أفغانستان بعد أربعة وعشرين عاما

إلهام لي تشاو

قبل أربعة وعشرين عاما، دخلت الولايات المتحدة أفغانستان تحت راية “الحرب ضد الإرهاب“. بدا المشهد حينها حاسما وسريعا: سقوط نظام طالبان في أيام قليلة، ووعود بإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. لكن بين البداية والنهاية، وبين كابول 2001 وكابول 2021، ضاعت مليارات الدولارات وتراكمت جروح عميقة في جسد شعب لم يعرف السلام.

الحرب التي رفعت واشنطن رايتها كانت في ظاهرها حربا من أجل “الأمن”، لكنها تحولت في جوهرها إلى حرب استنزاف. ملايين الأفغان عاشوا بين النزوح والفقر، آلاف الجنود الأميركيين والأوروبيين قضوا أو أصيبوا، فيما ظل الهدف المعلن بعيد المنال. وما إن جاء الانسحاب الأميركي في مشهد مطار كابول المربك حتى ظهر للعالم أن القوة العسكرية، مهما بلغت، عاجزة عن فرض نظام دائم أو صياغة مستقبل لشعب لا يقبله.

أفغانستان لم تتحول إلى “نموذج ديمقراطي”، بل عادت طالبان إلى الحكم بعد عقدين من الدماء. الدولة التي وُعدت بالتنمية لم تحصد سوى الانقسام والفساد والاعتماد على المساعدات الخارجية. واليوم يقف الأفغان أمام مستقبل مفتوح على المجهول، يفتقدون فيه الأمن والاستقرار قبل أي شيء آخر.

لكن أهمية الذكرى الرابعة والعشرين لا تتعلق بأفغانستان وحدها، بل بالنظام الدولي كله. هذه الحرب الطويلة ساهمت في إنهاك الولايات المتحدة وإضعاف صدقيتها، وأظهرت حدود “الزعامة الأميركية”. بينما كانت واشنطن غارقة في الجبال والوديان، برزت قوى أخرى على الساحة: الصين بمبادراتها التنموية، روسيا بسياساتها الأمنية، دول آسيوية وخليجية بمشاريعها الاقتصادية. العالم بدأ يدرك أن الأحادية لا تصلح، وأن زمن التدخلات العسكرية المباشرة يقترب من نهايته.

الدروس التي تتركها أفغانستان واضحة: الأمن لا يُفرض من الخارج، والهيمنة لا تُترجم إلى استقرار. الشعوب لا تُبنى بالدبابات، بل بالتنمية والتعليم والفرص. ربما تكون واشنطن قد أرادت أن تجعل أفغانستان شاهدا على قوتها، لكنها تركتها شاهداً على حدود هذه القوة.

وهنا يبرز سؤال للمستقبل: أي نموذج يحتاجه العالم اليوم؟ الصين والعالم العربي يطرحان مقاربة مختلفة: “الحزام والطريق”، “مبادرة التنمية العالمية”، و”مبادرة الأمن العالمي”، كلها تعكس رؤية تقوم على التعاون لا الإكراه، وعلى التنمية لا الحروب. أما الشعوب العربية، فقد دفعت ثمن التدخلات الخارجية مرارا، وتدرك أن السيادة الوطنية والشراكات المتوازنة هي الطريق إلى الاستقرار.
أفغانستان بعد أربعة وعشرين عاما ليست مجرد ذكرى حرب، بل محطة للتفكير في نظام عالمي جديد. إن كانت القوة العسكرية قد فشلت في صناعة السلام، فالعالم اليوم أمام خيار أوضح: بناء نظام يقوم على التعاون المتعدد الأطراف، واحترام إرادة الشعوب، والبحث عن مستقبل مشترك لا يفرض بالقوة، بل يُصنع بالإرادة والتنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى