العقبة بوابة العالم الأزرق: مبادرات الملك لحماية الشعاب المرجانية ودعم المناخ والاقتصاد

كتب أ.د. محمد الفرجات
في لحظة مفصلية من التاريخ البيئي والمناخي للبشرية، أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني من منصة مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في مدينة نيس الفرنسية، سلسلة من المبادرات الريادية تحت عنوان “مبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق”، تتضمن إنشاء “المركز العالمي لدعم المحيطات”، مستندًا إلى الخصائص الفريدة التي تتمتع بها الشعاب المرجانية في خليج العقبة، والتي تصنفها الأوساط العلمية بأنها واحة الأمل الأخيرة في مواجهة الاحترار العالمي.
مرجان العقبة: مختبر عالمي طبيعي
تتميز الشعاب المرجانية في خليج العقبة بقدرتها الاستثنائية على تحمل ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بنظيراتها في بحار ومحيطات العالم. ويُعزى ذلك إلى مسار تطوري فريد مرت به هذه الشعاب عبر آلاف السنين أثناء هجرتها من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر.
فقدت الشعاب المرجانية عالميًا أكثر من نصف تنوعها منذ عام 1950 نتيجة لتغير المناخ والتلوث والصيد الجائر. لكن دراسات علمية أثبتت أن مرجان العقبة يمكنه تحمل درجات حرارة تفوق المعدل العالمي بعدة درجات مئوية، مما يجعله نموذجًا مثاليًا للدراسة والمحاكاة.
المبادرة الملكية: خطوة استراتيجية بأبعاد كونية
أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني عن مجموعة من الإجراءات والمبادرات الطموحة، شملت:
أولًا: مبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق
دعم المشاريع المبتكرة لاستخدام الموارد البحرية بشكل مستدام.
تحفيز الاستثمار في السياحة البيئية والبحوث البحرية.
تدريب الكوادر المحلية على أحدث تقنيات ترميم الشعاب المرجانية والزراعة البحرية.
ثانيًا: المركز العالمي لدعم المحيطات
مركز أبحاث وتجريب تقني دولي يركز على استزراع المرجان وإعادة تأهيل الشعاب.
شراكات مع جامعات ومراكز أبحاث عالمية، ومؤسسات بيئية كبرى.
الأهمية البيئية والمناخية العالمية
يمثل هذا التوجه نقطة تحوّل في حماية النظم البيئية البحرية من خلال نشر نماذج مستدامة قابلة للتطبيق عالميًا. كما يشكّل منصة علمية لمعالجة التغير المناخي، خاصة في ما يتعلق بخزن الكربون في المحيطات وتثبيت الحرارة. إلى جانب ذلك، تسهم المبادرات في حماية التنوع البيولوجي البحري، الذي يشكل ركيزة الأمن الغذائي والصحي لكوكب الأرض.
الأثر على الأردن: سياحيًا واقتصاديًا
السياحة البيئية
فتح آفاق جديدة لمنتج سياحي مختلف يركّز على الغوص العلمي والسياحة التفسيرية والتعليم البيئي.
جذب السياح العالميين والباحثين لمعاينة هذا النظام البيئي الفريد.
الاقتصاد الأزرق
تعزيز فرص العمل في القطاعات البحرية والتكنولوجية والتعليمية.
تحفيز الشركات الناشئة للاستثمار في تقنيات الشعاب المرجانية المستدامة.
إدخال الأردن إلى ساحة الحوارات البيئية العالمية، عبر دور فاعل في مبادرات المحيطات والمناخ.
العقبة رئة زرقاء للمستقبل
في زمن تواجه فيه البشرية أزمة وجودية بسبب التغير المناخي، يُعيد الأردن عبر هذه المبادرات وضع نفسه على خارطة الحلول العالمية. من خلال رؤية ملكية استباقية، لا تقتصر أهمية “مبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق” على حماية الشعاب المرجانية فحسب، بل تفتح أفقًا جديدًا لعلاقة متوازنة بين الإنسان والطبيعة، وتقدّم نموذجًا يُحتذى به في التنمية البيئية المستدامة.