“الكلب الجائع”… ومَن يُنقذ المنقذ؟

بقلم: نادية إبراهيم نوري
على رمال غزة الباردة، وفي قلب المعاناة اليومية تحت القصف والتهجير، كان شابٌ غزاويٌّ يواجه قسوة الحياة بلا غطاء، بلا طعام، بلا نار تمنحه دفئًا. في خيمته المتهالكة، يحاول أن يحتمي من شتاء قاسٍ لا يرحم، كحال آلاف المنكوبين الصامدين.
ذات ليلة، شعر بحركة خارج خيمته، فخرج مستجيبًا لنداء ربما يحمل له عونًا. لكن المفاجأة لم تكن إنسانًا… بل كلب هزيل، مبلل، مرتجف من البرد والجوع. اقترب الكلب من الشاب، وهزّ ذيله بفرح وامتنان، وكأنّه وجد أخيرًا من يفهم مأساته.
ولأن قلب الشاب أوسع من خيمته، احتضن الكلب، نشف شعره بيديه، ودفأه بحنانه. بحث عن بقايا طعام في خيمته الفارغة فلم يجد. خرج يتنقل بين الخيام الأخرى، لكن الجميع كان جائعًا مثله. فعاد، ولفّ الكلب ببطانيته الوحيدة، وناما معًا بسلام لا يعرفه سوى الفاقدين لكل شيء.
فجرًا، استيقظت أخته للصلاة، فرأت المشهد المؤثر: أخوها يحتضن الكلب النائم بدفء نادر. التقطت صورة ونشرتها على وسائل التواصل، وكتبت ببساطة:
“جاءنا زائر جائع… ولم نجد ما نسد به جوعه.”
في صباح اليوم التالي، استيقظ الشاب على آلاف التعليقات والإعجابات والمشاركات. ابتسم مازحًا لكلبه وقال: “أصبحنا من المشاهير!”
انتشرت الصورة كالنار في الهشيم، تُرجمت إلى سبع لغات، وشاهدها أكثر من خمسة ملايين شخص في أسبوع. تسابقت جمعيات الرفق بالحيوان من أنحاء العالم لتبنّي الكلب. وصار يُعرف بـ**“الكلب الجائع”**، وظهرت فيديوهات مؤثرة لأشخاص من مختلف الأعمار والجنسيات يبكون حاله.
لكن المفارقة المحزنة؟
لا أحد سأل عن الشاب.
لا أحد تساءل إن كان ما يزال حيًّا، إن كان قد وجد طعامًا، إن كان مصابًا أو بُترت أطرافه، إن كان يحترق الآن في خيمته المحترقة.
كلّ الأنظار كانت على الكلب… فقط.
وهنا أطرح السؤال:
أيّ إنسانية هذه التي ترقّ لقلب كلب وتتجاهل قلب شاب يحمل أسمى معاني الرحمة؟
أيّ عالم هذا الذي يبكي من أجل حيوان، ويصمّ أذنيه عن صرخات الأطفال، والأمهات، والشيوخ في غزة؟
هل أصبح الإنسان لا يعني الإنسان شيئًا؟
أنا لا أستنكر الرحمة بالحيوان، فديني علّمني أن امرأة دخلت النار في قطة، وأن رجلًا دخل الجنة لأنه سقى كلبًا.
لكن ديني أيضًا قال إن حياة الإنسان أغلى من الكعبة، وإن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا.
فلنتأمل: من يستحق الصورة؟ الكلب… أم الذي أنقذه