الكرك بين الزيارات الملكية والواقع المنسي

رزان الكعابنة
حظيت محافظة الكرك عبر تاريخها بعدة زيارات ملكية سامية، كانت في كل مرة تُقابل بحالة من الاستنفار المؤقت؛ تُزيَّن الشوارع، وتُنظَّف الأرصفة، وتُجمَّل الواجهات شكليًا، وكأن المحافظة تُهيَّأ لالتقاط صورة لا لعرض حقيقة. كانت الكرك تُجهَّز كما يُجهَّز الأطفال لاستقبال العيد، فمقدَم جلالة الملك عيد، وفرحة، وأمل، وخير.
وفي كل زيارة، لم يكن جلالة الملك يأتي ليُسمع عبارات المجاملة، بل ليَسأل ويستفسر ويهتم: عن أحوال الناس، عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، عن البنية التحتية، وعن الواقع العمراني. ومع ذلك، كانت الألسنة تتسابق لترد بجملة واحدة: «كل شيء بخير سيدي».
لكن جلالة الملك لم يقطع مسافات شاسعة ليُقال له إن كل شيء بخير؛ بل جاء ليسمع الحقيقة، ويقف على الخلل، ويبحث عن الحلول.
إن ما تعانيه الكرك اليوم يطرح سؤالًا جوهريًا: أين البلديات من رداءة البنية التحتية؟
وأين المسؤولون الوطنيون، الصادقون في انتمائهم وإخلاصهم، عمّا يحدث من أزمات تمسّ حياة الناس ومستقبلهم؟
كيف يُعقل أن تتعطل منظومة تعليمية عريقة، كجامعة مؤتة — جامعة السيف والقلم — عن أداء دورها، بسبب أسباب هامشية لا وزن لها في دول تحترم التعليم وتضعه في صدارة أولوياتها؟
الأردن دولة تمتلك من الإمكانات البشرية والعلمية ما يؤهلها لأن تكون في مقدمة الدول في شتى المجالات، لكنه يحتاج إلى إدارة صادقة، ورقابة حقيقية، وإرادة تنفيذ لا تكتفي بالشعارات.
إن تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعمراني ليس ترفًا، بل واجب وطني وأخلاقي تجاه كل شبر من أرض المملكة الأردنية الهاشمية.
وإذا كان هذا هو الحال في المحافظات الرئيسة، فكيف هو الواقع في القرى النائية، القاحلة، التي يعاني سكانها من الفقر، والجوع، وانعدام المياه، وغياب المدارس والمستشفيات، وافتقارهم لأبسط مقومات العيش الكريم؟
هذه المناطق ليست أرقامًا في تقارير، بل بشر لهم الحق في الحياة الكريمة، والتعليم، والصحة، والأمل.
ويبقى السؤال الأهم: أين الإعلام الأردني من هذه القضايا؟
أين دوره الرقابي، وصوته الذي يفترض أن ينقل معاناة الناس بصدق، لا أن يكتفي بتلميع الصورة وتجاهل الجوهر؟
إن الوطن لا يُبنى بالإنكار، بل بالاعتراف بالخلل، ولا ينهض بالمجاملات، بل بالمحاسبة والعمل الجاد. والكرك، كما كل محافظات الأردن، لا تطلب المستحيل، بل تطلب حقها في التنمية، والعدل، والاهتمام الحقيقي الدائم، لا الموسمي.





