“زيارة أمير قطر للأردن فلسفة الأخوّة وسياسة المواقف”

د. عمّار محمد الرجوب

في لحظةٍ يلتقي فيها التاريخ بالحاضر، تتسلق الشمس جبال عمّان كما تتسلق الإرادة العظيمة للزعماء، لتعلن بدء فصل جديد في صفحة العلاقات الأردنية – القطرية. لم تكن هذه الزيارة مجرد حدث دبلوماسي، بل هي رسالة للعالم: أن الأخوّة العربية الحقيقية قادرة على الصمود أمام التحديات، وأن السياسة حين تُبنى على الثقة والوفاء، تصبح فلسفة حياة، لا مجرد تبادل مصالح. هنا، في صرح الديوان الهاشمي، تجتمع الحكمة بالقوة، والتاريخ بالمستقبل، ليكتب القادة معًا درسًا نادرًا عن معنى الوفاء والموقف الصادق.
في حضرة الملك عبد الله الثاني وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يبدو الحوار أكثر من كلمات، ويصبح كل ابتسامة وكل مصافحة تجسيدًا لفلسفة تقوم على احترام السيادة، وتعميق الروابط، وحماية مصالح الشعوب. إنها لحظة تُعيد إلى السياسة روحها الإنسانية، وتثبت أن القيادة الحقيقية هي التي تحفظ الكرامة قبل أن تحسب الأرقام.
العلاقات الأردنية – القطرية لم تُولد من فراغ، ولم تُصنَع على عجل. هي ابنة مواقف، ابنة أيام عصيبة مرّت بها المنطقة. حين اشتد العدوان على قطر، كان الأردن أحد الأصوات العربية التي نطقت بالعدل، مؤكداً أن أمن قطر من أمن الأمة، وأن الكرامة العربية لا تتجزأ. واليوم، تأتي زيارة الأمير لتعيد تثبيت هذا المبدأ، وتبرهن أن الأخوّة العربية، إن صمدت على المحك، صارت أشبه بجسر من الفولاذ، لا تهزه ريح المصالح العابرة.
في فلسفة السياسة، ليست اللقاءات بين القادة مجرد اجتماعات أو بيانات، بل انعكاس لإدراك عميق أن العالم لم يعد يحتمل الانقسام، وأن الشعوب تبحث في قادتها عن من يمنحهم الأمل لا الأزمات، وعن من يفتح لهم مساحات من الضوء لا نفقًا مظلمًا. وهنا يظهر البعد الأخلاقي للسياسة، حيث يصبح الوفاء بالمواقف أقوى من أي نص قانوني، والتنسيق المشترك أعمق من أي اتفاقية مكتوبة.
إن الدعم الذي تقدمه قطر للأردن في مشاريع تنموية واقتصادية ليس مجرد رقم في سجلات التعاون، بل هو رسالة تضامن تؤكد أن المستقبل العربي لا يمكن أن يُبنى إلا على أكتاف الشراكة، وعلى يقين أن مصير الأمة واحد مهما اختلفت جغرافيتها. وهنا تتجلى قيمة هذه الزيارة كترجمة حية لأواصر لا تهتز أمام التحولات الدولية ولا أمام تقلبات السياسة.
السياسة، إذا نُزعت منها الأخلاق، تصبح شكلًا من أشكال العنف البارد، أمّا حين تُقرن بالقيم، فإنها تتحوّل إلى قوة بنّاءة. ومن هذا المنظور يمكن قراءة الصداقة بين الملك والأمير؛ فهي ليست عابرة، ولا محكومة بالظرف، بل قائمة على إدراك فلسفي أن التحالف لا يعني الانصهار، بل التكامل، وأن الاختلاف لا يلغي الوفاء، بل يعمّقه.
هذا النوع من العلاقات يثبت أن السياسة لا تُصاغ فقط في غرف المفاوضات، بل في عمق الثقة التي تُبنى عبر الزمن. فالتنسيق بين عمان والدوحة ليس لقاء عاصمتين فحسب، بل لقاء فلسفتين متشابهتين: فلسفة تبحث عن الاستقرار بوصفه شرطًا للحرية، وعن الأخوّة بوصفها جوهر الكرامة. إنّ الحاضر العربي اليوم يشبه سفينة تتقاذفها أمواج متلاطمة، وفي هذا المشهد، تأتي العلاقة الأردنية – القطرية بمثابة مرساة تذكّر الجميع أن السياسة يمكن أن تكون فعل إنقاذ، لا فعل غرق.

مقولتي
“التحالف بين الدول ليس في حجم الاتفاقيات، بل في صدق المواقف حين يُختبر الوفاء.”

ختامًا
وفي النهاية، تظل زيارة الأمير الشيخ تميم إلى الأردن أكثر من حدث؛ إنها درس في الحكمة السياسية، وفلسفة القيادة، وتجسيد للأخوّة التي تصنع تاريخ الشعوب. فالسياسة حين تلتقي بالأخلاق، تصبح نورًا يضيء دروب المستقبل، والوفاء بالمواقف يصبح حجر الأساس لكل تحالف ناجح، وكل علاقة صادقة.

واختم بشعر لي
يا قطرُ والأردنُ قلبانِ ما التقيا
إلا وكان الوصلُ عهدًا جليلا
أخوةٌ صادقةٌ تشتدُّ بالعزم دومًا
وتزرعُ في القلبِ صفاءً جميلا
ومن روحها يولدُ للغدِ دليلا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى