الناتو العربي: بين الطموح والواقع

إلهام لي تشاو
الهجوم الإسرائيلي الأخير على أهداف في قطر لم يكن مجرد حادثة عسكرية عابرة، بل أعاد إلى الواجهة سؤالا استراتيجيا يتردد منذ سنوات: هل تستطيع الدول العربية والإسلامية تشكيل تحالف عسكري شبيه بحلف شمال الأطلسي لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة؟
هذا الطرح يأتي في ظل انحياز أمريكي واضح لإسرائيل، سواء عبر المساعدات العسكرية الضخمة أو الغطاء الدبلوماسي المتكرر في المحافل الدولية، ما جعل الكثير من العواصم العربية تشعر بغياب توازن في المنظومة الأمنية الإقليمية. لكن التجربة التاريخية تشير إلى أن “الناتو العربي” ظل حتى الآن فكرة أكثر منه واقعا. فقد أُطلق “اتفاق الدفاع العربي المشترك” في الخمسينيات دون فاعلية، كما أن مبادرة “التحالف العسكري” عام 2015 سرعان ما تعثرت بسبب تضارب الأولويات واختلاف الحسابات بين الدول.
لا يختلف المشهد اليوم كثيرا، حيث لا تزال ترى دول الخليج إيران تهديدا كبيرا، بينما تنشغل دول شمال إفريقيا بليبيا ومنطقة الساحل، أما العراق وسوريا، فيخضعان بدرجات مختلفة لنفوذ إيراني مباشر. هذه الانقسامات تجعل من الصعب تصور قيادة موحدة أو قرار عسكري جماعي شبيه بالناتو. وإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على واشنطن في التسليح والاستخبارات يقلل من أي استقلالية محتملة، ويجعل أي تحالف جديد عرضة للقيود الخارجية.
الخيار الأكثر واقعيا للعرب ليس بناء نسخة مطابقة للناتو، بل تعزيز القدرات الذاتية وتوسيع مجالات التعاون العملي. الاستثمار في الصناعات العسكرية المحلية كما تفعل السعودية والإمارات ضمن رؤى وطنية طويلة الأمد، وتجربة الطائرات المسيرة التركية أثبتت القدرة على المنافسة، كلها خطوات تشير إلى إمكانية امتلاك أدوات ردع محلية. كما أن تنويع مصادر السلاح من الصين وروسيا وغيرهما يفتح المجال لمناورة أوسع بعيدا عن هيمنة طرف واحد. وعلى المستوى الجماعي، يبقى التعاون في مجالات تبادل المعلومات والتنسيق الدفاعي الجوي والتدريبات المشتركة المحدودة أكثر جدوى من تحالف رسمي يصعب تنفيذه.
الخلاصة أن “الناتو العربي” يظل شعارا سياسيا أكثر من كونه مشروعا قابلا للتنفيذ، لكن الرسالة الأهم التي يجب أن يستخلصها العرب من التطورات الأخيرة هي أن الأمن لا يُشترى ولا يُفوض. الضمانة الحقيقية تكمن في بناء قوة دفاعية ذاتية وتنويع الشركاء العسكريين وتطوير شراكات إقليمية عملية تمنح الدول استقلالية أكبر وقدرة على مواجهة التحديات. وإذا كان لا بد من تحالفات مستقبلية، فإن قيمتها يجب أن تقاس بمدى قدرتها على رفع كفاءة الجيوش الوطنية لا بمدى اعتمادها على قوى أجنبية