أعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه

بقلم: نادية إبراهيم نوري
العدل من أعظم الصفات، ولذلك اختصَّ الله سبحانه وتعالى به نفسه دون خلقه، لأن الإنسان – مهما بلغ من اجتهاد وسعي – لا يستطيع أن يحقق العدل المطلق؛ إذ تتدخل أهواء النفس وضعف الرؤية والعوامل البشرية التي تحجب الكمال.
أما الله جلّ جلاله، فهو العادل المطلق، لأنه يعلم ما كان وما سيكون، ويحيط علمه بما خفي من الأمور. وقد صدق الفيلسوف أرسطو حين قال: “قد تنظر لما أنظر، لكنك لا ترى ما أرى.”
العدل لا يعني المساواة المطلقة؛ فالله خلق الناس طبقات وشعوباً مختلفة في الشكل والقدرات والمكانة الاجتماعية، لتتحقق سنّة التعاون والتكامل في إعمار الأرض، لا التنافس على المكانة أو التفاضل بالظلم.
وفي الآونة الأخيرة انتشر مقطع مصوَّر لشابٍّ يحمل مطرقة ويحطِّم خزانة أدوات المطبخ الخاصة بزوجته – بما فيها من أوانٍ وأطقم وكؤوس – بحجّة أن والدته طلبت إناءً من زوجته فرفضت الأخيرة إعطاءه.
مشهد أثار الجدل، ليس لغرابته فحسب، بل لأنه يجسّد غياب التعقل والاتزان، وانعدام الوعي بالعواقب الدينية والقانونية والاجتماعية.
من الجميل أن يبرّ الرجل أمه، فهذا واجب ديني وأخلاقي، لكن البر لا يكون على حساب ظلم الزوجة التي ائتمنته أسرتها على نفسها، واختارت أن تشاركه حياتها في السراء والضراء.
الزواج رباط غليظ كما وصفه الله تعالى، فهل يليق بالمؤمن أن يفسد ويكسر؟ أليس ذلك تبذيراً؟ وقد قال تعالى: “إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ.”
التصرّف الأحمق لا يُرضي الأم، ولا يعبّر عن برٍّ حقيقي؛ فالبرّ يكون باللطف والاحترام والكرم، لا بالإفساد والإهانة.
ولو أن الزوج خشي على مشاعر والدته، لكان الأجدر به أن يشتري لها ما ترغب به دون أن يعتدي على ممتلكات زوجته. فمن المعروف في مصر أن أدوات المطبخ تشتريها العروس وأهلها، وهي ملكٌ لها، ومن حقها أن تعطي منها ما تشاء، ومتى تشاء.
وربما كان الإناء المطلوب غالياً عندها، أو هدية من شخص عزيز، أو تحتفظ به كما تفعل معظم النساء للأوقات الخاصة والضيوف.
ثم ألا يدرك هذا الزوج أنه بتصرفه قد عرّض نفسه للمساءلة القانونية؟ فالقائمة في مصر تُعدّ وثيقة قانونية تثبت ملكية الزوجة لمتاعها، وإن رفعت عليه دعوى “تبديد”، فقد قدّم هو بنفسه دليل الإدانة حين صوّر الواقعة ونشرها!
الرجل العاقل هو من يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه؛ ففضل الأم لا يُنكر، والبرّ بها واجب، لكنه لا يتعارض مع الإحسان إلى الزوجة التي هي شريكة الحياة، وأم الأبناء، وسرّ الاستقرار والسعادة في البيت.
احترام الزوجة ومشاعرها وممتلكاتها جزء من كمال الرجولة، ومن أساسات الأسرة السليمة.
أما إن كان الفيديو تمثيلاً كما قال بعضهم، فذلك لا يُبرِّر الفعل؛ لأن المحتوى الهابط أو المسيء حتى لو كان “تمثيلاً” يقدّم نموذجاً خاطئاً ويُسيء إلى الذوق العام، بينما رسائل التوعية يجب أن تُقدَّم بأسلوب راقٍ يجسّد القيم لا يُشوهها.





