لماذا نحن …!

بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
أكثر من 20 شهراً ونحن ننام ونصحو على أخبار القتل والتشريد والتدمير والمجازر مما يعانيه شعب غزة، وربما كنا قادرين على التعود مع كثير من الأحداث التي تمر بنا في حياتنا لتصبح روتيناً يومياً معتاداً، إلا أننا لم ننجح حتى يومنا هذا ولا نعتقد أننا سننجح يوماً في التعود على ما نراه ونسمعه يومياً من معاناة يعيشها شعب غزة الصامد الصابر.
وهنا يقفز سؤال طبيعي في ذهن أي إنسان من هؤلاء الصابرين الصامدين في أرضهم، أو حتى غيرهم ممن يعيشون المعاناة هناك.
لماذا نحن؟ لماذا يجب علينا نحن كأهل غزة وكشعب فلسطيني أن نتحمل كل هذه العذابات والقتل والظلم لأننا نسعى للحصول على حقنا الطبيعي في العيش في أرضنا ووسط أهلنا بعزة وكرامة كبقية شعوب الأرض الحرة.
وترى عند أي نقطة يمكن للعالم أن يأخذ خطوة حاسمة لوقف إراقة الدماء والإبادة المستمرة كل هذه الأشهر الطويلة لكل معاني الحياة في قطاع غزة ومعها مؤخراً كثير من مدن الضفة الغربية؟
ومن المنطقي أن نقول إن مثل هذا السؤال يجب توجيهه إلى الدول الكبرى في العالم القائمة على فرضية حفظ حقوق الإنسان ورعايتها، ومعها إلى كافة منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان في العالم وهي تقف عاجزة عن فعل شيء حتى بعد فقدان أكثر من 150 ألفاً من أهل غزة غابت أخبارهم ما بين القبور أو العاهات والإصابات المستديمة، وغيرهم الآلاف ممن بقي على قيدها أو أصبح ميتاً يمشي على قدمين!
لكننا لن نوجه هذا السؤال لا إلى دول ولا منظمات أو مؤسسات بعد أن أصبحت سياستها واضحة وضوح الشمس بعد كل ما جرى ويجري على الأرض في فلسطين من مجازر يومية يندى لها جبين الإنسانية.
لكننا نتوجه به إلى هدي رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم لعلنا نجد إجابة شافية هناك، وهو الذي علمنا بأن الصبر هو المفتاح لكل نجاح وفلاح في الدنيا والآخرة.
كما تعلمنا منه بأن من سنن الله المقررة على عباده في هذه الدنيا أن يبتلي عباده المؤمنين بالضراء كما يبتليهم بالسراء، ويمتحنهم بالمحن كما يمتحنهم بالمنح، ويبلوهم بالشر كما يبلوهم بالخير، وربما كانت من أكبر الشبهات التي يلقيها أهل الإلحاد على المؤمنين مسألة الابتلاء بالضراء، فيقولون: لماذا خلق الله الشر في الدنيا؟ ولم يعلموا بأن هذه الدنيا دار ابتلاء وليست دار الجزاء، وعن أن الجزاء يكون في دار المقامة الدار الآخرة حيث لا ظلم ولا طغيان بل عدل أعدل العادلين عزوجل وقتها فقط.
ونقف هنا عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن اللَّه إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» رواه الترمذي.
وقد قيل للإمام الشافعي رحمه الله: يا أبا عبد الله! أيهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى (أي بالضراء) ؟، فقال: لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله تعالى ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً عليهم الصلاة السلام فلما صبروا على الابتلاء مكنهم الله.
وقد ذكر الله عزوجل في كتابه القرآن الكريم عظم جزاء الصابرين على البلاء فقال تعالى: {ولنبلوكم بشيء من الـخوف والـجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للَّه وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم الـمهتدون} الآيات 155-157 من سورة البقرة.
فسلام الله عليكم يا أهل غزة ومعكم كل المستضعفين الصابرين الصامدين في وجه الطغيان في كل ربوع فلسطين، سلام عليكم بما صبرتم وتصبرون وستصبرون، وأنتم تعاينون وتكابدون من الأهوال والعذابات ما قد تنهار معها أعظم الجبال وأعتاها، ولكنكم ما زلتم تعلمون العالم بأسره دروساً جديدة في الصبر والإيمان والاحتساب بعد أكثر من 600 يوم من المعاناة، فهنيئاً لكم عظم الثواب على عظم صبركم، وعوضكم الله عن هذا الصبر أجمل العوض وضاعف لكم الأجر والثواب، وأبدل دموعكم دموع فرح وسعادة، وجبر خواطركم جبراً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطا