في كلّ زوايا الوطن، يكمن الأمل وفي يقظة الحُماة تنبض روح الأمان… الأمن العام الأردني
د. عمّار محمد الرجوب
قال جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين: «أجدد ثقتي الكاملة برجال الأمن العام، فهم درع الوطن وسياجه المنيع، الساهرون على أمن الأردنيين في كل مكان».
تلك العبارة ليست مجرد تقدير، بل هي إعلان مبدأ وطني سامٍ، يؤكد أن الأمن في الأردن ليس وظيفة مؤقتة، بل فلسفة وجود راسخة، تتجسد في ضمير كل من يرتدي بزّة الأمن العام، وفي وعي كل مواطن يؤمن أن الأمن مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة والشعب.
في الأوقات التي يتسلل فيها الغموض إلى تفاصيل الحياة، حين يُعثر على حقيبة مجهولة في مجلس نيابي أو في أحد ميادين البلد، ينهض رجال الأمن العام كأنهم نبض من وعي الأرض، لا يندفعون خوفًا بل حكمة، ولا يتحركون انفعالًا بل بميزان من الهدوء والدقة. هنا تتجلى صورة الدولة في أجمل معانيها، حيث النظام ينصت قبل أن يأمر، ويقدر قبل أن يتحرك، ويخمد فتيل الخطر بصمت يشبه وعي العارفين.
لم تكن تلك الحوادث مجرد أخبار عابرة في وسائل الإعلام، بل محطات تعيد إلى الذاكرة معنى الدولة القادرة، والعين الساهرة التي لا تعرف النوم. فالأمن العام الأردني لم يعد اليوم مجرد جهاز ينفذ الأوامر، بل عقل مؤسسي يفكر بوعي استراتيجي، ويترجم فكر القيادة إلى فعل واقعي يشعر المواطن أنه ليس مراقبًا فقط، بل شريكًا في صناعة الطمأنينة.
وفي ظل التحولات العالمية، وما يرافقها من تحديات أمنية ونفسية واجتماعية، برز دور الأمن العام في أبعاده الثلاثة: الوقائي، الإنساني، والمجتمعي. فمن جهة، تُدار المواقف بحرفية ودقة نادرة، ومن جهة أخرى تُبنى علاقة ثقة متبادلة بين الأمن والمجتمع، أساسها الاحترام والتعاون. ولعل اللافت في السنوات الأخيرة، هو حضور الأمن العام في تفاصيل الحياة اليومية للناس؛ لا كسلطة مراقبة، بل كجسر إنساني يمدّ العون، ويحتوي الحاجة، ويقدم الخدمة قبل أن يُطلب منه ذلك.
إن برامج الخدمة المجتمعية التي تتبناها مديرية الأمن العام — من دعم للأسر المحتاجة، وحملات للتبرع بالدم، وإغاثة في الكوارث، وحماية للأسرة والطفل، ومبادرات شبابية وتوعوية في الجامعات والمدارس — هي الوجه الآخر للدرع الحديدي. وجه إنساني يترجم أن الأمن ليس فقط حماية من الخطر، بل رعاية للإنسان، وصون لكرامته، وتعبير عن حضارة الدولة ووعيها الأخلاقي.
سياسيًا، يُعد الأمن العام صمام التوازن بين سلطة الدولة وحرية المواطن، فهو الذي يحافظ على هيبة القانون دون أن يخرق كرامة الفرد، وهو الذي يدير أزمات الشارع بروح من الانضباط والرحمة، مدركًا أن الوطن لا يُحفظ بالقوة وحدها، بل بالعقل والعدل والتسامح. ومجتمعيًا، أصبح جهاز الأمن العام نموذجًا في الانفتاح على الناس، يشاركهم أفراحهم وأزماتهم، ويتحدث إليهم بلغة يفهمها القلب قبل العقل، حتى صار الأمن في الأردن أقرب إلى علاقة وجدانية منه إلى سلطة تنفيذية.
في مثل هذه اللحظات، حين يظن البعض أن الخطر يتخفى خلف حقيبة أو رسالة مجهولة، يخرج الأمن العام الأردني ليذكرنا أن الوطن لا يُفاجأ، لأنه دائمًا مستعد بعيون لا تنام، وعقول تفكر قبل أن تتحرك. لقد صار هذا الجهاز مدرسة في إدارة الأزمات، يجمع بين الصرامة الإنسانية والوعي الاستباقي، وبين الانضباط العسكري والمبادرة الفكرية.
وكلما اشتد الغبار حول الحقائق، خرجت التجربة الأردنية لتقول: إن الأمن ليس رد فعل، بل فعل وعي مستمر، وإن الدولة التي تمتلك رجالات أمن بهذا الوعي، قادرة أن تحول المجهول إلى درس في اليقظة، والخطر إلى لحظة وعي وطني جديدة.
واقول
ليس الأمن جدارًا من حديد، بل ضميرًا من وعي يسكن في كل قلب مؤمن بالوطن.
واقول من شعري
على دربهم تمضي الكرامة سيرة
ويزهر في عزم العيون الأمان
فبوركتم يا حراس ليل وموطن
فأنتم له الروح وهو الكيان
ومن جفنكم تروى البلاد كرامة
وتحيا على أنفاسكم أوطان

