من معرض تجاري ضخم إلى منظومة ذكية

افتتحت الدورة الـ138 لمعرض الصين للاستيراد والتصدير (معرض كانتون) في مدينة قوانغتشو في 15 أكتوبر، وستستمر على ثلاث مراحل. بعد أكثر من 68 عاما من التاريخ، يدخل هذا المعرض العريق مرحلة جديدة من التطور، إذ لم يعد مجرد منصة ضخمة للتجارة، بل يتحول تدريجيا إلى منظومة ذكية شاملة تربط بين الصناعة والابتكار والخدمة.

أول ما يلفت النظر هو التحول الرقمي الشامل. فقد جرى دمج التسجيل والدخول والملاحة والترجمة والدفع في تطبيق واحد، مما يمكن المشتري من إتمام جميع الإجراءات فور وصوله إلى الصين. كما يتيح نظام الملاحة الذكي والتخطيط الفوري للمسارات وتنظيم حركة الزوار، تجربة أكثر كفاءة وانسيابية، تجعل المعرض أشبه بمدينة ذكية مصغرة تقودها البيانات.

أما الجانب الثاني فهو تحسين تجربة المشترين العالميين. فقد أنشئت نقاط خدمة متكاملة تغطي التمويل والنقل والتأمين والتخليص الضريبي والاستشارات الجمركية، إضافة إلى خدمات الترجمة بلغات متعددة. ومع الأنشطة الثقافية والموسيقية المرافقة، أصبح المعرض أكثر إنسانية وجاذبية. لم يعد معرض كانتون “سوقا للبائعين”، بل منصة خدمات متكاملة تعزز الثقة وتسهل التبادل التجاري.

النقطة الثالثة تتمثل في تطور هيكل المنتجات المعروضة. فقد تجاوز عدد الابتكارات الجديدة الملايين، من الذكاء الاصطناعي إلى المواد الجديدة والطاقة الخضراء والأجهزة المنزلية الذكية. لم تعد “صُنع في الصين” شعارا للإنتاج فقط، بل أصبحت تعبيرا عن الابتكار والتكنولوجيا والتصميم، ما يعكس التحول من “التصنيع” إلى “الابتكار الذكي”.

ومن الجوانب اللافتة أيضًا التكامل بين المعرض والمدينة. فقد تم ربط مجمع بازو للمعارض بالسكك الحديدية والمطارات والموانئ، بحيث يمكن الوصول إلى المراكز الحضرية الكبرى في دلتا نهر اللؤلؤ خلال نصف ساعة فقط. لقد أصبح المعرض نافذة حقيقية على الانفتاح الصيني المتواصل، ورمزًا للتكامل بين التجارة والتنمية الحضرية.

وراء هذه التحولات يكمن منطق العصر الجديد: الانتقال من التوسع الكمي إلى تحسين النوعية. فقد أصبح معرض كانتون غرفة محادثة رقمية لسلاسل التوريد العالمية، ومكانًا تلتقي فيه الرؤية الصينية للتجارة الذكية مع احتياجات الاقتصاد العالمي.

أما بالنسبة للدول العربية، فإن هذه الدورة تحمل دلالات خاصة. فمع تسارع خطط التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر في المنطقة، يوفر معرض كانتون منصة عملية ومنخفضة العوائق للتعاون مع الصين في مجالات التكنولوجيا والتصنيع والخدمات. إنه يجسد ثقة الصين المتزايدة في انفتاحها ونموذجها للتنمية المشتركة.

لم يتوقف معرض كانتون عن التطور منذ تأسيسه. أما اليوم، فتكمن أهميته في كونه أكثر من مجرد حدث تجاري، إنه تعبير صيني عن الترابط العالمي، ومرآة تعكس طريق التحول في التجارة الخارجية الصينية وإيقاع اقتراب الصين من العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى