يا ليتنا نصحو قبل فوات الأوان

بقلم: نادية إبراهيم نوري

راودتني قصة قديمة، رغم بساطتها، إلا أن معانيها عميقة وعِبرها جليّة. تذكرتها وأنا أرى كيف غابت البركة عن الوقت، وأصبح كثير من الناس – من مختلف الأعمار – يبددون أوقاتهم بلا وعي، غير مدركين أن كل ساعة تمر هي نقص من أعمارهم، وخسارة لا تعوّض.

تحكي القصة عن صيّاد بسيط، كان يخرج كل صباح إلى البحر يسعى في طلب رزقه، يصطاد ما تيسّر له من السمك، يبيعه في السوق، ويعود إلى أسرته بما يكفي قوت يومهم، حامدًا الله على نعمه.

وذات يوم، رزقه الله صيدًا وفيرًا، فباع جزءًا منه، واحتفظ بأكبر سمكة ليأخذها إلى أهله. وعندما قامت زوجته بتنظيف السمكة، وجدت في جوفها لؤلؤة كبيرة، نادرة في شكلها ولونها. أسرعت إلى زوجها تخبره بما وجدت، فغمرته الفرحة وهرع إلى السوق وهو يحلم بما سيعود عليه من ثمنها.

أخبره أحد الصاغة أن هذه الجوهرة فريدة وغالية لا يقدر على ثمنها، ونصحه بالذهاب إلى الملك. وبالفعل، عرض الصياد الجوهرة على الملك، فانبهر بجمالها، وقال له: “لن أشتريها منك، ولكنك تستحق مكافأة أعظم. سأمنحك فرصة لدخول غرفة كنوزي، تأخذ منها ما تشاء، لكن بشرط: لديك فقط ست ساعات، وبعدها عليك المغادرة فورًا.”

تهلّل وجه الصياد وقال في نفسه: “ست ساعات؟ أحتاج فقط إلى ساعتين لأحمل ما يكفيني طوال حياتي.”
دخل الغرفة، فانبهر بما رأى من ذهب وأحجار كريمة، لكنه فوجئ بطاولة عامرة بأشهى المأكولات. قال في نفسه: “سأتناول القليل لأتقوى على حمل الذهب.” أكل حتى شبع، ثم شعر بالتعب، فاستلقى على سرير فاخر كان في الغرفة، ليرتاح قليلاً… لكنه غرق في نومٍ عميق.

استيقظ على صوت الخادم ينبهه بانتهاء الوقت. توسل إليه أن يمنحه دقائق إضافية، فقط ليأخذ قطعة من الذهب، لكن الخادم رفض، وأمره بالخروج فورًا. لجأ إلى الملك يطلب العفو، إلا أن الملك زجره وقال: “منحتك ست ساعات كاملة، لكنك أضعتها، فلا عذر لك الآن.”
خرج الصياد من القصر حزينًا، يعتصره الندم.

**

هذه القصة ما هي إلا مرآة لحال الكثيرين منّا. نستهين بالوقت، ونؤجّل، ونؤمن أن لدينا “الكثير من الوقت” لتحقيق أهدافنا أو التوبة أو الجد والاجتهاد. لكن الحقيقة أن الوقت لا ينتظر، وأن العمر يمضي أسرع مما نتصور.
• كم من شاب غفل عن عمره، وانشغل باللهو، ثم استيقظ فجأة ليجد قطار العمر قد مضى، حاملاً معه شبابه وصحته؟
• وكم من طالب أضاع عامه في التساهل واللهو، ثم ندم في نهاية السنة حين وجد الجميع يحتفلون بالنجاح إلا هو؟
• وكم من عاصٍ ظن أن أمامه متّسع من الوقت ليتوب، فتأخّر حتى جاءه الموت بغتة، وهو ما زال غارقًا في الذنب؟

الله عز وجل حذّرنا من التسويف، حين قال في كتابه الكريم:

“حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت. كلا، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.”
[المؤمنون: 99–100]

فيا ليتنا نُفيق قبل أن تضيع أعمارنا، ونتعلم كيف نستثمر أوقاتنا فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة. فالفرص لا تتكرر، والوقت لا يعود، ومن لا يدرك قيمة اللحظة اليوم، سيبكي عليها غدًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى