بين الشرق والغرب

بقلم: نادية إبراهيم نوري

من أغرب وأجمل القضايا التي شهدتها المحاكم السعودية، وربما المحاكم عمومًا، كانت قضية المواطن حيزان الحربي، الرجل المسن الذي نازعه شقيقه ليس على مال أو ميراث أو عقار، بل على شرف رعاية أمهما الطاعنة في السن.

حيزان الحربي، الرجل البسيط الوفي، أفنى حياته في خدمة والدته، يعتني بها ويرعاها بكل حب، حتى جاء اليوم الذي رفع فيه شقيقه دعوى يطلب فيها أن تكون الأم من نصيبه هو. لم يحتمل حيزان الموقف، فقال لأخيه: “بيني وبينك شرع الله”، واحتكما إلى القضاء.

حين طلب القاضي من الأم أن تختار بين ولديها، كانت إجابتها مؤلمة في رقتها:
“كيف أفاضل بين عيني اليمنى وعيني اليسرى؟”

حكم القاضي في نهاية الأمر أن تعيش الأم مع شقيق حيزان الأصغر، بحكم قدرته البدنية ووجود زوجته وأولاده ليساعدوه في مهمته. وقتها، انهار الحاج حيزان باكيًا، وقال كلمته الشهيرة:
“كيف لي أن أعيش وأمي على قيد الحياة ولا أكون تحت قدميها؟”
يا له من برّ! يا لها من إنسانية نادرة، تستحق أن تُروى لأبنائنا، وتُخلّد في ضمائر الأجيال.

وفي المقابل، قرأتُ عن رجل مسن في أمريكا رفع دعوى ضد ابنه الوحيد يطلب فيها نفقة شهرية. وبعد جلسات ومرافعات، قضت المحكمة بمبلغ زهيد. وحين سأله أحد الصحفيين عن جدوى القضية وتكاليفها، أجابه المسن بكل حزن:
“أنا لا أحتاج ماله، بل أحتاج أن يشعر بوجودي. أردت أن أذكره أن لي قلبًا ما زال ينبض، وأن والده ما زال على قيد الحياة. أردت فقط أن يزورني مرة في الشهر.”

شتان بين القصتين… بين رجل يتوسل ليبقى في خدمة أمه، وآخر يتوسل رؤية ابنه مرة واحدة.

نحن ننبهر كثيرًا بتقدّم الغرب التكنولوجي، لكننا نملك شيئًا أعظم بكثير: نملك الإنسانية، نملك البر، نملك الرحمة.
في مجتمعاتنا، لا تزال هناك شابة عشرينية، رغم عملها وأسرتها، تزور والديها يوميًا، تمنحهما من وقتها وحنانها. لا تزال هناك نماذج لشباب لا يدخلون بيوتهم إلا بعد الاطمئنان على آبائهم وأمهاتهم، يؤدون واجبهم نحوهم بكل حب.

هذه النماذج هي التي تُعطي للحياة طعمها الحقيقي، وهي التي تجعلنا نوقن أن الخير ما زال فينا، وفي أجيالنا القادمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى