العقبة بين عهدين إداريين: وداع الدكتور خالد الحجاج واستقبال اللواء أيمن العوايشة… والعين على مستقبل مزدهر

كتب أ.د. محمد الفرجات
في لحظة دقيقة من التحولات الإدارية التي تشهدها محافظات المملكة، تودّع مدينة العقبة رجل الدولة الهادئ والمتزن، عطوفة الدكتور خالد الحجاج، الذي انتقل لتولي مهام محافظ معان، وهي محطة أخرى غنية بالتحديات التنموية والاجتماعية. وبنفس القدر من الأمل والتطلّع، تستقبل العقبة عطوفة اللواء أيمن العوايشة، القادم من خلفية أمنية مرموقة في جهاز الأمن العام، حاملاً معه أدوات القيادة الميدانية والحكمة الإدارية والخبرة في التعامل مع الإنسان والأمن والتنمية.
العقبة: قلب نابض للأردن على البحر
العقبة ليست مجرد مدينة، بل هوية وطنية متعددة الأبعاد، تجمع بين كونها بوابة الأردن البحرية الوحيدة، وميناءه الاستراتيجي، ومنفذه إلى العالم، وعقدة مواصلات برية وجوية وحدودية ذات أهمية إقليمية ودولية. وهي كذلك مركز تلاقي للمجتمع الأردني، حيث يعيش فيها العقباوية الكرام إلى جانب أبناء وبنات من مختلف محافظات المملكة، إضافة إلى أبناء فلسطين الأعزاء الذين ساهموا ولا يزالون في النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمدينة.
وتُعد العقبة مركزًا متقدمًا في السياحة، والصناعة، والتجارة، والاستثمار، واللوجستيات، ومرفقًا بيئيًا فريدًا، حيث تضم مياه خليج العقبة نظمًا بيئية بحرية استثنائية، من ضمنها شعاب مرجانية تتميز بقدرتها النادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية والحرارة والملوحة المرتفعة. وقد أشار جلالة الملك في رؤيته البيئية المستقبلية إلى العقبة باعتبارها أملًا علميًا بيئيًا، يمكن أن تُسهم عبر استزراع المرجان في إنقاذ بيئات بحرية متدهورة حول العالم.
منطقة اقتصادية خاصة برؤية ملكية واضحة
القانون الخاص بالعقبة كمنطقة اقتصادية، لم يُسنّ عبثًا، بل جاء ليشكّل أرضية تشريعية جاذبة ومحفزة للاستثمارات المحلية والدولية، تُعزز من قدرة المدينة على المنافسة الإقليمية. ومن هنا، فإن القيادة فيها تتطلب وعيًا استثنائيًا بالتنمية المستدامة، والاستثمار، والاقتصاد، والبنية التحتية، والسياحة، والتعليم، والنقل، والبيئة.
التحول الإداري: منجزات وتطلعات
غادرنا الدكتور خالد الحجاج، وقد ترك إرثًا طيبًا في حفظ السلم المجتمعي، وإدارة العلاقة بين المواطن والدولة بتوازن وانفتاح، وتعزيز أدوار الجمعيات والمؤسسات الخدمية، وتمثيل صوت الدولة الحكيم في أدق القضايا. وقد أثبت خلال عمله أنه محافظ إنساني تنموي أمني متكامل، يحظى باحترام جميع المكونات المجتمعية في العقبة.
أما اللواء أيمن العوايشة، فالتحديات أمامه كبيرة، لكن سيرته المهنية المتميزة في جهاز الأمن العام، وفهمه العميق للمجتمع الأردني، يجعلاننا نتفاءل بقيادته لمسيرة العقبة إلى الأمام. فالمسؤولية اليوم أكبر، والتوقعات أعظم، والعقبة تستحق قيادة تُجسد ثلاثية الحاكم الإداري الناجح: الإنسانية، والتنمية، والأمن.
المهام المنتظرة من عطوفة المحافظ الجديد: رؤية شاملة
1. قيادة عملية التنمية بكل أبعادها: على رأس أولويات المحافظ الجديد قيادة مشاريع تنموية متكاملة تشمل البنية التحتية، الخدمات العامة، تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، دعم الصناعات القائمة وتوفير بيئة حاضنة للصناعات الجديدة، وتبني حلول مبتكرة لمشكلات مزمنة مثل البطالة والفقر.
2. تعزيز السلم المجتمعي: من خلال التفاعل المباشر مع مكونات المجتمع المحلي، والاستماع لهم، والعمل على تقليل الفجوات المجتمعية، وتعزيز ثقافة الحوار والمشاركة في القرار المحلي.
3. تشجيع أنشطة الشباب الثقافية والرياضية: وتفعيل المراكز الشبابية، وتمكين الجمعيات والمبادرات المجتمعية من القيام بدورها، مع التركيز على دعم الطاقات الشابة وتبني أفكارها وتوفير مساحات آمنة لها للتعبير والمشاركة.
4. ضمان استدامة عمل الدوائر الحكومية والخدمية بكفاءة وعدالة: عبر متابعة الأداء وتقييم الجودة وتحقيق الانسجام بين الجهات الحكومية المختلفة.
5. التكامل مع مفوضية العقبة وشركة تطوير العقبة: عبر تفعيل التنسيق المؤسسي وتوحيد الجهود في تنفيذ رؤية جلالة الملك بجعل العقبة منطقة اقتصادية تنافس الموانئ والمناطق الحرة في المنطقة.
6. العمل على تعزيز السلامة المرورية: من خلال معالجة هندسية جذرية لمشاكل السير، والحد من السرعة المفرطة، وتقليل الحوادث، وجعل العقبة مدينة وادعة لا تعاني من التوترات المرورية.
7. تعزيز مفهوم العقبة كمدينة صديقة للمشاة: بتنظيم الأرصفة، والممرات الآمنة، وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة داخل المدينة، مما يُحسن نوعية الحياة ويُعزز السياحة.
8. تحسين وتطوير وسائل النقل العام: بما يلبي تطلعات المواطن والزائر، ويعكس صورة حضارية للمدينة تتماشى مع المعايير الدولية.
9. التأكيد على دور العقبة كوجهة متعددة الأغراض: سواء كانت للعلاج، أو التسوق، أو الاستجمام، فهي مقصد لسكان محافظات الجنوب القريبة، وبقية المملكة، وسياح العالم الباحثين عن الدفء والشمس والماء النقي.
10. التعاون مع مقدمي الخدمات السياحية وتطويرهم: عبر رفع كفاءة الفنادق، وتنظيم برامج سياحية شاملة، وتطوير الكوادر البشرية في القطاع، والرقابة على جودة الخدمات المقدمة.
11. الدفاع عن حقوق المواطن وتعزيز واجباته: فالمحافظ هو ممثل جلالة الملك في المحافظة، وهذا يتطلب أن يكون نموذجًا في العدالة والرحمة والحزم.
12. مراقبة الحياة اليومية والتأكد من توفر السلع والخدمات: ومتابعة الأسواق، وضمان سلامة المباني والمحال التجارية والمجمعات، والتنسيق مع الجهات الرقابية والخدمية.
13. حماية البيئة البحرية والبرية: وخاصة بيئة الخليج والشعاب المرجانية التي تُعد كنزًا بيئيًا عالميًا، وتبني برامج توعية واستدامة بيئية ترتقي لمستوى التهديدات والتحديات المناخية.
14. تفعيل الدور المجتمعي للمؤسسات القادرة ماليًا: مثل الميناء، والمصانع، والشركات الكبرى، لتكون شريكة في التنمية، والتدريب، وتمكين الشباب، ودعم المبادرات الاجتماعية والبيئية.
15- خصوصية وحساسية بيئة العقبة الفيزيائية وكونها حاضنة سكانية كذلك، أمام وجود صناعات كيماوية وموانيء تحمل مواد خطرة، يتطلب دور فاعل للمحافظة، وذلك بتعزيز وتفعيل سبل وأدوار الحماية والرقابة وخطط الطواريء والجاهزية والإنذار المبكر والسيطرة، يضاف لذلك مخاطر طبيعية تحتاج الانتباه كالفيضان والزلازل.
كلمة أخيرة: إرادة ملكية وشراكة شعبية
إن المسؤولية اليوم ليست على المحافظ وحده، بل هي مسؤولية تشاركية، تبدأ من التوجيهات الملكية السامية، وتمتد إلى المواطن العادي. العقبة ليست فقط حلمًا أردنيًا، بل نموذجًا ممكنًا لما يمكن أن تكون عليه التنمية المستدامة والشاملة إذا توافرت الإرادة، والرؤية، والكفاءة، والتنسيق.
وفي ظل هذه التحولات، يبقى علينا أن ندعو بالتوفيق لعطوفة الدكتور خالد الحجاج في موقعه الجديد، ونرحب بحرارة بعطوفة اللواء أيمن العوايشة، آملين أن يكون عهده مرحلة جديدة من الإنجاز، تحمل العقبة إلى آفاق جديدة من الرخاء والاستقرار والنمو.