا يعتمد على المعونات، وبإعلام حرّ لا يرتجف أمام الحقيقة.

في كل طفل يتعلّم في مدرسة حكومية بإمكانيات متواضعة، هناك سؤال عن الاستقلال و في كل مريض ينتظر دوره في مستشفى عام، هناك سؤال عن العدالة و في كل شاب عاطل عن العمل رغم شهاداته، هناك سؤال عن الفرص.

الاحتفال بالاستقلال لا يكون فقط باحتفالات رسمية ، بل بأن يشعر المواطن أنه شريك في الوطن، لا مجرد متفرّج .

جلالة الملك عبد الله الثاني، منذ توليه العرش، حمل رسالة الاستقلال في كل محفل دولي، وقال بوضوح: “الأردن وطن كبير برجاله وإن صغرت موارده” لكن تبقى الرسالة ناقصة إن لم نكملها نحن. في كل موظف يتفانى بعمله، في كل معلم يبني جيلاً، في كل مواطن يرفض الفساد، في كل امرأة تناضل بصمت، يكتمل الاستقلال.

79 عامًا مرّت، لكن السؤال لا يزال قائمً
هل نحتفل بالاستقلال لأننا نملكه، أم لأننا نشتاق إليه كما يجب أن يكون؟

استقلال الأردن ليس فقط تاريخًا، بل مشروعًا مستمراً نعيد تجديده كلما اخترنا الوطن أولًا، وأثبتنا أن المعركة لم تنتهِ، بل تغيّرت ساحاتها: من الميدان العسكري إلى ساحة الوعي، والانتماء، والنهضة.

الاستقلال لم يكن فقط يوم 25 أيار 1946، بل هو مسار مستمر، وتحدٍ دائم، يبدأ من السيادة السياسية ولا ينتهي إلا ببناء الإنسان. وجلالة الملك عبد الله الثاني، منذ توليه سلطاته الدستورية، حمل على عاتقه مهمة الحفاظ على هذا المسار وتعزيزه، فكان صوت الأردن في المحافل الدولية، حاميًا لهويته، وصوته المعتدل في وجه التطرف، ومدافعًا عن قضاياه، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات.

في الداخل، قاد جلالته مشاريع إصلاح ومتابعة شاملة، حيث حرص جلالته على الحفاظ على مواكبة تطور القوات المسلحة بالاسلحة والتدريب والتاهيل وتطوير الاحهزة الامنية على كافة الاصعدة ،
في الاقتصاد والتعليم والقضاء، وأسّس رؤية وطنية تعتمد على التحديث السياسي وتعزيز مشاركة الشباب والمرأة في الحياة العامة، مؤمنًا بأن استقلال القرار الوطني لا يكتمل دون مواطن واعٍ ومشارك.

وعلى خُطى والده، يسير سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، الذي لم يكتفِ بدور رمزي، بل انخرط بفعالية في العمل التنموي والتطوعي، وأسّس مبادرات نوعية من خلال مؤسسة ولي العهد التي تُمكّن الشباب وتوفر لهم فرص الابتكار والريادة. ظهوره المستمر في الميدان، وتواصله المباشر مع الفئات الشبابية، يُعيد للأذهان صورة الجندي الأردني الحقيقي، الذي يعيش بين الناس ويعمل معهم.

سموه يتحدث بلغة الجيل الجديد، لكنه يحمل ثوابت الدولة العميقة، واضعًا يده على الملفات المستقبلية: الذكاء الاصطناعي، الأمن الغذائي، التعليم المهني، وريادة الأعمال، وكلها أدوات استقلال حقيقي في عالم متحوّل.

لذا، عندما نحتفل اليوم بعيد الاستقلال، فنحن لا نحتفل بانفصالنا عن الانتداب فقط، بل نُجدّد عهدًا بقيادة تستثمر في الإنسان، وتؤمن بأن الاستقلال ليس تاريخًا محفوظًا، بل مشروعًا وطنيًا مستمرًا.

79 عامًا مرّت، لكن السؤال لا يزال قائمًا
هل نحتفل بالاستقلال لأننا نملكه، أم لأننا نُكافح لأجله كل يوم؟

كل عام والأردن بخير … ما دمنا نحن بخير معه، ومع قيادته الهاشمية التي تقودنا بثبات واستقرار في اكثر الاوقات توترا بالمنطقة والعالم في زمنٍ لا يرحم التردد والخذلان والمجاملة الكاذبة.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى