حتى لا نعيش سيناريو مرعب، لتكن البوصلة نحو مشروع التحلية في العقبة

كتب أ.د. محمد الفرجات
في عالمٍ يتغيّر فيه المناخ بسرعة، ويزداد فيه الضغط على الموارد الطبيعية بوتيرة غير مسبوقة، تبدو السنوات السبع المقبلة حاسمة في تاريخ الأردن الحديث. فماذا لو جاءت سبع سنوات عجاف—كما في قصة يوسف عليه السلام—ولكن هذه المرة من دون أن يكتمل مشروع التحلية الوطني الذي يُعوّل عليه لإنقاذ المملكة من عطش داهم؟
في هذا المقال، نضع الأردن أمام مرآة المستقبل، ليس لترويع القارئ، بل لتحفيز الدولة والمجتمع نحو اتخاذ القرار المصيري: مشروع التحلية ليس خيارًا… بل وجودٌ أو عدم.
أولاً: خطورة التأخر في مشروع التحلية أمام سبع سنوات قاحلة:
إذا دخل الأردن فترة ممتدة من شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة دون وجود مصدر مائي سيادي جديد، فإننا سنواجه:
1. انهيار المعادلة المائية بالكامل:
العجز المائي سيقفز من 450 مليون م³ سنويًا إلى ما يتجاوز 750 مليون م³.
تدهور مخزون السدود إلى مستويات أقل من 15% من طاقتها.
استنزاف إضافي للأحواض الجوفية وحدوث هبوطات بأعماق المياه.
ثانياً: تأثيرات كبيرة على القطاعات
1. قطاع المياه:
تضرر برامج التزويد المنتظم واعتماد نظام “التوزيع المتقطع” لساعات كل أسبوعين.
ارتفاع كلف ضخ المياه بنسبة قد تصل إلى 100% بسبب الآبار العميقة والمالحة.
زيادة الطلب المجتمعي على مصادر المياه في القرى والمخيمات وأطراف المدن.
2. قطاع الزراعة والغذاء:
تراجع المساحات المروية بنسبة 40–60%.
ارتفاع أسعار الخضار والفواكه بنسبة عالية.
فجوة بالأمن الغذائي المحلي ودخول الأردن في اعتماد شبه كامل على الاستيراد المائي، وهذا أمر غير محمود.
هجرة الريف إلى المدن، وارتفاع معدلات الفقر في الأغوار والبادية.
3. قطاع الصناعة:
تعطل الصناعات التي تعتمد على المياه:
الأسمدة، الأدوية، الصناعات الغذائية، التعدين، المشروبات.
تراجع حصة الأردن من الصادرات الصناعية.
تراجع استثمارات مستقبلية لأن المستثمر لن يغامر في بلد بلا يقين مائي.
4. قطاع الطاقة:
زيادة استهلاك الكهرباء لضخ المياه من أعماق أكبر ومسافات أبعد.
ارتفاع فاتورة الطاقة الوطنية.
تأخر مشاريع الهيدروجين الأخضر بسبب عدم توفر مياه للتحليل الكهربائي.
5. السياحة:
استمرار الضغط على البنية التحتية في العقبة والبترا وعمّان دون وجود مصادر مياه إضافية.
إمكانية تقليص استقبال الزوار في بعض المواقع بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية المائية.
صورة الأردن عالميًا كدولة غير مستقرة مائيًا ستؤثر على قرارات السفر والاستثمار السياحي.
6. التعليم والصحة والبلديات:
مدارس بلا مياه كافية… مستشفيات تعتمد على صهاريج مكلفة وغير مضمونة الجودة.
ارتفاع الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة أو استخدام مياه غير مناسبة منزليًا.
بلديات عاجزة عن تزويد خزانات المساجد والحدائق والمرافق العامة.
ثالثاً: الأثر الاجتماعي والأمني:
إذا لم تُنجز التحلية خلال سبع سنوات عجاف، فإن:
الأسرة الأردنية ستدفع أكبر فاتورة مياه في تاريخها.
تظهر بؤر توتر اجتماعي حول الآبار والمصادر المحلية.
تتراجع ثقة المواطنين بالحكومات بسبب عجز منظومة الخدمات الأساسية.
تتقلص قدرة الدولة على توفير المياه لمخيمات الأشقاء اللاجئين أو التعامل مع موجات نزوح جديدة.
رابعاً: الاقتصاد الوطني… في اختبار وجودي:
ورقة المياه هي أساس أي تنمية، ودونها:
تتراجع قدرة الأردن على تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي.
ينخفض نصيب الفرد من المياه لأقل من 60 م³ سنويًا (خط الفقر المائي العالمي = 500 م³).
ترتفع معدلات البطالة في القطاعات الزراعية والسياحية والصناعية.
يتراجع نمو الناتج المحلي بما لا يقل عن 1.5 – 2% سنويًا بسبب التداعيات المباشرة وغير المباشرة.
خامساً: الاستنتاج المركزي:
إذا لم يتم إنجاز مشروع التحلية الوطني خلال سبع سنوات عجاف محتملة، فإن الأردن سيدخل مرحلة غير مسبوقة من الانكشاف المائي والغذائي والاقتصادي والأمني.
التحلية ليست رفاهًا، بل حجر الأساس لجميع خطط الدولة للعقد القادم.
لقد أثبتت كل النماذج المكانية والهيدرولوجية والاقتصادية أن الاعتماد على المصادر الحالية أصبح مستحيلًا، وأن تحلية البحر الأحمر هي الطريق الوحيد للحفاظ على استقرار الأردن ومستقبله.
سادساً: التوصيات الضرورية:
1. اعتبار مشروع التحلية مشروعًا سياديًا فوق حكومي.
2. تسريع توقيع العقود والتمويل وتنفيذ البنية التحتية فورًا.
3. دمج الطاقة المتجددة لإنتاج مياه منخفضة الكلفة.
4. إطلاق خطة وطنية للطوارئ المائية تغطي السنوات 2025–2032.
5. توجيه الاستثمار الوطني والصناديق العربية نحو مشاريع التخزين، التحلية، وإعادة الاستخدام.
إنّ أخطر ما يمكن أن يواجه دولةً مثل الأردن—بموقعها الجيوسياسي ومواردها المحدودة—هو الدخول في سنوات عجاف بلا شبكة أمان مائية. وإنجاز مشروع التحلية ليس فقط إجراءً فنّيًا، بل هو قرار مصيري يحفظ الأردن، ويؤمّن حياة أجياله القادمة، ويحمي اقتصاده وأمنه الوطني.
إذا كانت السبع سنوات العجاف احتمالًا… فإن التحلية هي الحل الوحيد الذي لا يجوز تأجيله.
قضية المياه الجوفية العميقة هي حل إستراتيجي ممكن ضمن إعتبارات معينة، تم تغطية هذا الملف بمقال سابق لي.




