أفلاك متشظية

بقلم: بلقيس عثامنه

“الدنيا دوارة” مقولة شعبية ترمز إلى أن ما فعله الإنسان لغيره من خير أو شر يعود عليه.. لكن لو تأملنا العبارة ببعد فلسفي لوجدنا أن الدنيا تدور فعلا، تدور بنا ومعنا وتعيد الدوران لنعيش في دوامة، دائرة تمكن الآخرين من الدخول لكن.. لا أحد يخرج… حتى من ظننا أنه مات وشيع جثمان حضوره.. إلا أنه سيبعث ذات يوم..
لماذا؟ ما الفكرة من دوران أفلاكنا.. كل على حدى وكلنا في دوائر متقطاعة.. أشعر أحيانًا بألم.. يعيد الدوران تشكيل الخريطة في كل مرة تقوم بترتيب قطعها.. وفي كل مرة ظننا فيها أننا أقوياء نجد أننا بخطايانا.. بعلاقاتنا.. نعود إلى الخلف إلى الماضي ونسخنا القديمة.. نبحث في ذلك الركام عن… أنفسنا…
اعتقدت منذ سنوات عشر مضت أن أحدنا يترك شيئا منه في قبر من أحب، يدفن جزءا منه في قبور الأعزاء.. واليوم اختلف المعتقد.. نترك شيئا منا في كل رحلة وفي كل محطة وعلى قارعة كل تجربة.. ونأخذ أيضا من كل شخص تتقاطع طرقنا شيئا.. ويستقر في جزء مفقود بدواخلنا..
قد لا تتوافق قطع التركيب “الفسيفسائية التي تم فقدانها وتلك التي أضيفت، لكن نأخذ ونتخلى.. رغما عنا.. دون أن نشعر.. لذا عندما ننظر في أعماقنا.. ونغوص في دواخلنا نكتشف فقدان شيء ما.. نكتشف أننا مشوهون.. محطمون.. ولم نعد نعرف أنفسنا.. من الداخل
أهذه خطيئة الطبيعة البشرية؟ أم أنها خطيئتنا في حق أنفسنا؟ مؤلم هو الواقع إذ شاهدناه بنظرة عميقة تخرج من دواخلنا إلى صميم الآخرين.. نشاهد الفسيفساء وكل تشققات الأرواح؛ لأن “الدنيا دوارة” لأننا جزء من تجارب كثيرة وأبطال قصننا الخاصة وضيوق قصص أخرى كثيرة.. نفقد السيطرة أحيانا! وتحركنا هذه الصدمات.. وقد تكون المخاوف.. لكن الكابوس الحقيقي هو إعادة الدائرة وتحول الأرواح الميتة إلى طيور عنقاء تولد من رماد الحرق العظيم رماد تعاقب الأيام.. فتكون محاولة استنشاق الهواء النقي.. دون جدوى!
إننا نعيش في حلقات مليئة بالتشظي والقروح.. نتشبث في بصيص أمل.. علّ الأمل يقود إلى درب حقيقي.. إلى مخرج من دائرة الزمن والتجارب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى