نصيحة أخوية لخليل الحية وحركة حماس راجعوا خطابكم تجاه الأردن

مهدي مبارك عبد الله

في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية تراجعًا على الصعيد الدولي وتصعيدًا على الأرض وتحتاج فيه إلى وحدة السواعد على جبهة واحدة أطل خليل الحية عضو المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة علينا أواخر يوليو 2025 بخطاب استفزازي مرفوض دعا فيه الشارع الأردني إلى ” هبة شعبية ” وهذا لم يكن مجرد تمرد لفظي بل إعلان مفاجئ لخيار فتح جبهة منفصلة مع حليف استراتيجي في ساحةٍ يفترض أن نجتمع فيها لصالح القضية يسعى البعض إلى تفكيك الروابط العربية بدلاً من تقويتها وإشعال الأزمات سياسية بدل من اطفائها في وقت يستلزم فيه أن نكون جميعًا في خندق واحد وضد عدو مشترك

تصريحات الحية طفت على السطح كعائق أمام استقرار العلاقة الفلسطينية الأردنية حيث فتح الحية جبهة غير محسوبة مع الأردن الحليف التاريخي والداعم الرسمي والشعبي لقطاع غزة ولم يكن ذلك مجرد خطأ في الكلام بل تجاوز خطير للسياقات السياسية والأخلاقية تجاه الأردن الذي وقف ملكا وحكومة وشعبا إلى جانب غزة وشكل ركيزة استراتيجية لا غنى عنها ولم يكن خصما او عدوا حتى يخاطب بلغة التحريض مما يستدعي توجيه رسالة تحذيرية إلى قيادة حماس مفادها ( راجعوا خطابكم فورا تجاه الاردن ) قبل أن تتحول الكلمات غير اللائقة والمستفزة إلى ألغام تهدد العلاقات الاخوية والدعم الثابت الذي لا يمكن تعويضه في هذه المرحلة

في سياق العلاقات الفلسطينية الأردنية لا يمكن تجاهل أن الأردن لطالما كان البيت الكبير الذي احتضن القضية الفلسطينية بكل مآسيها وأحلامها بدءا من استضافة اللاجئين إلى الدعم السياسي والإنساني المتواصل مرورا بالسماح لقادة حماس بالدخول للمملكة في مناسبات عدة رغم القطيعة السياسية فقد تأكد أن الأردن ليس مجرد جارا جغرافيا بل شريكا لا غنى عنه في المعركة الوطنية المشركة وان تجاهل هذا الواقع من قبل الحية ليس مجرد هفوة بل تدخل سافر قد يضر بمستقبل الدعم الاردني الذي يعول عليه شعب غزة كثيرا

لقد تجاوز خليل الحية في خطابه كل الحسابات الرسمية حين قال “يا أهلنا في الأردن يتطلع شعبنا لكم بكثير من الأمل أن تواصلوا هبتكم الشعبية لمنع اليمين الصهيوني من تحقيق مخطط وطن بديل وتقسيم المسجد الأقصى ” والغريب والمثير للقلق أن الحية تجاهل في حديثه عن ذكر الأردن بين الدول التي شكرها على دعمها لغزة وكأن المملكة الاردنية غير موجودة على خارطة الدعم الفلسطيني منذ زمن بعيد إضافة إلى ذلك ان دعوته للشعب الأردني للقيام بهبة شعبية تعبر عن تجاوز للحدود السيادية وتصرف لا يليق بالقيادة السياسية التي يفترض أن تراعي حساسية العلاقات بين الدول وظروف المنطقة

الخطاب التثويري غير الموفق الذي اطلقه الحية أثار موجة استياء واسعة في الأردن حيث اعتبر مراقبون سياسيون أنه لم يحترم قواعد الدبلوماسية السياسية وتدخل في شؤون دولة ذات سيادة مما فتح الباب أمام الريبة والشكوك حول نواياه فيما وصفه البعض الاخر بأنه جحود لكل تضحيات الشعب الأردني ونكران لمواقف الأردن الذي فتح أبوابه للفلسطينيين في كل الظروف والاوقات الصعبة واستمر الدعم على كافة المستويات لا يمكن تجاوزها بسهولة فيما كان على الحية ان يعلم جيدا بان الأردن يمثل صمام أمان للشعب الفلسطيني ولا يجوز تجاوز مكانته في أي خطاب رسمي مع ضرورة الحفاظ على هذا دعمه الاستراتيجي الهام

المنطق العروبي يوجب في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ الفلسطيني السعي المشترك لتوطيد وحدة الصف الداخلي والدعم الخارجي تجاه غزة الجريحة وشعبها الصامد وليس اختلاق مزيدا من الاستعداء والفوضى الخطابية التي تقوض مكانة الحلفاء مثل الأردن الذي كان دائما داعما موثوقا في أصعب الظروف وان فتح جبهة جديدة مع الأردن الآن تعني تسهيل مهمة العدو الصهيوني بتقويض ما تبقى من الصف العربي في الوقت الحالي الذي يفترض فيه التركيز على العمل الدبلوماسي والإنساني المشترك لا على التصعيد الإعلامي الفوضوي و غير المسؤول

تصريحات الحية أربكت البوصلة دون مراعاة ان الكلمة بمثابة سلاح لا يشهَر في وجه الحلفاء في لحظة سياسية بالغة الحساسية وما قاله لم يكن مجرد زلة لسان عابرة بل سقطة سياسية تحسب بحجمها وتأثيرها على قيادة حركة حماس نفسها فحين يخاطب مسؤول في صف القيادة الأولى الشارع الأردني متجاوزًا الدولة ومتجاهلًا دعمًا ممتدًا من عمان إلى غزة فإن الأمر يتجاوز الانفعال ليقترب من تهديد ناعم للعلاقات العربية البينية التي بنتها التضحيات والدماء والمواقف والسؤال بصراحة لماذا لم يتذكر الحية مواقف الأردن الذي فتح أبوابه في محطات تاريخية عديدة لأخوته الفلسطينيين ولم يكن ولن يكون يومًا متخاذلًا في دعم غزة سياسيًا وشعبيًا فهل يكون من العدل ان يكافأ بهذا التجاهل وهل تختزل مواقفه وتضحياته في خطاب شعبوي عابر يعتمد على الاثارة وتدبيج العبارات

الم يكن الأجدر بالحية أن يذكر الأردن بالاسم وأن يشكر جهوده في استقبال الجرحى وإرسال المساعدات واحتضان القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ضمن الدول الـ15 التي شكرها في خطابه لا أن يخاطب الشعب الاردني وكأن لا دولة لخ ولا نظام فيه في تجاوز صارخ للسيادة والدبلوماسية وإن خطورة ما قاله الحية لا تكمن فقط في محتواه بل في توقيته ايضا وفي الرسالة السياسية التي وصلت إلى عمان وربما غيرها مفادها أن حماس باتت ترى التحشيد الشعبي بديلاً عن التنسيق السياسي وأنها لم تعد تفرق بين خطاب الداخل والخارج

نصيحتي الشخصية إلى خليل الحية وحماس أصدروا توضيحًا مباشرًا يقدر دور الأردن واعيدوا الاعتبار للخطاب المتوازن ولا تفتحوا جبهات مع من وقف مع غزة وقت الحرب واحتضنها وقت الحصار وثبتوا خطوط العلاقة مع الحلفاء بناء على الاحترام والتقدير بعيدا عن الإغفال والإقصاء وتفهموا أن الشعوب قد تخاطَب بالعاطفة ولكن الدول تخاطَب بالمسؤولية كما ان الحركة مدعوة عاجلا و بصورة عقلانية واخلاقية للعمل الفوري لإصلاح الخراب وتجاوز الاثار السلبية لخطاب الحية بالاعتذار الرسمي للأردن والاعتراف بدور المملكة الداعم للفلسطينيين على جميع المستويات وفتح قنوات حوار مباشرة مع القيادة الأردنية والعمل على تعزيز الخطاب السياسي والديبلوماسي المسؤول الذي يؤكد على وحدة الموقف الفلسطيني الأردني في مواجهة الاحتلال مع التأكيد على ان سقف الشكر الوطني لا يجري بالاستعراض ولا بد من تكرار اعتراف عضو الحركة القيادي باسم نعيم بأن الأردن ” ملكًا وحكومةً وشعبًا مصدر فخر واعتزاز لحماس وأنه لا يمكن استبداله في دعم القضية

في ذات السياق وما يجب ان نقوله بوضوح وصراحة لجميع الأخوة المناصرين والمؤيدين لحركة حماس ولكل من يؤمن بقضية فلسطين وعدالتها وحق اهل غزة في النضال والحياة والطعام وفك الحصار يجب أن نعي جيدا أن معركتنا مشتركة والعدو واحد وأن فتح جبهات داخلية مع حلفاء استراتيجيين لن يخدم إلا مشاريع الصهاينة بزرع التفرقة والتقسيم والأردن وقف مع فلسطين وغزة بالدم والجهد وشعبه قدم الكثير من الدعم والتأييد فلنحافظ على هذا الرابط ولا ندع تحريضا ربما كان غير مقصود يضعف موقفنا الموحد

معلوم للجميع اننا في معركتنا ضد الاحتلال الصهيوني لا نملك ترف التفريط بالحلفاء ولا مجال لفتح النار على من ظلوا إلى جانبنا رغم كل الصعاب والتحديات فالكلمة بالمعول إما أن تبني جدار دعم جديد أو تهدم جسرًا لا يمكن ترميمه بسهولة وما قاله الحية كان أقرب للهدم لكنه لا يزال قابلًا للإصلاح إن توفرت النية الصادقة والشجاعة الكافية سيما وان الدعم الأردني ثابت ومهم والمملكة معنية ان تحافظ على سيادتها عبر التوازن ودعم القضية فلسطينيًا ودوليًا بينما الخطاب التحريضي يعزل حماس عن الحاضنة العربية في الوقت لا يحتمل مزيد من الفُرقة والخلافات في ظل الحصار والعدوان ولا يمكن إشغال الشارع الأردني بدعوات تعبئة داخلية قد تولد نتائج عكسية على القضية

رغم ابعاد قادة حماس من الاردن واغلاق مكاتبها والتوتر الذي شاب العلاقة بينهما منذ عام 1999 سمح الأردن لم تخلط المملكة في دعمها للقضية بدعم للفصيل محدد بل حافظت على موقف وطني شامل حتى في خضم ضغوط إقليمية وعالمية حيث بقي الأردن الحاضن الرسمي والإنساني لغزة

الخلاف حول ما اهلنه حليل الحية في خطابة ليس شخصيًا بل هو تعبير عن أزمة في الرؤية وإذا لم تصحح حماس وجهتها وخطاباتها فإنها تؤسس جسر رفيع من الاستقطاب الداخلي إلى الساحة الإقليمية خصوصا وان الطريق نحو الأردن لا يفعل بالتحريض بل بالإقرار بالدور التاريخي والتقدير للدور الذي انتهجته عمان أمام قادة الحركة في أوقات الفاجعة الإنسانية والتأكيد على ان زمن الخطابات النارية لم يعد مفيدًا ويجب ان ننتقل إلى مرحلة الاعتراف والحوار والدبلوماسية المسؤولة

تجاوزات الحية ووجهت برفض كبير من نخب وقادة فلسطينيين وأردنيين ومتابعين للقضية واعتبرت تجاهله لشريك استراتيجي قدم الدم والتضامن في أحلك الظروف ليس عابرًا بل استهداف خطير للسيادة الأردنية وتدخل مباشر في شؤون الدولة والنظام حيث فتح أبواب الشك والريبة حول نوايا الخطاب وتوقيته مع الاصرار على ان الأردن ليس مجرد دولة عربية داعمة بل هو القلب النابض للصمود الفلسطيني والركيزة الأساسية في استقرار غزة ودعمها وخطاب الحية عكس ضعف في تقدير العلاقات السياسية ونقص في الحكمة التي تتطلبها المرحلة الراهنة وإذا أرادت حركة حماس الحفاظ على موقعها ومصداقيتها فعليها أن تتدارك الموقف سريعا وتعترف بالخطأ وتعيد المياه إلى مجاريها

السؤال المطروح هل أراد الحية فعلاً تحفيز تضامن شعبي أم أن خطابه بدا أقرب إلى التحريض على الدولة الأردنية ومؤسساتها حيث لم يكتفِ بتجاهل الدور الرسمي للأردن بل قفز فوق ذلك نحو دعوة ضمنية لتجاوز الدولة ما اعتبره مراقبون عديدون خرقًا للياقة السياسية وفهما خاطئًا لمعادلة العلاقات بين الشعوب والأنظمة

مواقف الاردن اتجاه عزة وفلسطين والاقصى لا تحركها المزايدات او تضبط ايقاعها الشعارات والدعوات الجياشة فقد ادان الاردن الحرب الاجرامية على غزة ودعم الرواية الفلسطينية في المحافل المحلية والاقليمية والدولية وقد سبق له ان فتح المجال لخالد مشعل في عام 2009 لتشييع والده ثم في عام 2016 لتشييع والدته رغم القطيعة آنذاك مع حماس ولم يكن ذلك إلا دليلاً على نبل وسموّ الموقف الأردني ولا يفوتنا التذكير ايضا بموقف الرحل جلالة الملك الحسين من محاولة اغتيال مشعل في عمان وانقاذ حياته واستقبال الدكتور موسى ابو مرزوق عام 1997 ضيفا على الاردن بعد ترحيله قصرا من امريكا كما أرسل الأردن طائرات إغاثة وأقام مستشفيات ميدانية وفتح حدود الدعم رغم ظروفه الداخلية والضغوط الدولية ومع كل ذلك لم يذكر الحية المملكة الأردنية ضمن الدول التي شكرها في خطابه ما اعتُبر طعنة معنوية في خاصرة العلاقة التاريخية

للحقيقة المؤكدة ان تجاهل أو جرح الأردن قد يكون باهظا على غزة وعلى القضية الفلسطينية كلها وان دعوة الشارع الأردني إلى التعبئة الداخلية تُفقد القضية تماسكها العربي وتبقي الباب مفتوحًا لمن يحاول استغلال التوتر لتمرير أجندات خارجية وهذه اللحظة الحاسمة تتطلب تكثيف الجهد على الفعل العملي والإغاثي والدبلوماسي لا الشعارات الفارغة أو الزخم الإعلامي الذي لا يؤتي ثمارًا ملموسة

الاردن وفلسطين يرتبطان بقواسم وقيم مشتركة لا ينبغي ان يكون بينهما أي تنافر او استفزاز والاردن دولة مستقرة داخليًا وهو حفاظ على مصالحه بما يجده مناسب ولا يحتمل أن يزج به في عمق الازمات بأسلوب الشارع العشوائي سيما انه يقف مع غزة بمنطق الدولة لا بمنطق الفوضى والتحريض والشعب الأردني بعمومة لا يتلقى الأوامر أو التوجيهات من أي فصيل فلسطيني أو زعيم خارجي بل يأخذ قراره من قيادته الشرعية ومؤسساته الوطنية والمطلوب من قيادات المقاومة انتهاج خطاب ناضج يوازن بين الكلمة الصلبة والرؤية الاستراتيجية الجادة دون الدخول في متاهات التفسير والتأويل وازدواجية المعايير

باحث وكاتب مختص في الشؤون السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى