سوقية سموتريتش لن تهز كبرياء السعودية ولا مواقفها المشرفة
د. مهدي مبارك عبد الله
من جديد يطل الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش بوجهه الكالح ولسانه المنفلت وبما تعود عليه من فجاجة ووقاحة وسوقية سياسية ولغوية قذرة تجاوزت حدود الادب واللياقة والدبلوماسية والأعراف الدولية ليقذف بإساءاته الوقحة تجاه المملكة العربية السعودية التي تمثل ركناً ثابتاً في بنية الموقف العربي والإسلامي ومركز الثقل السياسي في المنطقة فبعد أن أطلق قبل شهور تصريحاته العنصرية المتدنية التي سخر فيها من العرب ومن رمال الجزيرة وصحاريها عاد اليوم ليكرر إساءاته بصورة أكثر سوءاً ووقاحة متجاوزاً كل حدود اللياقة السياسية والأعراف الدبلوماسية ومعبّراً عن وجه الكراهية الحقيقي الذي يحمله اليمين الصهيوني المتطرف تجاه كل ما هو عربي ومسلم. هذه التصريحات لم تكن زلة لسان ولا انفلاتاً لفظياً، بل تجسيداً لمنهج فكري مريض يؤمن بالتفوق العرقي وبأن على العرب أن يخضعوا لمشيئة القوة الإسرائيلية ويتقبلوا منطق الإهانة والتبعية
في الإساءة الأولى قال سموتريتش بوقاحة أمام جمهوره الصهيوني ) إذا كانت السعودية تريد التطبيع مقابل إقامة دولة فلسطينية فنحن نقول لا شكراً عودوا إلى ركوب الجمال في الصحراء وسنواصل نحن التطور والازدهار وهي عبارة رذيلة تنضح بالاحتقار والتعالي على العرب بنظرة استشراقية مريضة تصور التطور وكأنه حكر على الغرب واليهود وتظهر عمق العنصرية المتجذرة في عقل اليمين الصهيوني تجاه العرب والمسلمين أما الإساءة الثانية فقد جاءت بعد أسابيع من الأولى حين حاول الوزير نفسه تقديم اعتذار متعجرف فقال متباهياً باحتقار واضح للمملكة وشعبها ( لقد عشنا بشكل ممتاز من دونهم طوال 77 عاماً وسنعيش بشكل ممتاز من دونهم لـ77 عاماً أخرى وأين كنتم عندما اتهم السعوديون جنود الجيش الإسرائيلي بالإبادة الجماعية والتجويع وعندما كانوا يدعمون الإجراءاتٍ ضد إسرائيل في المحاكم الدولية ومساندة مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع وهذا أشدُّ إهانة بألف مرة من تصريح غير مخطط له وغير موفق لوزير المالية في دولة إسرائيل وهي كلمات لم تُخفِ روح الغطرسة الإسرائيلية بل أكدت احتقارهم لكل أشكال الشراكة والمصالح المتبادلة وأظهرت جوهر العقلية التي لا تؤمن إلا بالقوة ولا ترى في الآخر إلا تابعاً أو خصماً
سموتريتش لا يمثل مجرد وزير عابر في حكومة الاحتلال، بل هو أحد أعمدة اليمين الديني الذي يقود مشروع إسرائيل الكبرى مع رفيقه المتطرف إيتمار بن غفير في حكومة نتنياهو الأكثر عنصرية وتشدداً في تاريخ الكيان حيث يسعى هذا التيار إلى فرض الهيمنة الدينية والسياسية على المنطقة بأكملها عبر نفي الآخر وإنكار حقه في الوجود وتغليف الاحتلال بغطاء أيديولوجي توراتي يبرر كل عدوان ومجزرة وإن ما لفظه هذا الوزير من عبارات سوقية يعكس أزمة أخلاقية عميقة يعيشها الكيان الإسرائيلي بعد انكشاف زيف شعاراته عن الديمقراطية والتمدن أمام العالم إثر جرائمه في غزة وفشله في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية هناك
جملة البذاءات الاخلاقية التي وجهها سموتريتش للسعودية جاءت كرد فعل بائس على مواقفها المشرفة والثابتة من القضية الفلسطينية ورفضها القاطع لأي تطبيع لا يسبق قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمة في القدس الشرقية. وهي مواقف راسخة لا تتبدل بتبدل الإدارات ولا تتأثر بالضغوط الدولية أو الإغراءات السياسية، فالسعودية تدرك موقعها المركزي في معادلة المنطقة وتعلم أن أمن الشرق الأوسط لا يتحقق على حساب فلسطين ولا على أنقاض الحقوق العربية والإسلامية
ما يلفت هنا أن هذه التصريحات القذرة جاءت بعد أيام فقط من اعتذار مرتبك قدمه الوزير نفسه إثر موجة غضب عربية ودولية أعقبت إساءته الأولى حين تحدث بغرور عن “ركوب الجمال على رمال الصحراء” حيث كان اعتذاره أشبه بإعادة إساءة جديدة وهو يطالب السعوديين بالاعتراف بما اسماه ” حقوق الشعب اليهودي في يهودا والسامرة” أي في الضفة الغربية المحتلة ليؤكد أنه لا يرى في العرب إلا عبيداً لمعادلات القوة ولا يفهم معنى السيادة أو الكرامة الوطنية
لقد تعاملت السعودية مع سوقية سموتريتش بصمت نبيل عكس ثقة الكبار وثبات المواقف فلم تنحدر إلى مستوى الرد الشخصي بل تركت أفعالها ومبادئها تتحدث عنها فالمملكة التي يتهكم عليها هذا المتطرف هي الدولة التي ما توانت يوماً عن دعم فلسطين سياسياً ومالياً وإغاثياً وهي التي قادت الدعوات لوقف العدوان على غزة وتدفع نحو تحقيق سلام عادل وشامل يقوم على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967
من يسخر من الصحراء وجمالها لا يعرف أن تلك المطايا و الرمال صنعت مجد أمة وأنها أنجبت رجالاً كُتبت أسماؤهم في ذاكرة التاريخ فالصحراء هي مرابع الرجولة وميدان البطولة ومصنع الكبرياء ومنها خرجت حضارة الكلمة والسيف والرؤية التي بنت السعودية الحديثة على أساس من العزة والثقة بالنفس وحين يتهكم مختل عقلي مثل سموتريتش على الجمال والرعي فإنه يكشف جهله بمعنى الأصالة التي يستمد منها العرب كرامتهم وهويتهم لأنه في تلك الفيافي كان يوماً مدرسة علمت الدنيا معاني الصبر والمروءة والشرف الذي لم يعرفه حثالة بني اسرائيل
تصريحات هذا المستوطن الارعن الأخيرة لا يمكن قراءتها الا في سياق الأزمة الداخلية الخانقة تعيشها إسرائيل اليوم فبعد عامين من حرب الإبادة على غزة لم تحقق حكومته شيئاً سوى العزلة والانكشاف الأخلاقي أمام العالم فضلا عن تراجع الاقتصاد وتصدع الجبهة الداخلية وانقسام النخب السياسية والعسكرية في مشهد غير مسبوق لذلك يلجأ اليمين المتطرف إلى خلق عدو خارجي جديد ليحرف الأنظار عن الفشل المزمن وهو يحاول من خلال مهاجمة السعودية إعادة تعبئة الداخل الإسرائيلي بخطاب الكراهية والعنصرية
في البعد الإقليمي تبدو إساءات سموتريتش السوقية الفجة محاولة مريضة لإرباك الدور السعودي المتنامي في المنطقة خصوصا وان إسرائيل كانت تراهن على تسويق نفسها بوصفها مركز استقرار اقتصادي وأمني باتت اليوم عبئاً على حلفائها وفقدت بريقها أمام الرأي العام العالمي بعد مشاهد ابشع صور القتل والدمار في غزة بينما السعودية تمضي بثبات في سياساتها الإقليمية المتوازنة وتبني علاقاتها مع الشرق والغرب دون أن تفرط بثوابتها ولا بمبادرة السلام العربية التي أطلقتها قبل أكثر من عقدين لتؤكد أن السلام الحقيقي لا يقوم على الاستسلام بل على العدالة
لا بد هنا من التوضيح أن ما قد يراه بعض القراء في هذا المقال من ثناء أو دفاع عن المملكة لا يأتي في سياق المديح السياسي أو المجاملة الرسمية بل في إطار الواجب الأخلاقي والقومي في لحظة فارقة تواجه فيها الأمة عدواً صهيونياً وقحاً يسعى لتشويه كل ما هو عربي وإثارة الفتنة بين الشعوب والحكومات وإن الدفاع عن السعودية هنا هو دفاع عن الكرامة العربية نفسها وعن رمز الوحدة الذي تمثله دولة عربية مركزية تقف في وجه مشروع التفتيت الذي يقوده المتطرفون في تل أبيب
اننا اذ نرفض اليوم هذه التصريحات الوقحة فإننا نؤكد وقوفنا الكامل مع المملكة العربية السعودية قيادة وشعبا ضد هذه التفاهات البهلوانية والتصريحات الصبيانية التي لا تمت للسياسة بصلة ونعلن إدانتنا لكل ما يصدر عنه من إساءات وأن أي اختلاف في وجهات النظر بين الدول العربية لا يمكن أن يكون مبررا لتمرير الإساءة أو التطاول على دولة عربية شقيقة لها سجل ناصع من المواقف المشرفة والدفاع عن قضايا الأمة وأن كرامتها جزء لا يتجزأ من كرامة كل عربي حر
لقد علمتنا التجارب أن المواقف الراسخة لا تهتز أمام غوغاء الحقد ولا تنحني أمام ضجيج الشتائم والسعودية التي وقفت يوما في وجه الضغوط الدولية دفاعا عن القيم العربية والإسلامية ستبقى كما عهدناها وفية لمبادئها صلبة في مواقفها شامخة بكبريائها أما سموتريتش ومن على شاكلته فسيبقون مجرد ظواهر صوتية عابرة ستطويها رياح الصحراء ويبقى مجد الرياض راسخا كجبالها وكبرياؤها عنوانا لعزة الأمة وكرامتها لانه لا يُشترى ولا يُستفز مهما تعالت أصوات والحقد وسلوكيات التفاهة والتصريحات البهلوانية الصبيانية في تل أبيب
التصريحات الوقحة والمتكررة التي حاول فيها سموتريتش السخرية من المملكة لا تعكس إلا إفلاسًا أخلاقيًا وسياسيًا وفشل حكومته في مواجهة المقاومة الفلسطينية وظهور العزلة المتزايدة للكيان الإسرائيلي على المستوى الإقليمي والدولي بينما السعودية التي أراد النيل منها هي نفسها الدولة التي لم تتخل يومًا عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وهي مواقف متأصلة تستمد قوتها من شرعية التاريخ ومن ثبات المبادئ التي قامت عليها المملكة والتي لم تتزحزح تحت ضغط أي تهديد
السعودية العربية التي أراد سموتريتش أن يهاجمها اليوم هي نفسها التي كانت وما تزال ركنا راسخا في بنيان الموقف العربي والإسلامي وحصنا منيعا في وجه كل محاولات ابتزازها أو كسر إرادتها مواقفها من القضية الفلسطينية لم تتبدل يوما ولا تزال ثابتة على دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية مهما تبدلت الموازين والضغوط وهي مواقف تستمد قوتها من شرعية التاريخ ومن ثبات المبادئ التي قامت عليها دولة تأسست على العز والشرف والإيمان بعدالة القضايا العربية
ختاما : لقد أن لإسرائيل تدرك أن زمن الاستعلاء اللفظي والاستهانة بالدول العربية قد ولى وأن استمرار خطاب الكراهية والتحقير الذي يروجه وزراء متطرفون كسموتريتش لن يمر من دون تبعات سياسية ودبلوماسية والسعودية ليست مجرد دولة عربية كبرىبل محور توازن إقليمي له ثقله في الاقتصاد والسياسة والدين وأي مساس بها هو عبث بمعادلة الاستقرار في الشرق الأوسط وإن صمت الحكماء لا يعني القبول والإساءة للرياض ليست رأياً بل استفزازاً للأمة بأكملها وإذا لم تُراجع تل أبيب خطابها العدواني فإنها ستخسر ما تبقى من فرصها في بناء علاقات طبيعية مع العالم العربي لأن الاحترام المتبادل هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين الأمم وليس لغة الغطرسة التي اعتادت عليها إسرائيل منذ قيامها
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]



