بشراكة عراقية سورية أردنية خليجية ومصرية: ترسانة ردع وبقاء ذكية

بقلم: أ.د. محمد الفرجات

يشهد العالم اليوم تحولات غير مسبوقة في موازين القوى العسكرية. فالمسيرات الذكية الدقيقة، والصواريخ فرط الصوتية، والذكاء الاصطناعي في إدارة المعارك، إضافة إلى الحرب السيبرانية، أصبحت عناصر رئيسية في معادلة الردع، متجاوزة مفهوم الجيوش التقليدية وحده. وقد ولّدت هذه التحولات سباق تسلّح عالمي، حيث تسعى القوى الكبرى لإعادة تشكيل تحالفاتها بما يحمي مصالحها ويعزز مكانتها الإستراتيجية.

في هذا السياق، يقف الشرق الأوسط عند مفترق طرق تاريخي. فالمنطقة تواجه:

التهديد الإسرائيلي المتواصل، الذي يقوم على فرض التفوق العسكري والتكنولوجي وترسيخ مشاريع توسعية.

المشاريع التطرفية التي تهدد الاستقرار الإقليمي وتستنزف الموارد كداعش وغيرها.

حروب المياه وعلى رأسها أزمة سد النهضة، التي تهدد الأمن المائي لمصر والسودان، وقد تفتح الباب لتوترات عابرة للحدود.

تحديات الطاقة المرتبطة بتقلب أسعار النفط والغاز، والحاجة لانتقال منظم نحو الطاقات المتجددة.

الأمن الغذائي العربي المهدد بتقلب المناخ واضطراب سلاسل التوريد العالمية.

لكن الأخطر أن المنطقة لم تُستهدف فقط عبر هذه التحديات المباشرة، بل واجهت على مدار العقدين الأخيرين مشاريع مشيطنة هدفت لتفكيك قدراتها وأسباب صمودها، أبرزها:

دعم قوى دولية وإقليمية لمشاريع مثل سد النهضة، في محاولة لإخضاع مصر والسودان عبر سلاح المياه.

إذكاء فتن الربيع العربي، التي تحولت من حراك شعبي إصلاحي إلى حالة فوضى ممنهجة، دمّرت مؤسسات دول عربية وأدخلتها في حروب داخلية استنزفت جيوشها واقتصاداتها.

سياسات ممنهجة لتشويه صورة الدولة الوطنية وإضعافها لصالح تفكيك المجتمعات على أسس طائفية أو جهوية.

أمام هذه الوقائع، فإن مشروع ترسانة ردع عربية مشتركة بشراكة عراقية–سورية–أردنية–خليجية–مصرية، لم يعد ترفاً سياسياً أو عسكرياً، بل أصبح ضرورة وجودية لحماية الأمن الوطني لكل دولة، وصون الأمن القومي العربي ككل.

مكونات الترسانة المشتركة

1. التكامل العسكري والتكنولوجي:
توظيف القدرات الخليجية المالية لتمويل البحث والتطوير في الصناعات الدفاعية.

استثمار الخبرة المصرية في التصنيع العسكري، وتجاربها في تشغيل المنظومات الكبرى.

الاستفادة من الموقع الجيوسياسي للأردن وسورية والعراق كممر بري إستراتيجي يربط المشرق بالخليج ومصر.

تطوير مشترك للمسيرات، والدفاعات الجوية، والصواريخ الدقيقة.

2. ضمان أمن المياه والطاقة:
تأسيس مجلس عربي دائم للأمن المائي يتعامل مع أزمات الأنهار المشتركة وسد النهضة.

إنشاء مشاريع مشتركة لتحلية المياه على البحر الأحمر والمتوسط بتمويل خليجي وتشغيل إقليمي.

تعزيز الربط الكهربائي العربي بين الخليج والعراق والأردن ومصر لضمان الاستقرار الطاقوي.

3. الأمن الغذائي:
استغلال الأراضي الزراعية الخصبة في العراق والسودان ومصر لإنتاج الحبوب والزيوت بتمويل واستثمار خليجي.

إنشاء صندوق استراتيجي عربي للأمن الغذائي يضمن وجود مخزون احتياطي يغطي الطوارئ لعدة أشهر.

4. الأمن السيبراني والاستخباراتي:
بناء شبكة عربية موحدة لمواجهة الهجمات الإلكترونية وحماية البنية التحتية الحيوية.

تبادل معلومات استخباراتية فورية لمكافحة الإرهاب العابر للحدود والحد من تغلغل الجماعات المتطرفة.

5. الاستثمار بالابتكار ومشاريع المستقبل:
تأسيس مراكز أبحاث عربية مشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والفضاء.

إطلاق صناديق استثمارية عربية لدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا والاقتصاد الأخضر.

استشراف مستقبل الصناعات العسكرية والمدنية بما يجعل المنطقة فاعلاً في الثورة الصناعية الرابعة لا مجرد مستهلك لها.

6. التعايش والتكيف مع التغير المناخي:
وضع إستراتيجية عربية موحدة للتكيف مع الاحترار العالمي والشح المائي، تشمل نظم حصاد مياه الأمطار، والتحلية بالطاقة المتجددة، والزراعة الذكية، والتبريد، وإستدامة القطاعات أمام الحرارة المرشحة للارتفاعات غير المسبوقة.

بناء برامج توعية وتدريب للأجيال القادمة حول أساليب التكيف مع المناخ المتطرف.

إدماج البعد البيئي والمناخي في الأمن القومي، باعتبار أن تغير المناخ تهديد وجودي سيطال الجميع.

المكاسب المتوقعة:
إن هذه الترسانة لا تهدف إلى إشعال الحروب، بل إلى امتلاك القوة لمنع الحرب، أي ردع الخصوم عن التفكير في تهديد مصالح دولنا وشعوبنا. ومن شأنها أن:

ترفع منسوب الثقة بين الشعوب العربية بدولها.

تقلل الارتهان للتحالفات الأجنبية المرهِقة.

تضع العرب رقماً صعباً في معادلات الأمن الدولي.

توفر بيئة مستقرة للتنمية والاستثمار والابتكار.

تؤسس لجيل عربي قادر على التعايش مع تحديات المناخ، وضمان حقوقه في الماء والغذاء والطاقة.

لقد واجهت منطقتنا محاولات متكررة لتفكيكها، بدءاً من فتن الربيع العربي وصولاً إلى دعم مشاريع خطيرة كسد النهضة. والرد لا يكون بردود أفعال متفرقة، بل ببناء ترسانة ردع عربية مشتركة، ترسخ الأمن الوطني لكل دولة، وتصون الأمن القومي العربي ككل، وتفتح الباب نحو الاستثمار في الابتكار، والتكيف مع التغير المناخي كأحد أعقد تحديات القرن.

فالمنطقة التي طالما كانت ساحة صراع، آن لها أن تتحول إلى فضاء قوة وتكامل، يحمي مصالح أبنائها، ويواجه مشاريع التوسع والتطرف وحروب المياه، ويؤسس لعصر عربي جديد قوامه الأمن، التنمية المستدامة، والتجدد الحضاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى