حرب بلا جنود وموت بلا ضمير الروبوتات الإسرائيلية تغتال غزة

مهدي مبارك عبدالله

خلال حربها المفتوحة على قطاع غزة لم تكتفي آلة الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ والقنابل والغارات الجوية بل ادخلت الى ساحة المعركة أدوات قتل جديدة صامتة ومميتة تُدار عن بُعد وتعمل بلا قلب أو ضمير إنها الريبوتات القتالية التي باتت سلاحًا مركزيًا في العمليات الميدانية خاصة في المناطق السكنية حيث يتحول الحي إلى ساحة قتل وممر للرصاص الذكي

في غزة لم يعد ايضا القاتل جنديًا يحمل بندقية او يتحصن في دبابة بل اصبح آلة جامدة لا ترف لها عين تنفذ الأوامر بضغطة زر وتطلق النار دون أن ترى دم أو تسمع صراخً فهل بتنا أمام مرحلة جديدة من الحرب الالكترونية التي يغيب فيها الإنسان عن ساحة المعركة ويحل مكانه الذكاء الاصطناعي والروبوتات القاتلة والمجنزرات المفخخة والكاميرات الحرارية وغيرها حيث لم يعد الاحتلال الإسرائيلي يكتفي باستخدام القوة التقليدية بل بات يجر العالم إلى زمن مرعب تتحكم فيه الخوارزميات بمصير البشر وتحول حياة الفلسطينيين إلى بيانات تقرأ وتحلل وتصفَّى البشر عن بعد

ما يجري في غزة اليوم ليس مواجهات عسكرية بل عملية اغتيال يومي للعدالة والإنسانية بتكنولوجيا الموت الباردة التي لا تعرف المشاعر ولا تميز بين طفل وامرأة ومقاوم وشيخ وناشط في مرحلة خطيرة تختبر فيها إسرائيل سلاحها وهي تراقب صمت العالم وتبني مستقبل جديدا تدار فيه الحروب من غرف التحكم وتقتل فيه الأرواح بحسابات رقمية بحتة بلا تفكير او ضمير

مع هذا الواقع لم تعد إسرائيل تعتمد في قوتها العسكرية على ترسانتها التقليدية أو دعمها الغربي فحسب بل انتقلت إلى مرحلة أبعد بكثير حيث جعلت من التكنولوجيا المتقدمة أداة مركزية في عقيدتها القتالية بعدما أصبحت الروبوتات القاتلة والطائرات المسيرة والمنظومات الذكية جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها العسكرية ليس فقط في الدفاع والرصد وإنما في الهجوم والاغتيال وإدارة العمليات العسكرية عن بعد

عبر سنوات الحرب الماضية تحولت الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ما يشبه مختبرًا مفتوحًا لهذه التكنولوجيا حيث نشرت إسرائيل أنظمة روبوتية مسلحة على حدود غزة والضفة الغربية لاستخدامها في مراقبة التحركات وقمع المظاهرات وحتى في تنفيذ عمليات اغتيال مختارة ودقيقة وقد كشفت تقارير متواردة عن نشر الجيش الاسرائيلي مركبات مدرعة غير مأهولة مزودة برشاشات يتم التحكم بها عن بعد وهي قادرة على التقدم بسهولة في المناطق المأهولة والتعامل مع الأهداف البشرية من دون أي مخاطرة مباشرة على حياة جنود الاحتلال إضافة إلى ذلك تم توظيف الطائرات المسيرة الصغيرة لملاحقة المقاومين ورصد تفاصيل تحركاتهم لحظة بلحظة ثم تصفيتهم بضغطة زر من غرفة عمليات بعيدة

خطورة هذه المنظومات المتطورة لا تكمن فقط في قوتها التدميرية بل في كونها مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرف على الوجوه وأنظمة التتبع الحراري ما يجعلها قادرة على اتخاذ قرارات قاتلة في أجزاء من الثانية دون تمييز حقيقي بين مقاتل ومدني أو بين رجل وامرأة أو حتى طفل وشيخ وهو ما حول الحرب الدائرة إلى لعبة رقمية باردة تقطع الصلة بين القاتل وضحيته وتعفي الجندي من مواجهة تبعات جرائمه المتكررة

مؤشر البعد الأخلاقي هنا بالغ الخطورة خاصة حين تسند قرارات القتل إلى خوارزميات جامدة تنفذ الأوامر دون وازع إنساني فإن الحرب تفقد معناها التقليدي القائم على المواجهة وتتحول إلى عملية آلية تحصد الأرواح بلا مسؤولية أخلاقية إذ يصبح الإنسان مجرد رقم في شاشة مراقبة أو هدف في معادلة عسكرية باردة لا مكان فيها للعواطف أو المشاعر

ما يجب معرفته بدقة ان الاعتماد المتزايد على هذه الآلات لا يحمي الجنود الإسرائيليين فحسب بل يعيد تشكيل نفسيتهم أيضًا حيث يتحول المقاتل إلى موظف يعمل خلف شاشة وينفّذ الأوامر ويضغط الزر دون أن يرى ضحيته أو يتفاعل مع الألم البشري وهذا الانفصال العاطفي يخلق جيلًا من الجنود لا يعرفون الحرب إلا من خلال الصور الرقمية مما يقلص الحواجز الأخلاقية ويفتح الباب لارتكاب فظائع بلا مساءلة داخلية أو مجرد الشعور بالندم

في الطرف الاخر يعيش الفلسطينيون تحت تهديد دائم طائرات مسيّرة في السماء وروبوتات تزحف نحو الحدود وكاميرات ترصد كل حركة وسكنة حيث حولت حياة المدنيين إلى كابوس من المراقبة الدائمة لان أي تصرف بسيط قد يُفسر كخطر ويقابَل بإطلاق نار مباشر فلا أمان في المنازل ولا ملاذ في الشوارع والزقاق فكل شيء مرئي ومكشوف وقابل للتصفية في اقل من ثانية واحدة

على الرغم من التحذيرات المتكررة من منظمات حقوق الإنسان فإن القانون الدولي ما يزال عاجز عن مجاراة هذا النوع من التطور العسكري ولا توجد اتفاقيات دولية ملزمة تحظر استخدام الروبوتات القاتلة ما يمنح الدول الكبرى وفي مقدمتها إسرائيل غطاء قانوني لمواصلة تطويرها واستخدامها دون رقابة حقيقية

الأدهى والامر أن هذه التجارب الدموية في غزة والضفة لا تبقى ضمن حدود الصراع بل تتحول سريعًا إلى ” نماذج جاهزة للتصدير ” حيث تقدم إسرائيل هذه الأسلحة على أنها ” مجربة ميدانيًا ” وهي تستخدم الضحايا الفلسطينيين كأرقام في تقارير الأداء العسكري وكل آلة قتل تباع في السوق الدولية هي نتيجة مباشرة لدماء بريئة أُريقت على الأرض الفلسطينية

خطورة ما يحدث في غزة يتمثل بان الروبوتات القاتلة التي تطورها إسرائيل لا تخلق تهديدًا محليًا فقط بل تفتح الباب أمام سباق تسلح عالمي جديد لمستقبل الحروب الذي يبدو أنه سيتحول إلى نزاعات تدار بالكامل بالذكاء الاصطناعي وتخاض من غير جنود وبلا مساءلة ولا رحمة فكل صراع قادم سيكون أكثر وحشية لأن من يقرر القتل حينها ليس قائدًا عسكريًا بل سطرً قصير في لوحة خوارزمية معدة مسبقا

التجربة الفلسطينية ليست حالة منعزلة بل هي نموذج يتم اختباره وتصديره من قبل اسرائيل كما حدث مع الطائرات الانتحارية وأبراج المراقبة الذكية التي بدأت من غزة وانتقلت لاحقًا إلى ساحات قتال أخرى مثل أذربيجان وأوكرانيا سيما وان الاحتلال لا زال يرى في الشعب الفلسطيني مختبرًا حيًا لصناعة أدوات القتل الحديثة ولمواجهة هذا الواقع لا يكفي أن ندين أو نستغرب بل يجب أن ندرك أن ما يجري هو إعلان مبكر عن مستقبل مظلم للإنسانية كلها حيث ( حرب بلا جنود وموت بلا شاهد ومسؤولية بلا مسؤول )

الريبوتات القتالية التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في عملياته ضد قطاع غزة ليست مجرد آلات بسيطة بل هي منظومات قتالية متطورة تُدار عن بعد وتتنوع في أشكالها ووظائفها بعضها يأتي على شكل مجنزرات صغيرة مزودة برشاشات أو قاذفات قنابل وهناك نماذج أخرى تشبه هياكل حديدية مزودة بعجلات أو أرجل ميكانيكية قادرة على الحركة والمناورة داخل الأزقة الضيقة والمناطق السكنية المكتظة وتجهز هذه الروبوتات بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار دقيقة تمكنها من تتبع الأهداف البشرية واستهدافها بدقة سواء بالرصاص أو القذائف الصغيرة

عمليا يتم تشغيل هذه المنظومات من مسافات آمنة من خلال جنود مختبئين خلف خطوط التماس أو داخل غرف قيادة محصنة ما يتيح للجيش تنفيذ عمليات قتل واغتيال دون تعريض جنوده للخطر في الوقت نفسه تحدث هذه الريبوتات دماراً كبيراً عند اقتحام المناطق السكنية وهي تطلق نيرانها بشكل كثيف وتستهدف المنازل والبنية التحتية كما تستخدم أحياناً لتمشيط الأحياء أو تصفية من تصفهم إسرائيل بالمطلوبين دون تمييز بين مدني ومقاتل ما يجعلها من أخطر أدوات القتل والترويع المستخدمة في الحرب على غزة

من أبرز أنواع الريبوتات القتالية التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة روبوت يُعرف باسم جاغوار ( Jaguar ) وهو مركبة غير مأهولة مزودة برشاش ثقيل من طراز 7.62 ملم وكاميرات حرارية وأجهزة استشعار دقيقة يُستخدم لمراقبة الحدود وغالبًا ما يُسير عن بعد من خلال نظام تحكم متطور

كما تستخدم إسرائيل روبوتات مجنزرة مثل RoBattle الذي تطوره شركة رافائيل الإسرائيلية وهو مصمم لتنفيذ عمليات اقتحام وتمشيط في المناطق الخطرة ومزود بقدرات إطلاق نيران ومراقبة متقدمة بالإضافة إلى روبوتات صغيرة مثل Dogo الذي يشبه الحقيبة المحمولة ويمكنه دخول الأبنية الضيقة ويحتوي على مسدس آلي ويُستخدم لاقتحام المنازل أو تنفيذ اغتيالات من مسافات قريبة

هذه الأنظمة الخطيرة ليست حكرًا على إسرائيل فهنالك عدة جيوش حول العالم بدأت باستخدام روبوتات مشابهة وأبرزها الجيش الأمريكي الذي استخدم مركبات قتالية غير مأهولة في العراق وأفغانستان لكنها غالبًا كانت تستخدم في الاستطلاع ونزع الألغام أكثر من استخدامها في تنفيذ عمليات قتل مباشر كما تفعل إسرائيل اليوم بشكل ممنهج وواسع في قطاع غزة

ختاما : إسرائيل اليوم ترتكب جريمة مركبة فهي تنتهك حقوق الإنسان وتتلاعب بالقوانين الدولية وتجرّ العالم إلى مستقبل مرعب تحكمه الآلة وتختطف قرارات الحياة والموت من يد البشر لقد أصبح الدفاع عن غزة اليوم ليس فقط قضية شعب تحت الاحتلال بل معركة من أجل الحفاظ على ما تبقى من القيم الإنسانية في زمن تقوده الخوارزميات واننا على يقين بان نهاية المعركة لن تكتب على ارض غزة وحدها بل في ضمير العالم الذي عليه أن يقرر هل تترك الآلة تقتل بدم بارد أم نعيد السيطرة إلى الإنسان قبل أن يمحى من المعادلة البشرية في المستقبل القريب بعدما تحول إلى هدف رقمي في شاشة مراقبة بانتظار روبوت قاتل يستهدفه بلا رحمة وهو ما قد يفتح الباب أمام حقبة جديدة من القتل المبرمج والتطهير الممنهج خارج أي إطار للمحاسبة أو القانون

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى