برؤية ملكية وقرارات حكومبة جريئة: المعلم أولاً… والوطن على طريق النهوض الشامل

كتب أ.د. محمد الفرجات
في الأمس، تابعتُ كما تابع الأردنيون باهتمام وفرح بالغ، صدور حزمة من القرارات الحكومية النوعية والمحفزة، التي جاءت بتوجيهات ملكية سامية، وأُعلن عنها دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي أظهر منذ توليه المسؤولية حرصًا واضحًا على التقاط وتنفيذ رؤى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وتحويلها إلى سياسات قابلة للتنفيذ وبرامج تلامس احتياجات المواطن مباشرة.
هذه القرارات جاءت خصيصًا لتمكين المعلم الأردني، العمود الفقري لمنظومتنا التربوية، وصانع الأجيال، وراسم مستقبل الوطن بعقله وجهده وإيمانه برسالته.
القرارات لامست معاناة المعلم المالية، وتحديات السكن، وكلف تدريس الأبناء بالجامعات، وغيرها.
رؤية ملكية راسخة.. ونهج حكومي متجدد:
لطالما أكد جلالة الملك في خطاباته ورسائله أن الاستثمار في الإنسان الأردني هو الرهان الأهم، وأن التعليم النوعي هو بوابة العدالة الاجتماعية والمستقبل الأفضل. واليوم، نشهد مرحلة جديدة من تفعيل هذه الرؤية، ليس بالشعارات، بل بالقرارات التي تستجيب لتطلعات المعلمين وتعيد لهم الهيبة والتحفيز، سواء من حيث بيئة العمل، أو فرص التدريب والتطوير، أو الحوافز المادية والمعنوية.
ولعل الأهم في هذه المرحلة هو أننا لا نرى استجابة ظرفية أو مسكنات مؤقتة، بل نرى نهجًا واضحًا بدأ يتشكل في عقل الدولة ومؤسساتها، عنوانه الشراكة مع القوى الفاعلة، والعدالة في توزيع التنمية، والجرأة في الإصلاح الهيكلي والإداري، والانحياز الواضح إلى الكفاءة والمصلحة الوطنية.
حين يصل النداء.. وتجد الأفكار طريقها:
لقد كتبت وناديت، مرارًا، عبر مقالاتي ومحاضراتي ومبادراتي، بمجموعة من الأفكار والرؤى التي تصب في خدمة الوطن وتنهض بالقطاعات الحيوية فيه، وعلى رأسها التعليم. واليوم، أشعر بسعادة حقيقية وأنا أرى أن النداء يصل، وأن هناك تجاوبًا واستجابة، ولو بشكل أو بآخر، لما نطرحه كأكاديميين وأصحاب اختصاص.
إن هذا التفاعل الإيجابي يعكس بوضوح اهتمام الدولة المتزايد برأي وخبرات أساتذة الجامعات والمفكرين، ويُعيد الثقة بالعلاقة بين صانع القرار ومنتج الفكر، وهي علاقة جوهرية لأي نهضة حقيقية مستدامة.
وهذا بحد ذاته محفز لكل من يؤمن بأن الكلمة الصادقة، والفكرة العميقة، والاقتراح المخلص، يمكن أن يُحدث فرقًا.
المعلم أولاً.. فهل تكون القطاعات الأخرى على الطريق؟
سعادتي بهذه القرارات نابعة من قناعة راسخة أن دعم وتمكين المعلم لا يُعد إنصافًا لفئة فحسب، بل هو استثمار ذكي في مستقبل الدولة كلها، وهو ما نأمل أن يمتد ليشمل قطاعات حيوية أخرى بحاجة ماسّة إلى نظرة إصلاحية مماثلة، مثل الصحة، والتعليم العالي، والنقل، والزراعة، والصناعة، وقطاع الشباب، والبيئة.
إن نهج الدعم والتحفيز لا يجب أن يكون انتقائيًا أو آنياً، بل ضمن رؤية وطنية شمولية، تعيد ترتيب الأولويات التنموية، وتكسر الجمود البيروقراطي، وتحفز الطاقات الكامنة في مؤسسات الدولة وفي المجتمع. لقد تعب الأردنيون من الانتظار، ويستحقون خطوات نوعية تشبه قرارات الأمس في جرأتها وواقعيتها.
تسريع واستدامة العملية التنموية:
إننا أمام لحظة فاصلة؛ فالعالم يتغير بوتيرة سريعة، والفرص تضيع إن لم نحسن اغتنامها. ومن هنا، فإن استدامة العملية التنموية في الأردن لا يمكن أن تتم إلا عبر نهج ثلاثي الأبعاد:
1. تمكين الإنسان الأردني بالتعليم والتدريب والتحفيز والعدالة.
2. تطوير المؤسسات لتكون مرنة، شفافة، ومسؤولة.
3. تحفيز الاستثمار والإنتاج في كل محافظة وقطاع، وربطها بخطط تنموية مكانية.
ولن يتحقق هذا دون إرادة سياسية صلبة، ورؤية تنفيذية واضحة، ومتابعة ميدانية دؤوبة، وهو ما نراه اليوم يتجسد تدريجيًا في أداء الحكومة الحالية بقيادة د. جعفر حسان.
تحية للمعلم الأردني في يوم انتصرت له الدولة فعليًا، وليس فقط رمزياً. وتحية لكل من يعمل بصمت وإخلاص من أجل أردنٍ أقوى وأعدل وأجمل. وأملنا كبير بأن يكون ما تحقق بالأمس خطوة أولى في مسار إصلاحي أوسع، يحاكي طموحات الأردنيين، ويعكس توجيهات قائد البلاد، الذي ما انفك يؤكد أن الإنسان هو أغلى ما نملك.
فلنستمر بهذا النهج، ولنجعل من الإنجاز عادة، ومن التمكين ثقافة، ومن الإصلاح نهجًا لا حياد عنه.