° أوروبا والاستثمار بأزمة التعليم والبحث العلمي في أميركا :

اسعد بني عطا

-بهدف تقليص عجز الموازنة الفيدرالية الأميركية الكبير خلال الربع الأول من السنة المالية الحالية ( ٢٠٢٥ ) ، فقد شدّدت الإدارة الأمريكية على خفض الإنفاق الفدرالي لتجنب الافلاس من خلال سلسلة من الإجراءات ، منها : خفّض الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة لمواكبة فرض الرسوم الجمركية على الواردات ، تقليص حجم القوى العاملة الفدرالية التي يبلغ عددها ( ٢،٣ ) مليونا ، إغلاق أو تقليص ( الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ) بسبب تهم بالفساد وهدر المال العام ، والتوجه لإغلاق الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ ، وكان من أهم وأخطر القرارات التي أعلن عنها البيت الأبيض تلك المتعلقة بملف التعليم تنفيذا لوعود قطعها ( ترامب ) خلال حملته الانتخابية ، وتضمنت :

. صوّت مجلس الشيوخ ( ٣/٣ ) لصالح تعيين ( ليندا ماكماهون / المديرة التنفيذية للمصارعة ) وزيرة للتعليم وكلفها ( ترامب ) بأن ” تجعل نفسها بلا وظيفة ” اي أن تعمل على تفكيك الوزارة ربما بحكم خلفيتها بالعمل في ميدان المصارعة ، وأعلن ( البيت الأبيض ) أن الرئيس سيوقع أمرا تنفيذيا بإغلاق الوزارة المصنفة ( ٤٠ ) على مستوى العالم رغم أن أميركا الأعلى بمستوى الإنفاق على التعليم بكافة مراحله ، وبلغ ( ٨٥٧ ) مليار دولار عام ( ٢٠٢٤ ) .

. تم إلغاء مليارات الدولارات المخصصة لتمويل البحث العلمي وتقدر ب ( ٣,٤٪ ) من الناتج الإجمالي ، وبلغت حسب الأرقام المنشورة لعام ( ٢٠٢١ ) حوالي ( ٨٢٣,٤ ) مليار دولار ، أنفق القطاع الخاص منها ( ٦٠٩ ) مليار دولار أي ما يعادل ( ٧٧٪ ) من إجمالي البحث والتطوير في الولايات المتحدة .

. وقف التمويل الفيدرالي عن المؤسسات التعليمية التي تسمح بتنظيم احتجاجات غير قانونية ، وفي هذا السياق قرر البيت الأبيض ( ٤/١٤ ) وقف معونات بقيمة ( ٢,٢ ) مليار دولار كانت مخصصة لجامعة ( هارفرد ) بعد رفض ادارتها التقيد بشروط الرئيس لمكافحة معاداة السامية في الحرم الجامعي ، واعتبرت وزارة التعليم أن على المؤسسات الأكاديمية تغيير سياساتها في مجالات الحوكمة والتوظيف وقبول الطلاب لوقف أي مضايقات للطلبة اليهود ، واستجابت ( جامعة كولومبيا ) لذلك ، واوقفت عشرات الطلبة عن الدراسة مؤقتا .

-بدورها قامت ( جامعة هارفارد ) برفع دعوى فدرالية ضد ( ترامب ) بعد تجميد تمويل بقيمة ( ٢,٢ )  مليار دولار ، واتهمته بمحاولة السيطرة على قراراتها الأكاديمية والتهديد بإلغاء الإعفاء الضريبي ومنع الطلبة الأجانب ، وقررت المحكمة تعليق قرار الرئيس منع ( هارفارد ) من تسجيل طلبة أجانب بعد الدعوى القضائية المرفوعة من الجامعة وجاء فيها أن خطوة ( ترامب ) انتقام واضح من ممارسة ( هارفرد ) لحقوقها .

-قرارات الإدارة الأمريكية دفعت قطاع التعليم للتحرك ضد الرئيس ، حيث قامت المؤسسات الفاعلة بالميدان بما يلي :

. اتهم أكثر من ( ٢٠٠ ) من رؤساء الجامعات الامريكية منها : ( برينستون ، براون ، هارفارد ، كولومبيا ، هاواي وكلية ولاية كونيتيكت المجتمعية ) في بيان مشترك ( إدارة ترامب ) بالتدخل السياسي في التعليم العالي ، موحّدين صفوفهم ، متهمين الإدارة بأنها تهدد استقلالهم بتجاوزات حكومية غير مسبوقة ، وبتدخل سياسي يهدد التعليم العالي الأمريكي ، مؤكدين أنهم مع الانفتاح على الإصلاح البناء ، ولا يعارضون الرقابة الحكومية المشروعة ، لكنهم يقفون ضد التدخل غير المبرر بحياة من يتعلمون ويعيشون ويعملون في الجامعات .

. أطلق أكثر من ( ١٩٠٠ ) عضو من جمعيات علمية نداء طلبا للمساعدة ، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة كانت ” قِبلة ” للباحثين والعلماء ولمن يسعى للارتقاء بمستواه الأكاديمي بكل المجالات نظرا للتمويل الهائل المخصص للجامعات الأمريكية ومراكز الأبحاث ، وحذروا من أن المشاريع العلمية للبلاد تتعرّض للتدمير ، داعين للوقوف ضد هذا الهجوم الشامل على العلم .

-سارع الاتحاد الأوروبي لالتقاط حالة الاضطراب التي أحدثتها قرارات ( ترامب ) في ميدان التعليم والبحث العلمي من خلال الضغوط المتزايدة على الجامعات وتقليص التمويل الفيدرالي المخصص للأبحاث وتضييق الخناق على كل من يتبنى فكرة لا تتناسب وسياسات ( ترامب ) ، ووجهت ( ١٣ ) دولة ، منها : ( فرنسا ، ألمانيا وإسبانيا ) رسالة للمفوضية الأوروبية حثتها فيها على التحرك لجذب المواهب الأكاديمية ، وأعلنت ( رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ) و ( الرئيس الفرنسي / إيمانويل ماكرون ) بتاريخ ( ٥/٥ ) عن تمويل جديد بـ( ٥٠٠ ) مليون يورو للفترة ما بين ( ٢٠٢٥-٢٠٢٧ ) لجذب العلماء الأجانب إلى أوروبا في ظل التهديدات التي تطال عملهم في الولايات المتحدة .

-تحرك الاتحاد الأوروبي قطعا خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح ، وقد تدفع بقية دول العالم خصوصا الثرية منها للسير على نفس الطريق .

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى