ما دور الدين العام في السياسات الاقتصادية الكلية والسياسات المالية والنقدية في اقتصادات الدول المتقدمة و الدول النامية و الأردن ؟

بقلم / د. علي اشتيان المدادحه
يعد الدين العام من أهم أدوات السياسة الاقتصادية الكلية , اذ يستخدم لتمويل العجز , وتحفيز النمو , وادارة الدورة الاقتصادية . غير أن أثره يختلف جذريا بين الدول تبعا لحجم الاقتصاد , وعمق الاسواق المالية , والسيادة النقدية , وكفاءة الانفاق العام .
ونبين في هذا المقال دور الدين العام في الأردن مقارنة مع الدول المتقدمة والدول النامية , مع التركيز على أثر الدين في السياسات المالية والنقدية والنتائج الاقتصادية وكما يلي : –
أولا : – الخصائص البنيوية للاقتصادات الدول المتقدمة والدول النامية و الأردن .
1– الأردن : –
-اقتصاد صغير مفتوح محدود الموارد الطبيعية .
– دين عام مرتفع نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي .
– ربط سعر صرف الدينار بالدولار يقيد السياسة النقدية .
– حيز مالي محدود واعتماد نسبي على التمويل الخارجي والمؤسسات الدولية .
2 – الدول المتقدمة مثل ( الولايات المتحدة , اليابان , دول الاتحاد الأروبي ) : –
– دين عام مرتفع اسميا وأحيانا نسبيا .
– اقتصادات كبيرة ومتنوعة وعالية الانتاجية .
– عملات سيادية Reserve / Hard Currencies .
– أسواق مالية عميقة وقدرة عالية على ادارة الدين .
–
3 – الدول النامية مثل ( مصر , المغرب , تونس ) .
– دين عام أقل من الدول المتقدمة أحيانا لكنه أكثر خطورة .
– نمو غير مستقر , قواعد انتاجية محدودة .
– اعتماد على التمويل الخارجي .
– حساسية مرتفعة لتقلبات أسعار الفائدة والصرف .
2 / 4
ثانيا : – الدين العام والسياسة المالية .
1 – الأردن : الدور الفعلي للدين العام , تمويل عجز الموازنة العامة الجاري , تغطية نفقات تشغيلية , وحيز مالي محدود للاستثمار الرأسمالي . ونتيجة ذلك , السياسة المالية مقيدة , وتركز على زيادة الضرائب , وضبط الانفاق , وضعف الأثر التحفيزي للدين على النمو .
2 – الدول المتقدمة : الدور الفعلي للدين العام , اداة نشطة لأدارة الدورة لأقتصادية , وتمويل استثمارات استراتيجية مثل البنية التحتية والتكنولوجية وغيرها , واستخدام واسع للسياسات التوسعية عند الأزمات . ونتيجة ذلك , الدين يدعم النمو , مرونة مالية عالية , وقدرة على التوسع دون فقدان الثقة .
3– الدول النامية:الدور الفعلي للدين العام , مزيج بين تمويل استثماري محدود , وتمويل استهلاكي واسع , وعبء خدمة الدين مرتفعة نسبيا . ونتيجة ذلك تقشف دوري , هشاشة مالية , تذبذب في معدلات النمو .
ثالثا : – الدين العام والسياسة النقدية .
1 – الأردن : سياسة نقدية حذرة ومرتبطة بالاستقرار النقدي , وارتباط الدينار بالدولار يقلل هشاشة المناورة , وارتفاع الدين يحد من تخفيض أسعار الفائدة والتوسع الائتماني . لذا فأن الأثر الأساسي للدين العام , الضغط على السياسة النقدية بدل أن يتكامل معها
2 – الدول المتقدمة : بنوك مركزية مستقلة ومرنة , وامكانية تمويل غير مباشر للدين ( التيسير الكمي ) وأسعار فائدة منخفضة لفترات طويلة . لذا فأن الأثر الأساسي للدين العام ادارة ضمن السياسة النقدية وليس قيدا عليها .
3 – الدول النامية: ضغوط على البنوك المركزية , وتضارب بين دعم النمو ومخاطر تمويل العجز . لذا فان الأثر الأساسي للدين العام مصدر لعدم الاستقرار النقدي .
رابعا : – الدين العام والنتائج الاقتصادية .
المؤشر
الأردن
دول متقدمة
دول نامية
1- أثر الدين العام على النمو
محدود / ضعيف
إيجابي غالباً
متذبذب
2- كلفة خدمة الدين
مرتفعة نسبياً
منخفضة
مرتفعة
3- الحيز المالي
ضعيف
واسع
محدود
4- الإستقرار النقدي
متوسط
مرتفع
هش
5- مرونة السياسات
منخفضة
عالية
متوسطة الى منخفضة
3 / 4
خامسا : لماذا الدين العام خطر نسبيا على الأردن مقارنة بالدول المتقدمة وذلك للأسباب
التالية:
محدودية القاعدة الانتاجية, وضعف توجيه الدين العام نحو الاستثمار , وارتفاع كلفة الاقتراض , وضعف السوق المالية المحلية , وغياب عملة دولية , وحساسية عالية للصدمات الخارجية .
سادسا : الخلاصة الاستراتيجية , في الدول المتقدمة , الدين العام يساوي ادارة سيادية لادارة الاقتصاد الكلي . وفي الدول النامية, الدين العام يساوي ادارة ضرورية لكنها عالية المخاطر . وفي الأردن , الدين العام قيد على السياسات أكثر من محفزا للنمو , الأ اذا أعيد توجيهه بوضوح الى نمو الاستثمار الانتاجي وبالشراكة مع القطاع الخاص من خلال مشاريع ذات عائد اقتصادي مباشر .
لما ذكر أعلاه أما آن الأوان على الحكومة الأردنية أن تعيد استراتيجتها بعد انحصار تفاعل عوامل داخلية هيكلية مع صدمات خارجية متكررة أثرت على مسار الاقتصاد الوطني , من انقطاع الغاز المصري الى ارتفاع كلف توليد الطاقة , واغلاق الحدود مع سوريا والعراق الى تراجع الصادرات وحركة التجارة , كما فرض تدفق اللاجئين أعباء اضافية على الموازنة العامة ثم جاءت جائحة كوفد – 19 لتفاقم العجز المالي . بأن توجه الحكومة الدين العام نحو الاستثمار الانتاجي وبالشراكة مع القطاع المحلي والاقليمي , وخاصة أن هنالك مشاريع استراتيجية واستثمارية تنموية متعددة في البلاد مثل الناقل الوطني وانشاء مدن جديدة واستكمال انشاء بعض المشاريع من أبنية وطرق ومواصلات تربط الأردن بدول الأقليم والعالم .
فقد حققت البلدان التي حسنت دورة الاستثمار مضاعف استثماري أعلى بمرتين مقارنة بالدول التي توسعت في الانفاق الجاري دون اصلاح مؤسسي , حيث يعتبر الاستثمار العامود الفقري للنمو والتنمية الشاملة من خلال رفع معدلات النمو في الناتج , من خلال العمل بالمسارين التاليين , الأول تحسين دورة الاستثمار ( تخطيط , اختيار , تنفيذ , متابعة ) والثاني , الاصلاح المؤسسي من خلال اعادة هيكلة مؤسسات الحكومة . لذا فعلى حكومتنا لكي تحقيق الازدهار الاقتصادي أن تعمل على بناء المؤسسات الشاملة بدلا من المؤسسات الاستحواذية الموجودة فيها وتعزيز كفاءة الانفاق الاستثماري بنسب مرتفعة من الانفاق العام وبالشراكة مع القطاع الخاص من خلال تهيئة البيئة الحاضنة للاستثمارات وذلك لتحقق البرامج ورؤيا التحديث الاقتصادي في البلاد أهدافها .
4 / 4


