جمالية الموائل السياحية في العقبة؛ مرجان ينقذ الكوكب وبيئات محيطة تتعايش مع الجفاف

كتبت رهام العمريين
تتربع محافظة العقبة على خريطة السياحة العالمية كوجهة استثنائية، لا بفضل شواطئها الخلابة فقط، بل لأنها مختبر طبيعي حيّ يكشف قدرة النظم البيئية على التكيف مع التغيرات المناخية.
ففي خليج العقبة تنبض الشعاب المرجانية الأكثر مقاومة لظاهرة الاحترار العالمي، حيث يصفها العلماء بأنها “أمل الكوكب الأخير” لحماية الحياة البحرية، بينما تعكس البيئات البرية المحيطة قدرة فريدة على التعايش مع ندرة المياه والجفاف، لتشكل معًا لوحة من الجمال الطبيعي والفرص السياحية النادرة.
مرجان العقبة: كنز بيئي عالمي
تُعد شعاب خليج العقبة ثروة بيئية لا مثيل لها عالميًا. ففي الوقت الذي تتعرض فيه معظم الشعاب المرجانية حول العالم للتبيض والانقراض بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أظهرت أبحاث علمية حديثة أن مرجان العقبة يتمتع بمرونة وراثية وقدرة عالية على التكيف مع تغيرات المناخ، ما جعله مرشحًا ليكون أساس برامج إنقاذ الشعاب المرجانية عالميًا.
هذا التميّز البيئي يعزز من قيمة العقبة كوجهة للسياحة العلمية والبيئية، حيث يمكن للزوار والباحثين على حد سواء استكشاف هذا التنوع الفريد، والغوص بين الشعاب النابضة بالحياة التي تحتضن أكثر من 200 نوع من الأسماك و300 نوع من الكائنات البحرية.
بيئات برية تتحدى الجفاف
لا يقتصر التميّز البيئي للعقبة على البحر فقط؛ فالمناطق الجبلية والصحراوية المحيطة تُظهر نظمًا بيئية برية متكيفة مع الجفاف والحرارة العالية.
تتناثر في هذه الموائل نباتات وأشجار أصيلة مثل العاقول والشيح والطلح العربي، التي تدعم توازنًا بيئيًا مهمًا، بينما توفر المناطق الرطبة المؤقتة في مواسم الأمطار ممرات حيوية للطيور المهاجرة في رحلاتها بين آسيا وأفريقيا.
هذا التنوع البري الفريد يفتح الباب أمام أنماط جديدة من السياحة مثل سياحة مراقبة الطيور، والهايكنج، والسياحة الجيولوجية التي تعكس العمق التاريخي والجيولوجي للمنطقة.
التحديات التي تهدد هذه الجمالية
رغم هذا الثراء البيئي، تواجه العقبة تحديات متسارعة، أبرزها:
التغير المناخي: ارتفاع درجات الحرارة وازدياد حموضة المياه يشكلان تهديدًا صامتًا للنظم البحرية.
الزحف العمراني: التوسع السريع في المشاريع السياحية والتجارية يقلص بيئات الطيور المهاجرة ويغيّر الهوية التقليدية للمدينة.
الضغط السياحي المفرط: الاستخدام العشوائي للشواطئ ومواقع الغوص يعرض الشعاب المرجانية والأحياء البحرية للتلف.
استراتيجية لحماية العقبة وتحويلها إلى نموذج عالمي
للحفاظ على هذه الموائل الفريدة وتحويل العقبة إلى نموذج عالمي للسياحة البيئية المستدامة، يجب تبني خطوات عملية، من أهمها:
1. تعزيز السياحة المسؤولة
توعية الزوار بأهمية احترام النظم البيئية، وعدم الإضرار بالشعاب المرجانية أو رمي النفايات في البحر والشواطئ.
2. تطبيق إدارة بيئية ذكية
مراقبة الأنشطة البحرية والسياحية، وتحديد الطاقة الاستيعابية للشواطئ ومواقع الغوص، وتطبيق تشريعات صارمة للحد من التلوث البحري.
3. التخطيط العمراني المتوازن
دعم المشاريع الصديقة للبيئة التي تحافظ على هوية المدينة وتضمن انسجام التنمية مع النظم البيئية.
4. تمكين المجتمع المحلي
إشراك السكان والشباب في مبادرات حماية الموائل وتنظيم حملات توعية، بما يعزز الانتماء البيئي ويوفر فرص عمل محلية.
5. التوثيق والابتكار
استثمار تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لتوثيق الشعاب والموائل، ما يتيح الترويج العالمي للعقبة ويجذب فئات جديدة من السياح.
من “فرصة أخيرة” إلى “فرصة متجددة”
العقبة ليست مجرد وجهة سياحية تقليدية، بل رسالة بيئية عالمية. إذا ما جرى التعامل معها برؤية مستدامة وتكاملية، يمكن أن تتحول من موقع مهدد إلى نموذج دولي للتعايش بين الإنسان والطبيعة.
إن حماية مرجان العقبة وموائلها البرية ليست مسؤولية محلية فحسب، بل هي واجب إنساني عالمي، فهنا تكمن فرصة نادرة لإنقاذ كنز طبيعي يخدم كوكب الأرض بأسره، ويجعل من العقبة وجهة متجددة عبر الأجيال.