لا للتعصّب

بقلم: نادية إبراهيم نوري
تذكّرت أغنية وديع الصافي القديمة “يا بو مرعي”، وكيف ظنّ المغنّي أن سمع سَلْمى هو الثقيل، بينما كانت هي تظن أن مشكلته في سمعه! وهذا تمامًا ما نعيشه اليوم؛ كلٌّ منّا يرى المشكلة في الآخر، ولا يفكّر ولو للحظة أن الخلل قد يكون فيه هو نفسه.
فعند أي خلاف بين اثنين، يسارع كل طرف إلى تحميل المسؤولية للآخر، ويرى في نفسه الكمال. وحين يحتدم النقاش، يستميت كل طرف ليُثبت أن رأيه هو الصواب المطلق، وأن رأي غيره هو الخطأ، دون أن نترك مساحة للحوار الهادئ، أو نُتقن فنّ الإصغاء والاجتهاد في الفهم.
بل إن النقاش لدينا يتحوّل غالبًا إلى ساحة لإثبات الحجج ودحض رأي المقابل، وكأن الهدف هو الانتصار لا الفهم. وهذا في جوهره سببٌ رئيسي لكثير من مشاكلنا؛ لأننا لا نجيد حسن الاستماع، ولا نمنح الآخر فرصة ليُفصح عن رأيه بارتياح.
ومع ذلك، نجد الإمام الشافعي—وهو العالم الجليل والفقيه—يقول: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”. كان هذا منهجه في الاجتهاد والحوار، وهو منهج يعكس قمّة التواضع، وعمق العلم، ورقّة الإيمان.
وكذلك قال الإمام مالك رحمه الله: “كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد، إلا صاحب هذا القبر” مشيرًا إلى النبي محمد ﷺ. وهذه الأقوال تؤكّد أننا بشر، تتشكّل أفكارنا وآراؤنا، وقد تتغير بتقدّمنا في العمر أو اتساع وعينا، ومهما بلغنا من العلم فقد نُخطئ أو نُصيب. أمّا الأنبياء، فكلامهم وحيٌ من عند الله:
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3-4].
فماذا عنّا نحن، البسطاء وعامة الناس؟ لماذا يتحوّل نقاش بسيط إلى تعصّب، وتجريح، وربما خصام وعداء؟
ليكن شعارنا: نختلف ونتفق، ويبقى الودّ، ويبقى الحوار.
فلنتعلّم آداب النقاش البنّاء، ونبتعد عن التعصّب، ونُحسن الاستماع، ونستوعب وجهات النظر المختلفة. ولا بأس أن نتمسّك بما نعتقده—لكن دون أن نُجرّم الآخر أو ننال منه عند أول اختلاف.
وكما قال أحمد لطفي السيد: “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”.
فيا ليتنا نجعلها قاعدة في تعاملاتنا، فنرتقي بحواراتنا ونحفظ قلوبنا من القسوة والخصام



