هل يفعلها معالي يوسف العيسوي ؟

مهدي مبارك عبد الله

بداية ارجو ان انوه بانني لا أعرف الفتاة هبة محمد خليل ولم ألتقِ بها يومًا ولا تربطني بها أي صلة قرابة أو معرفة قريبة أو بعيدة لكنها دخلت إلى قلب وضمير كل أردني شريف بفعلها العظيم لا بجاهها ولا شهرتها ولا مالها حيث اكدت بأمانتها النادرة بأن هذا الوطن الغالي لا يزال يزهر بداخله رجال ونساء لا يبدلون القيم بالمغريات ولا يستبدلون خشية الله بالخوف من الفقر حين كانت هبة أمام امتحان عسير لو وضع فيه كثيرون ربما لمالت نفوسهم وتبدلت قيمهم لكن هبة اختارت أن تبقى جبلًا شامخا لا يهتز وأمانة لا تمس حيث سجلت موقفًا يكتب بماء الذهب بعدما عثرت بالصدفة على مبلغ كبير من المال يتجاوز 27 ألف دولار داخل مستشفى البشير أثناء تنظيف القاعة الحرجة ولم تتردد لحظة في تسليمه لمفرزة الشرطة بكل تجرد ونقاء

ما قامت به هذه الفتاة البسيطة في وظيفتها الكبيرة يأخلاقها لا يمكن أن يقرأ على أنه مجرد موقف عابر بل هو تكريس حي لقيم تربى عليها الكثيرين من الأردنيين في بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم وهي ليست حالة فردية وإنما مرآة صافية تنعكس فيها صورة مجتمع نقيّ لم تفسده كل تقلبات الحياة ولا أزماتها الاقتصادية وقد آن الأوان أن ننقل مثل هذه المواقف إلى الضوء لا أن نتركها في الظل وأن نكرم أصحابها لا أن نكتفي بتصفيق صامت وكلمات ثناء مؤقتة

إدارة مستشفيات البشير بادرت إلى شكر العاملة هبة وهذا أمر محمود لكننا نطمح بأن يكون هذا التقدير كبير بحجم الموقف وأن تمنح هذه الفتاة مساحة اوسع من التقدير الرمزي والمعنوي في أعلى مراتب الدولة لأن ما قامت به هو تربية وطنية ودرس أخلاقي نحتاج أن يروى في المدارس والمعاهد والجامعات لا أن ينسى على الأرصفة ومتاهات الحياة وهي التي ضربت بأمانتها أروع الأمثلة في زمن ضعفت فيه المبادئ وانحدرت القيم فكانت الموقف الصلب الذي يثبت أن الخير لا يزال في نفوس الأردنيين رغم كل ما يعنون من صعوبات في تدبير لقمة العيش الكريم

في ذات الوقت الذي تُكرم فيه المبادرات الاقتصادية والمجتمعية والثقافية والرياضية والفنية والادبية فإن مبادرة هبة الأخلاقية لا تقل عنها إن لم تَفُوقها فهي قدمت ما لا يشترى ولا يباع ( أمانة القلب ونقاء السريرة وخشية الله ) ولو كان هذا الفعل النبيل قد صدر عن شخصية معروفة أو مشهورة مجتمعيا لانهالت عليه أضواء الإعلام وفتحت له جميع الأبواب فهل سنظل نغفل عن ( الأبطال الحقيقيين ) الذين يعملون بصمت ودون انتظار عدسات او تصفيق أو مديح عابر

امام تلك اللحظة الوطنية غامرة لا يمكن للضمير الحي أن يتجاهل الدور الكبير لرئيس الديوان الملكي الهاشمي معالي الأستاذ يوسف العيسوي هذا الرجل الذي لم يعد مجرد مسؤول إداري بل اصبح مَعلَمًا وطنيًا بارزا في تجسيد رؤى جلالة الملك عبدالله الثاني في تحويل الديوان الملكي إلى بيت عامر للأردنيين جميعًا حيث يجد فيه الشيخ والطفل والمرأة والمُبدع والفقير والمريض وكل صاحب مظلمة أو حاجة أذنًا صاغية وقلبًا مفتوحًا وصدرًا يتسع لهمومهم كلها

معالي العيسوي شخصية كاريزمية من طراز استثنائي ليس كغيره من المسؤولين بل هو في حقيقته وتاريخه وفطرته مؤسسة إنسانية ناطقة باسم الرحمة والعدل حيث أمضى ما يزيد عن ستين عامًا في الخدمة العسكرية والمدنية ظل خلالها الرجل الانسان الذي عرف الناس كيف يحبونه قبل أن يعرفوا ما هو منصبه كما بقي رجل إذا دخل إلى مكان دخل قبله الإحساس بالأمان وإذا حضر إلى مجلس شعر الناس بأن للدولة قلبًا لا مجرد قوانين وإن بيوت الأردنيين ستظل بخير ما دامت أبواب الديوان الملكي مفتوحة وفيه رجال من طينة يوسف العيسوي البار الوفي الصادق الامين

معالي الاستاذ العيسوي ذلك الرجل الذي إذا ذُكر اسمه استقامت المعاني وتناسقت القيم وعادت الطمأنينة إلى قلب المواطن البسيط وهوايضا رجل إذا أُثني عليه فإنما يُثنى على خلق جم ونبل فريد وعطاء لا ينضب حيث حمل أمانة الدولة في يدٍ وهموم الأردنيين في اليد الأخرى فسار مستقيمًا نزيهًا ومتواضعًا وعميقًا في إنسانيته ونقيًا في مسيرته أبيض القلب والسيرة ناصع الفكر والمسسيرة منفتحًا على كل الناس غنيهم وفقيرهم وشيخهم وشابهم ومبدعهم ومظلومهم ورائدهم وبسيطهم

كما ضرب ابو حسن على الدوام أروع الأمثلة في التكريم والإنصاف وهو يستقبل أصحاب المبادرات والمخترعين ويواسي الثكالى ويكرّم عوائل الشهداء ويشد على أيدي المبدعين والنشطاء ويواكب الحالات الإنسانية على امتداد رقعة الوطن فهل يمكن أن نرى قريبا في هذه الفتاة النبيلة نموذجًا يستحق أن يستقبله ويحتفي به كما استقبل الآخرون وهل يكرم فعلها النقي ليكون قدوة لأولادنا وبناتنا ودرسًا في التربية الوطنية الحديثة التي تبني الوطن بالضمير قبل الخطط والامكانيات

من الضروري جدا ونحن نتحدث عن قيم التقدير والتكريم والاحترام ان لا ننسى تلك اللحظة الملكية الاستثنائية التي أصبحت حديث الأردنيين يوم أن التقطت عدسة عابرة صورة لعامل الوطن خالد الشوملي وهو يقف خارج أحد المقاهي يتابع مباراة النشامى من خلف الزجاج عاجزًا عن الدخول كغيره لمشاهدة منتخب بلاده فبلغت تلك الصورة الى قلب جلالة الملك عبد الله الثاني الذي لم تمر عليه المشاعر النبيلة مرور العابرين بل التقط الموقف بعين الإنسان الحقيقية لا بعين الحاكم فقط فكانت المفاجأة الكبرى بأن استضاف جلالته العامل البسيط في القصر الملكي العامر إلى جانب سمو الأمير الحسين بن عبد الله ولي العهد ليشاهد المباراة التالية للمنتخب معهما جنبًا إلى جنب كأن لسان حال العرش يقول إن كرامة الإنسان لا تقف عند باب مقهى وإن شغف المواطن البسيط يُكرم ولا يُقصى وإن من يقف خلف الزجاج اليوم قد يجلس في أبهى الصالونات غدًا مادام قلبه نقيًا ومحبته لوطنه خالصة وصادقة

نلك المشاعر الانسانية الجليلة جسدت فيها قيادتنا الهاشمية اسمى معاني العطاء والوفاء وهي ترى بعيون الشعب وتحس بنبضه وتتفاعل مع مشاعره بتلقائية العظماء ومروءة الملوك فهكذا يفعل سيد البلاد حين يرى صورة نُبل في بسطاء الناس فهل ( يفعلها رئيس ديوانه كما فعلها مليكه ) وهل يكون في استضافة هبة محمد خليل صدى لتلك الروح الملكية العالية التي جعلت من موقف عابر قصة وطنية عظيمة وهل نعيد للمواقف العظيمة حقها حين نلتفت إلى أصحابها او نسلط عليهم النور الذي يليق بصدقهم ورفعة واصالة ما قدموه

مبادرة استقبال معالي العيسوي لهذه الفتاة في الديوان الملكي سيكون لها أبعاد كبيرة تتجاوز الموقف الفردي فهي انتصار كبير لقيم الأمانة والضمير والتقوى في زمن المتغيرات السريعة والمغريات الكثيرة وهي ايضا رسالة واضحة للمجتمع بأن كبار المسؤولين لا يغفلون عن الأوفياء وإن كانوا خلف الكواليس كما سيكون في الاستقبال جزءًا من استكمال للصورة الوطنية التي يرسمها الديوان العامر حين يضم أبناء الوطن من كل صوب وحدب ويتساوى في مجلسه الكريم شيخ العشيرة مع عامل الوطن والوزير مع الموظف البسيط والعالِم مع الطالب كأبناء اسرة اردنية واحدة

ما نكتبه اليوم هي دعوة مفتوحة من القلب لمعالي رئيس الديوان الذي نثق بحكمته وبعد نظره وتاريخه الطويل والمشرف في خدمة الهاشميين والاردن والسير على خطى قائد الوطن الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين حفظهما الله بأن يمنح هذه الفتاة شرف اللقاء به لا مجاملة ولا شهرة بل لأن ما قامت به يمثل تجسيد ثمين لقيمة أردنية عريقة اسمها ( الأمانة ) وتحن مع الكثيرين ( لو لم تكرم هبة فمن يُكرم إذن )

رئيس الديوان الملكي العامر معالي يوسف اسطر اليكم هذه الكلمات والعبارات والافكار بإخلاص ومحبة وتقدير كمواطن أردني غيور لم يدفعني اليها سوى الإعجاب النقي بموقف وطني وإنساني وأخلاقي نادر قامت به إحدى بنات هذا الوطن من المخلصات ويعلم الله أنها لم تكتب إلا تعبيرًا صادقًا عن ثقة راسخة في حكمة شخصكم الكريم وإيمانًا بدوركم الكبير الذي تمارسونه بكل أمانة ورفعة ومسؤولية وطنية عالية في خدمة أبناء هذا الوطن الغالي تحت ظل القيادة الهاشمية المظفرة

إنني لا أطلب تكريم هبة محمد خليل من باب التعاطف بل من باب الحق والاستحقاق الوطني فهي نموذج يجب أن يرفع على الرايات وتعلق صورتها في الممرات وتعتمد قصتها في المناهج والدراسات وتعرض على الشاشات لأنها ببساطة أطلقت صرخة في وجه الفساد واهله لا بالكلام بل بالفعل وقالت لنا جميعًا إن الأردني الحقيقي ليس بحاجة إلى رقابة بل إلى ضمير حي وإن كرامة الإنسان لا يقاس حجمها بموقعه بل بأخلاقه وفي صمتها البليغ أعادت لنا يقينًا بأن الخير ما زال في الناس وأن الضمير ما زال حيًا وأن الأردني حين يختار مخافة الله فإنه يُصبح بطلاً وإن لم تسلط عليه الكاميرات والاضواء والاخبار وانني لا ارى أحد اليوم أليق بتكريمها من معالي يوسف العيسوي الذي يعرف جيدًا أن قيمة الإنسان في صدقه لا في لقبه وأن العطاء لا يقاس بما يؤخذ بل بما يُقدم وأن البطولة لا تحتاج إلى دروع بل إلى مواقف تكتب في ضمير الأمة لا تنسى ولا تمحى

لكل هذا وغيره كثير أتوجه بندائي هذا إلى معالي يوسف العيسوي رئيس الديوان الملكي العامر الذي نراه أكثر من مجرد مسؤول رفيع بل هو أقرب إلى مؤسسة إنسانية تمشي على الأرض تجبر الخواطر وترد المظالم وتفتح الأبواب في وجه العزة والكرامة والمروءة وهو ايضا الرجل الذي عرفته الدواوين بكريم الخلق ودوام التواضع وسعة القلب يفتح أذنيه قبل أبوابه ويقرأ الوجع الأردني في عيون الناس ولا ينتظر أن تصله الشكاوي بكلمات مكتوبة بل يشعر بها من تفاصيل الوجوه ونبض الأكفّ

البطلة هبة محمد خليل التي أعادت لنا الثقة بأن في هذا الوطن من لا تغريه الحاجة ولا تضعفه الفاقة بل يشمخ بقيمه واخلاقه كما يشمخ العلم الأردني فوق سواريه وهي لا تملك إلا شرفها ونقاءها وموقفها النبيل لكنها ملكت قلوبنا جميعًا وكل من قرأ قصتها شعر أنه أمام انسانة بصمتها أبلغ من الخُطب وموقفها أكبر من كلمات الإشادة فهل ننتظر منها أن ترفع صوتها بالطلب والرجاء أم نرفعها نحن إلى مكانها الذي يليق بها ضيفة عزيزة في رحاب الديوان الملكي العامر حيث لا تُكرم فقط أصحاب المبادرات بل تُكرم أيضًا أصحاب الضمائر والاخلاق

بعض الاسئلة الاخير التي نطرح نفسها هل يفعلها معالي العيسوي وهو لا يحتاج الى شهادة فقد كتبها تاريخه عبر سنوات طويلة من الخدمة المخلصة في الجيش والديوان وهل يمنح هذه الفتاة جلسة تكريم تليق بفعلها الكبير وهل تكون هذه اللحظة تجسيدًا جديدًا لما اعتدنا عليه من فروسية معاليه وإنسانيته العالية وهل نستعيد من خلاله إيماننا بأن الأمانة لا تزال تُكافأ في هذا الزمن كما كانت تُكافأ في الزمن الجميل

ختامًا أقول إن ما نرجوه من معالي يوسف العيسوي ليس تكرمًا بل تجسيدًا لما عرفناه عنه دومًا من رجاحة عقل ورقة قلب وصدق نية وقوة حسّ بالناس وهو الرجل الذي اختاره سيد البلاد ليكون صوته في الناس وأذنه في الميدان ويده في الإحسان ورايته في المروءة فإن كرمها العيسوي فقد أنصف الوطن وأنصف القيم وكرّم الأردن كله في هذه الفتاة الشريفة وإن لم يفعل فستبقى هبة في قلوبنا أكبر من كل الأوسمة لأنها بكل بساطة ” عاملة نظافة ” بطولية حفظت الأمانة ورفعت راية الشرف الوطني

عنوان هبة محمد خليل / موظفة في مؤسسة الشهد للخدمات في مستشفيات البشير وهي معروفة شخصيا لدى ادارة المستشفى

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى