“حين تعبر بوابة الجامعة… وتبدأ رحلة الأسئلة

د. عمّار محمد الرجوب
حين تعبر البوابة، لا تخطو بقدميك فحسب، بل بخطوة قلبك وعقلك نحو عالم جديد، عالم تصطف فيه الأسئلة على جانبي الطريق، وتلوّح لك الإجابات من بعيد، كأنها نجوم تنتظر من يمدّ إليها يد الحلم.
“التعليم هو مصنع العقول ومختبر الإبداع… طريقنا نحو مستقبل يرتكز على العدالة والكفاءة والفرص المتكافئة” — من أقوال جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، كلمات تختصر رسالة التعليم كجسر بين اليوم والغد.
عندما تخطو نحو الجامعة، فأنت لا تدخل مجرد قاعة محاضرات، بل عالماً من الفرص والتحديات، من الحلم والمسؤولية، من الذات والتحوّل. تلك البوابة ليست نهاية رحلة، بل بداية أخرى؛ رحلة تتزاحم فيها الأسئلة، وتتشكّل فيها ملامحك الحقيقية، وتقرر أنت فيها كيف تصنع مستقبلك.
في عالم يفيض بالخيارات، حيث تتداخل الأصوات وتتزاحم الرغبات، يصبح اختيار الطريق أشبه برسم خريطة على صفحة بيضاء من الزمن. الإنسان ليس مجرد مسافر، بل هو فنان يبدع في تشكيل مصيره، بين ثنايا الفكر وحفيف القلب.
هناك لحظات في العمر تذكّرك بأننا لا نعيش لنجمع أوراق النجاح فحسب، بل لننسج منها نسيج الحياة بيدينا، بحكمة تتجاوز المعرفة، وبصبر يُثمر الأمل. الجامعة ليست مجرد محطة عابرة، بل هي فضاء نلتقي فيه مع ذواتنا، حيث تتساقط الأقنعة وتولد الحقيقة.
الجامعة ليست حجرًا وبناءً، بل هي سماء تفتح لك أجنحة الطيران، لكن الطيران لا يكتمل دون بوصلة واضحة. فالتخصص الذي تختاره ليس مجرد اسم على شهادة، بل هو عنوان رحلتك القادمة، وجسر يعبر بك من عالم الدراسة إلى واقع الحياة.
في وطننا، ما زالت هناك تخصصات تحتفظ بدورها الحيوي في سوق العمل: الطب والتمريض، والهندسة بفروعها، وعلوم الحاسوب التي ترسم ملامح المستقبل الرقمي، والأمن السيبراني الذي يحرسنا من عواصف العصر الرقمي، وإدارة الأعمال الحديثة التي تنسجم مع روح الاقتصاد الجديد.
لكن ليست كل الطرق تؤدي إلى الغد المشرق، فهناك تخصصات اكتظ بها السوق حتى ضاقت فرصها، وأحلام أصحابها عالقة بين الانتظار والبحث. لا انتقاصًا منها، ولكن دعوة للوعي العميق قبل اتخاذ القرار.
الاختيار الحكيم لا يقوم على بريق اللحظة ولا على إملاءات الغير، بل على مزيج متناغم بين شغف القلب ووضوح الرؤية، بين عشق التعلم وفهم الاحتياج، بين الحلم وعقلانية الواقع.
الجامعة تمنحك ما هو أثمن من الشهادات: تمنحك شبكة علاقات تمتد لسنوات، ومهارات تفكير نقدي، وفرص تدريب وتجارب واقعية. ومن يدخلها بعقل متفتح وروح متعطشة، يخرج منها صانعًا لمساره، لا مجرد حامل شهادة.
ومنذ اللحظة الأولى، ابدأ بصقل مهاراتك: فن التواصل، تحليل المشكلات، الإبداع، والقدرة على التكيف مع التغيير. هؤلاء هم الذين يحملون شعلة التغيير ويكتبون قصص النجاح في الواقع لا في الخيال.
وأنت أيها الأب، وأنت أيتها الأم، لا تفرضوا اختياراتكم على أبنائكم، بل أصغوا إلى أحلامهم، وكونوا رفقاء رحلتهم، فالدعم الحق هو أن تمهّدوا لهم طريقًا يقودهم لأنفسهم لا لنسخة مكررة منكم.
الحياة بعد الجامعة ليست حصاد درجات، بل أرض تُزرع فيها بذور الجهد والشغف، لتثمر نجاحًا يليق بطموحك، ورضا يملأ قلبك قبل جيبك.
مقولتي:
“ليس النجاح في أن تصل إلى نهاية الطريق، بل في أن تختار الطريق الذي يستحق أن تسير فيه.”
واقول شعريًا:
على مرفأ الحلمِ وقفتُ أتأمّلُ
أأبحرُ في مدٍّ صافٍ أم هائجِ؟
فأدركتُ أن الريحَ ملكُ يديّ
وأن سفينتي رفيقتي وراجعي
الخاتمة :
إن البوابة التي تعبرها اليوم ليست بابًا من حديد أو حجارة، بل بابًا إلى داخلك. فكل محاضرة تحضرها، وكل تجربة تخوضها، وكل تحدٍّ تواجهه، إنما هو مرآة تعكس ملامحك الحقيقية. والجامعة ليست مكانًا لتُصبح فيه نسخة عن أحد، بل لتكتشف فيه لماذا وُجدت أنت، وما هو الأثر الذي جئت لتتركه. فاعبر البوابة بعينين مفتوحتين، فربما أهم ما ستجده في رحلتك… هو نفسك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى