الذكرى الأولى لاستشهاد القائد الرمز حسن نصر الله نبض المقاومة وصوت الأمة

د. مهدي مبارك عبد الله

في يوم السبت 27 أيلول/ سبتمبر 2025 حلت الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي ارتقى الى العلياء في مثل هذا اليوم من العام الماضي إثر غارة صهيونية غادرة على منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت استهدفت مبنى محصن تحت الارض كان يعقد فيه اجتماع امني لبعض قادة الحزب

في الذكرى الأولى لاستشهاد القائد الرمز نصر الله تهتز القلوب وتفيض المشاعر ولا يكفي الكلام لوصف حجم الفقدان الكبير الذي تركه في والقلوب والوجدان حيث كان نبض المقاومة وصوت الأمة وبريق الأمل في عيون كل من آمن بالحرية والكرامة فما الذي يمكن أن يُقال وكيف نكتب عن قائد لم يكن مجرد رجلاً يمشي على الأرض بل كان روحًا تعانق السماء وقلبًا ينبض في كل بندقية كسيد للمواقف والثبات ولن نسطر اليوم مقطوعات الرثاءً بل سنعيد رسم ملامح عصرٍ كامل كان هو عنوانه ونحن نعلم أن اجزل التوصيفات لن تفي حق الدم وأن اللغة بفصاحتها وبيانها ستبقى قاصرة عن الإحاطة بهيبة ومكانة وعطاء وأحد من أعظم قادة الأمة لكنه واجب الوفاء وصرخة الولاء ووقفة العز في زمن الانبطاح والخوف والخنوع

حيث تكالبت قوى الطغيان العالمي على صمود المقاومة واشتدت الضغوطات والمؤامرات على كل من رفع البندقية بوجه الصهاينة وفي غمرة هذا الوقت العصيب رحل عن ساحة المواجهة ( حسن نصر الله ) الجبل الذي لم تهزه الأعاصير والقائد الذي كانت كلماته تسقط على قلوب الأعداء كما تتساقط صواريخ المقاومة على رؤوسهم وفي هذه الذكرى نودع مرحلة مشرفة من التاريخ ونستذكر رجلًا شكل قس وعيه وسجاعته بوصلة لكل الأحرار وملهمًا لكل الثائرين وفارسًا مغوارً قل أن يجود الزمان بمثله

الراحل نصر الله لم يكن مجرد قائد عسكري أو زعيم سياسي بل كان مشروع ثورة ومقاومة متكامل جسد في شخصه فكرة النضال وصاغ في مسيرته خريطة طريق لكل من أراد أن يكون حرًّا في زمن الذل والمهانة حيث بدأ خطواته النضالية شابًا ثائرًا في صفوف حركة فتح يتعلّم أولى دروس النضال والكفاح والانخراط في مواجهة مع العدو ثم انتمى في مطلع الثمانينيات إلى حزب الله ليشق طريقه بين الصفوف وتولي المسؤوليات حتى بات أمينًا عامًا للحزب وقائدًا عامًا لمحور المقاومة ولم يكن وصوله إلى القمة بفعل طموح شخصي بل بكفاءته وصلابته وجرأته في التحدي والالتزام المبدئي بخط المقاومة والدفاع عن الحق والمظلومين

لقد كان صوت نصر الله سلاحًا مرعبا كما كانت كلماته قذائف موجهة ولم يخف او يوارب او ينافق وقد كان في كل خطاباته يرفع منسوب الخوف والهلع لدى الصهاينة ويزرع الأمل في قلوب أبناء الأمة وعندما كان يتحدث كانت شوارع فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران وأبعد من ذلك تعطل وتصمت كما كانت أحياء تل أبيب ومستوطنيها تتسمر خلف الشاشات بإصغاء ووجل لأن ما يقوله كان بمثابة إعلان نوايا ومخطط عملياتي حيث عرفه العدو قبل الصديق بانه لا يطلق وعدًا إلا وينفذه ولا يقول شيئًا الا ويفعله وإن حذر ” سنقصف ” قُصفت تل أبيب وإن قال “ستندمون” ندم الصهاينة على كل رهان خاطئ بنو عليه

لا شك انه في زمن الخيانات والتطبيع والانهيارات كان حسن نصر الله يبني جيشًا عقائديًا عظيما ويطور قدرات الحزب النوعية بصمت حتى بات قوة إقليمية ضاربة يملك ترسانة من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة وله اليد الطولى في معادلات القوة و الردع حتى أن العدو الإسرائيلي ظل يتعامل مع خطاباته كما يتعامل مع التقارير الاستخباراتية الدقيقة الأكثر صدقًا وواقعية وبينما كانت بعض الأنظمة تضيّق على الفلسطينيين حركتهم فتح نصر الله أبواب المعسكرات لرجال المقاومة في غزة ودربهم وزودهم بالمال والسلاح والتكنولوجيا والخبرة حتى أصبحت حركات المقاومة الفلسطينية أشد بأسًا وأقوى شكيمة وهذا وحده كان كافٍ لفهم حجم التهديد الذي كان يمثله نصر الله للكيان الصهيوني ووجوده ليصبح على راس قائمة المستهدفين

دماثة أخلاق سماحة السيد وحسن سيرته ومسيرته شكلت مدرسة وتواضعه كان أسطوريًّا فلم ينكسر يوما أمام عظمة الزعامة ولم تغريه حينا نشوة الهتافات والتصفيق بل بقي ذلك الرجل البسيط في حضوره والعميق في تفكيره والمتجذر في عقيدته الذي لا يساوم ولا يهادن ولا يتراجع وقد عرفه أحرار العالم قبل أن تعرفه الشعوب العربية حين رفع رأس الأمة عاليًا يوم انحنت بعض رؤوس حكامها كما كان قدوة ونموذج يحتذى في الصدق والدقة والانضباط حتى أن المواطن الإسرائيلي العادي كان يصدق ويثق بخطاباته أكثر من تصريحات وزرائه وقادته

اعتبار ومكانة السيد نصر الله داخل لبنان لم تكن نابع من انتمائه الطائفي أو الحزبي بل من قيمة حجمه الوطني والقومي والإقليمي حيث كان صمام الأمان والحامي لكرامة هذا البلد الصغير أمام التهديدات الكبرى وقد كانت مؤامرة اغتياله من حيث التوقيت والأسلوب والحجم تشير إلى أنها لم تكن عملية عادية عابرة بل عملية مدروسة بعناية فائقة استندت إلى اختراقات وتواطؤات وسلسلة طويلة من التحضيرات قد تكشف الأيام القادمة خفاياها وربما لن نعرف كل الحقيقة ولكننا نعلم أن الاغتيال لم يستهدف الجسد فقط بل استهدف الروح والمشروع وقد ظنّوا أنه باغتياله سيُطوى نهج المقاومة ولكنهم لم يدركوا أن حسن نصر الله لم يكن شخصًا فقط بل كان ظاهرة وفكرة و حالة متكاملة زرعت في قلوب الآلاف المجاهدين في لبنان وفلسطين ولعراق واليمن وكل بقاع الأرض

غياب نصر الله ترك جرحًا غائرا في خاصرة الوعي النضالي وفراغًا لا يُملأ وزلزالًا مدمر في وجدان كل الأحرار وفي كل قلب رفض الاحتلال والهيمنة ولكن من عرف نهج السيد يعلم أن رفاقه سيكملون طريق المقاومة والخط الذي رسمه بدمه وفكره وان خطابه لن ينكسر وهاهم ثابتون على العهد ويسيرون على دربه ويرفعون رايته ليبقى صوته يتردد في الأروقة وصورته حاضرة في كل ساحة مواجهة واسمه يتردد صداه مع كل صواريخ المقاومة وفي معسكرات التدريب وجبهات القتال يجدد العزيمة ويبشر بالنصر

بكل عزة وشموخ رحل عنا رجل الكلمة الجريئة والمواقف الصلبة الذي كان قائدا فذا لمشروع الأمة وصوتا مدويا لقوة المقاومة واليوم وبعد عام على غيابه الجسدي يتضح لنا أكثر يأن العالم والمقاومة وأحرار الدنيا فقدوا برحيله نصرًا لا يعوض لكنه توزع في ارادة وعزيمة المقاومين وتحول إلى منارة تهدي الى طريق الكرامة والعزة في رسالة لا تموت فمن يزرع فكراً لا يغتال ومن يؤسس نهجًا لا يغيب ومن يصنع مجدًا لا يُنسى وهكذا كان القائد الرمز نصر الله وسيخلّد اسمه في انصع صفحات التاريخ المشرف يوم أدار المعارك بعقله قبل سلاحه وهزّ عروش العدو بكلماته وابتسامته وحضوره

مع هذه الذكرى المؤلمة التي تذوب فيها الكلمات أمام عظمة رجل لم يمت كان سيدا للوطن والمقاومة فقده العالَم الحر والجنوب والضاحية وغزة والقدس وبغداد وصنعاء كما فقده الأطفال الذين حلموا بنصرٍا يشبهه والشيوخ الذين دعوا له سراً وعلانية وفي الوقت ذاته فقدته أمهات الشهداء ومقاتلو الخنادق وعشاق الكلمة الصادقة الذين اقسموا أن يبقوا أوفياء لذكراه متمسكين بمبادئه ومدافعين عن نهجه وثابتون على السبيل الذي عبده بفكره وبصيره ودمه

في سياق الذكرى الأولى لاغتيال القائد نصر الله برزت مواقف واضحة من قيادة حزب الله بزعامة الشيخ نعيم قاسم تؤكد أن الحزب باقٍ على نهجه وثوابته وفي مقدمتها التمسك ( بسلاح المقاومة كخيار استراتيجي ) لا مساومة عليه ما دام هناك شبر من أرض لبنان لا يزال تحت الاحتلال وما دامت إسرائيل تواصل اعتداءاتها على القرى والمدن اللبنانية وتمارس تهديدها المستمر لأمن لبنان واستقراره كما أعادت القيادة الجديدة التأكيد على أن دعم المقاومة الفلسطينية سيبقى ركن اساسي في عقيدة الحزب السياسية والعسكرية وأن التواصل مع فصائل غزة سيستمر ويتصاعد بالدعم اللوجستي والتقني والتسليحي في إطار معادلة وحدة الساحات التي أرساها المعلم والتي باتت تشكل جوهر العقيدة الأمنية لمحور المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني المتمدد وان هذا التوجه لا يُقرأ فقط كوفاء لخط القائد الراحل بل كإعلان واضح بأن حزب الله يدخل مرحلة ما بعد نصر الله وهو أكثر رسوخًا في التزامه بخيارات الصراع والمواجهة

رحم الله القائد سماحة السيد حسن نصر الله أيقونة المقاومة وألهم الأمة ورفاقه في الساحات عزيمة الصبر والقوة والاستمرار على خطه الصارم ومشروعه الصادق وسلام عليه يوم ولد مقاوماً ويوم استشهد قائداً ويوم يبعث حيًّا في ذاكرة كل حر لا يزال يؤمن أن النصر كان يومًا اسمه حسن نصر الله

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى